رأى آدم تايلور في صحيفة “واشنطن بوست” أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية هي “زواج مصلحة”، فلم يكن سلام القبضة كفيلا لإنقاذ العلاقات بين البلدين، فعندما زار الرئيس جو بايدن مدينة جدة في السعودية قبل 3 أشهر قوبل بنوع من الاستعلاء من الأمير الشاب محمد بن سلمان البالغ من العمر 37 عاما. وأثار اللقاء نقدا للزعيم الأمريكي وأنه يتقرب من الزعيم الفعلي للبلد الذي تعهد بجعله منبوذا بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي. إلا أن أي أمل بتجديد العلاقة بين البلدين تلاشى بقرار مجموعة أوبك+، الأسبوع الماضي، خفض معدلات إنتاج النفط بمليوني برميل في اليوم، وهو تحرك سيزيد من أسعار النفط في الولايات المتحدة خلال الشتاء، ويتسبب بصداع سياسي لبايدن قبل شهر من الانتخابات النصفية.
ويضم تحالف أوبك+ روسيا وهو في تضاد مع الولايات المتحدة وحلفائها بشأن الغزو الروسي في أوكرانيا، وقراره لكمة أخرى موجهة لأمريكا.
وردت إدارة بايدن سريعا على القرار، إذ أعلنت عن مراجعة للعلاقة مع السعودية وحذرت من تداعياته. ومن جانبها ردت السعودية ببيان قوي ومفصل، نشرته وكالة الأنباء السعودية، التي نقلت عن مسؤول سعودي لم تكشف عن هويته قوله إن القرار لخفض الإنتاج هو “اقتصادي بحت” و”تؤكد المملكة مواقفها مع الولايات المتحدة باعتبارها استراتيجية تخدم المصلحة المشتركة للبلدين. وتؤكد المملكة أيضا أهمية البناء على أعمدة العلاقة القوية التي قامت عليها العلاقات بين البلدين على مدى ثمانية عقود”، ومن بينها “الاحترام المتبادل”. إلا أن جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، رفض التوضيحات واتهم السعودية بالوقوف إلى جانب روسيا وتساءل: “هل يريدون البقاء إلى جانب روسيا؟”.
وقال تايلور إن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية غريبة. فلا توجد هناك معاهدة دفاع مشتركة تلزم الولايات المتحدة بالسعودية. وعوضا عن ذلك هناك زواج مصلحة يقوم على النفط والنفط وحده.
وتم تأسيس العلاقة غير الرسمية قبل 70 عاما وعلى بارجة حربية في قناة السويس بين الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود، وذلك بعد عودة روزفلت من مؤتمر يالطة في عام 1945، إذ توقف في مصر لمقابلة أهم قادة الشرق الأوسط ومنهم الملك فاروق والإمبراطور هيلاسيلاسي، ملك الحبشة. وكان هناك ملك غير معروف كثيرا وهو الملك بن سعود.
وكان بن سعود زعيما عسكريا جذابا هزم منافسيه وأصبح مؤسسا للسعودية. ولم يكن رجلا معروفا، وكان اللقاء في قناة السويس بالنسبة له أول مرة يغادر فيها المملكة. وجلب معه 8 نعاج إلى البارجة كوينسي حيث التقى مع روزفلت، لكي تذبح وتقدم على مائدة العشاء. ووجد الزعيمان لغة مشتركة بينهما، وتقاربا مع بعضهما البعض بسبب مرضهما. وتوصلا إلى اتفاق غير رسمي، تقدم فيه الولايات المتحدة دعما دبلوماسيا وعسكريا للمملكة الناشئة. مقابل دعم سعودي للولايات المتحدة في المنطقة ومنفذ على النفط السعودي.
توصل الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود إلى اتفاق غير رسمي، تقدم فيه الولايات المتحدة دعما دبلوماسيا وعسكريا للمملكة الناشئة. مقابل دعم سعودي للولايات المتحدة في المنطقة ومنفذ على النفط
وكانت احتياطات السعودية هائلة ويعتقد اليوم أنها ثاني احتياط في العالم بعد فنزويلا ولكن نوعية نفطها أفضل من النفط الخام اللزج الموجود في فنزويلا. ورغم ولادة المملكة قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنها كانت فقيرة لكي تستفيد من الثروة النفطية، وكانت بريطانيا، الحليف التقليدي للسعودية، منشغلة بالتعافي من آثار الحرب العالمية الثانية.
