ويدلّ الفريق الأخير على صحة قراءته بالمقارنة بين الموقف التركي الصلب الذي أجبر تحرير الشام على الانسحاب من عفرين بعد دخول أرتالها إلى قرى ريف المحافظة في حزيران/يونيو 2022، عقب الاشتباكات التي اندلعت آنذاك بين الجبهة الشامية وحركة أحرار الشام في ريف مدينة الباب، وبين التعاطي التركي مع تقدم تحرير الشام مؤخراً.
ويمكن عند مراقبة السلوك التركي منذ اندلاع الاشتباكات الأخيرة، الخروج بأكثر من قراءة، الأولى أن لتركيا مصلحة فعلاً في توسيع نطاق نفوذ الهيئة إلى أرياف حلب التي تعاني من حالة من الفلتان نتيجة كثرة تناحر الفصائل، وعدم انضباط بعضها.
ويبدو من الصعب تفسير السلوك التركي، لأن كل ما يُقدّم لا يخرج عن إطار التوقعات، كما يؤكد مصدر تركي ل”المدن”، مضيفاً أن “هناك خطة ما تُنفّذ في الكواليس من دون أن يُفصح عنها أي طرف ضالع فيها”.
ويقول المصدر: “ظاهرياً، يمكن القول إن تركيا لا تفضّل التدخل في صدامات بين الفصائل، لكنها قادرة في الوقت نفسه، على السيطرة على المشهد الفصائلي من دون أن تتدخل فيه بشكل مباشر، وخصوصاً أن كل الفصائل تنصاع للتعليمات التركية، باستثناء بعض الفصائل التي تحاول التغريد خارج السرب، وهذه يتم تدجينها، وربما التفصيل الأخير يُفسر الصمت التركي، وأقصد هنا (الجبهة الشامية)”.
لكن تدجين الجبهة الشامية بقوة تحرير الشام قد يجلب على ريف حلب الشمالي الويلات، لأن روسيا قد تستغل ذلك لتوسيع نطاق قصفها لمناطق جديدة بحجة “مكافحة الإرهاب”، وهو الأمر الذي لا يخدم خطة تركيا الهادفة إلى إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري من أراضيها إلى الشمال.
ويقلق المصدر قائلاً: “نعم بكل أسف، ما زال صانع القرار التركي يتعامل مع الملف السوري ببراغماتية شديدة، ويدير هذا الملف أمنياً، وهو ما يجعل أنقرة تقع في مطبات تتحاشى الوقوع فيها”. ويستدرك: “إلا إذا كانت تركيا قد حصلت على تطمينات من روسيا في هذا الصدد، لكن روسيا استهدفت المنطقة بعد تمدد تحرير الشام بغارات جوية، وهذا ينفي الحديث عن تطمينات روسية”.
وثمة من يربط بين تمدّد تحرير الشام في أرياف حلب، وبين المقاربة التركية الجديدة في الملف السوري، حيث تريد تركيا ضبط المناطق الخاضعة لسيطرتها وتوحيد قرارها تمهيداً لتفاهمات جديدة قد تطرأ.
لكن، حتى وإن كان الأمر كذلك، فإن فصائل الجيش الوطني تمتلك قابلية أكثر من تحرير الشام بخصوص تنفيذ التعليمات التركية، إلا أن المصدر التركي يُخالف ذلك، مشيراً إلى أن “تحرير الشام لم تحِد عن تنفيذ تفاهمات مسار أستانة في الأرياف المتصلة بإدلب… لدى تركيا تجربة مع الهيئة على صعيد تنفيذ المطلوب على الأرض”.
قتال قسد
ورغم أن تركيا فرضت وقف إطلاق النار مساء الاثنين، ولم تسمح لتحرير الشام بالتقدم نحو أعزاز بعد أن وصلت إلى مشارفها الغربية، إلا أن احتمال تحكم الأخيرة بقرار درع الفرات العسكري تبدو أقرب إلى الحتمية.
وتذهب بعض التقديرات إلى أن تركيا تجهز الأرضية لتسليم تحرير الشام قرار الشمال السوري العسكري وتنصيبها رأس حربة في معارك تحضر لها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالتشارك مع النظام السوري وروسيا، حيث تتقاطع مصالح كل هذه الأطراف.
وفي هذا الاتجاه، يقول الكاتب والباحث السوري جمال الشوفي إن تنفيذ هذا السيناريو لا يمكن أن يتم من دون دعم الجانب الأميركي المتحالف مع قسد، ويضيف ل”المدن”، أنه “في الفترة الأخيرة شهدنا محاولات عديدة لتحريك الملف السوري، وخاصة بعد القلق الذي يسود العالم ما بعد أوكرانيا، وبدأت هذه المحاولات مع مبادرة التعافي الاقتصادي من جانب الإمارات، ومن ثم طرح الأردن مبادرة عربية للحل السياسي، وبين ذلك كانت هناك مبادرة تركية نحو التطبيع مع النظام”.
ويقول الشوفي إن المبادرة التركية غير واضحة المعالم حتى الآن، والظاهر منها فقط أن أنقرة تريد إيجاد نقاط استقرار في الداخل السوري على حساب الوضع الكردي (قسد)، لكن ما من مؤشرات حتى الآن على موافقة واشنطن أو حتى موسكو على ذلك.
ويثير الشوفي تساؤلات منها: أين دور الجيش الوطني؟ وأين الشارع المعارض من المبادرات المطروحة حول التقارب بين قوى المعارضة وقسد؟، وهل هناك تسويات تفرض استقدام تحرير الشام إلى ما تبقى من مناطق محررة، لإعطاء التحالف الدولي وروسيا الذريعة لتوسيع قائمة أهدافها؟