وقال بروس ريدل، المحلل السابق في سي آي إيه ومؤلف كتاب “ملوك ورؤساء”، “كانت الولايات المتحدة وحدها هي التي تملك المصادر لمساعدة الاقتصاد السعودي كي يتحمل الأعباء لحين إنتاج النفط بشكل كاف ولكي تستطيع السعودية السداد”. وفي السنوات التي تبعت اللقاء قي عام 1945، تم التعامل بنوع من الأسطورة وأنه شكل بداية علاقة نافعة للطرفين. وعلقت صورة بن سعود وروزفلت في السفارات الدبلوماسية السعودية حول العالم، وفي الحقيقة لم يكن هناك تحول كبير بعد اللقاء.
وجاء بعد روزفلت، هاري ترومان، الذي انتهج نهجا حذرا مع المملكة. وزاد إنتاج المملكة من النفط، إلا أنه لم يترك أثرا كبيرا، وفي عام 1950، وبعد سنوات من دعم النمو الناتج عن النفط، كانت موارد المملكة أقل من أي مدينة متوسطة في الولايات المتحدة. وعندما ازدهرت مصافي النفط السعودية في النهاية، لم يمض وقت حتى بدأ بعض الأمريكيين يتساءلون عن النقطة الأوسع للعلاقات معها. وفي عام 1972 و1973 استهدف حظر النفط بعد حرب أكتوبر الولايات المتحدة تحديدا إلى جانب الغرب، وزاد ثراء المملكة ونمت قوتها. ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن دبلوماسي أمريكي عام 1977: “لقد وصلنا إلى مرحلة أصبحنا فيها معتمدين عليهم أكثر من اعتمادهم علينا”، مضيفا “أيا كانت صداقتهم لنا جيدة أم غير ذلك، فهذا وضع غير صحي بالنسبة لنا”.
في تسعينيات القرن الماضي أصبحت السعودية أكبر مشتر للسلاح الأمريكي، وساهمت بدعم صناعة السلاح بنفس الأموال التي استخرجتها من صناعة النفط
وخارج قطاع النفط، كانت المصالح المشتركة عابرة، فعندما التقى روزفلت مع بن سعود في عام 1945، تركز معظم النقاش حول منظور الدولة اليهودية، والتي كان الملك السعودي معارضا لها، إلا أن الخلافات حول القضية الفلسطينية كانت في قلب كل الخلافات بين البلدين. وفي مرحلة لاحقة دخلت واشنطن والرياض في تحالف فضفاض أثناء الحرب الباردة، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979 اتحد البلدان في معارضة طهران. وبحلول التسعينيات من القرن الماضي أصبحت السعودية أكبر مشتر للسلاح الأمريكي، وساهمت بدعم صناعة السلاح بنفس الأموال التي استخرجتها من صناعة النفط.
إلا أن الحرب الباردة انتهت، ووجدت السعودية نفسها في نفس الصف مع موسكو ولنفس الأسباب في حالة أوبك+. وفي نفس الوقت تحاول إدارة بايدن إحياء المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني. ومنذ هجمات أيلول/سبتمبر 2001، هناك غضب يغلي ضد السعودية وتسامحها مع التطرف الديني. وفقدت صفقات السلاح بريقها نظرا لاستخدام السعودية الأسلحة الأمريكية في حربها الكارثية في اليمن إلى جانب جريمة قتل صحافي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي البشعة، والذي كان مقيما في أمريكا ويحظى باحترام في واشنطن.
تخفيض أوبك+ إنتاج النفط، لا يدعم فقط روسيا أو يدفع العالم نحو الركود بل هز أسس العلاقة القائمة على النفط مع الولايات المتحدة
فالعلاقة التي ظهرت بين روزفلت وبن سعود ليست قائمة بين بايدن ومحمد بن سلمان. وأحسن ما يمكن للأمريكيين قوله عنه اليوم هو الخطة الغريبة لبناء مدينة نيوم، فهي تخدم كداعم لمخططي المدن الأمريكيين والتكنولوجيا الأمريكية. والآن وقد خفضت أوبك+ إنتاج النفط، فإن ذلك لا يدعم بطريقة غير مباشرة روسيا أو يدفع العالم نحو الركود بل وهز أسس العلاقة القائمة على النفط مع الولايات المتحدة، ولو استمع بايدن لما يقوله بعض الديمقراطيين فزواج المصلحة ربما توجه نحو الطلاق.
“القدس العربي”