لم يكن تصرف قادة حماس الأخير ليفاجئ المتتبع لسلوك الحركة ومعظم نظرائها ممن يتخذون من المقدس شعارًا لحركاتهم، ففي جذر ما يصدر عنها من تحالفات مع أنظمة كنظام الأسد ونظام الملالي ميكيافيلية بالغة حدها الأقصى يبرر عن طريق المقدس قبحها وفقدانها بصيرتها الإنسانية.
وليس المدّ الإسلامي الذي جاء مرة محمولًا على براميل البترول وأخرى على براميل أخرى، وثالثة ممسكًا بذيول خيول سلطانية قادرًا على جسر الهوة مع الحداثة إلا في فضاء التنظير لأسباب يطول شرحها، ولكن من أهمها أن مقدسه المتمثل في نصوص مطواعة يؤولها بدالة مصالحه وبدفع للقيمة الأخلاقية إلى آخر السلم التفاضلي، وبالله الذي يظن معظم أبناء هذا التيار أنهم احتكروا تمثيل إرادته في غفلة عن أن تصورًا كهذا قد يصنفهم في خانة الشرك بالله، مقدس كلي تهمل أمامه كل الجزئيات.
كان نظام الأسد قد استخدم آلة القتل ضد فلسطينيين في المخيمات قصفًا وتجويعًا ودفعًا نحو المجهول، فما سر تبلد شعور من يمثلون حركة إسلامية فلسطينية وتناسيهم جرائم بحق من يقولون إنهم يمثلونهم؟
ليس كشف السر -إذا قفزت فوق اتهام الانتهازية- عصيًا، فكل ما يسفح على قربان القضية المقدسة من دماء رخيص إذا ما قيس إلى غايات القضية النهائية، أما ما ارتكب من جرائم بحق السوريين، فهو من باب أولى أقل من أن يحرك جفنًا لممثلي المقدس هؤلاء.
إن الأطفال الذين قتلوا ذبحًا بالسكاكين في الحولة ليسوا أقل قداسة من الأقصى، ولا الفتيات اللواتي فقدت عذريتهن في أقبية الظلام أقل قداسة من القدس، فليس للمقدسات التي يرفعها المتاجرون بها من أنظمة الاستبداد أو المقاتلون لأجلها من حلفائهم من معنى إذا تحول تقديسها إلى قشرة تخصف سوءات جرائم في حق الإنسانية.
ولا يمكن للمسلوب حريته وكرامته تحت حراب أنظمة مستبدة أن يكون جنديًا في معركة وجودية مع عدو وجودي كما يريد منه قادة حماس وأمثالهم. ولم يعد نافعًا التذرع بأمكنة مقدسة لوضع قضية فلسطين فوق كل القضايا، فقضايا الشعوب الباحثة عن حريتها متساوية في قدسيتها، والدم المسفوح على قرابين الحرية هو المقدس الأول.
كان تفجير حماسيين أنفسهم في أطفال ونساء في إسرائيل عملًا مؤصلًا عند بعض علماء الدين الإسلامي، بينما كان نفس العمل محظورًا عند هؤلاء العلماء عندما يقدم عليه متطرفون في مكان آخر بالاستناد إلى مستندات أصولية تضع ضوابط للسماح بقتل أبرياء، وهي ضوابط تختصر في كلية المصلحة وضرورتها وقطعيتها. مع أن العبرة المأخوذة من النتائج تؤكد أن العملين لا ينضبطان بضوابط المصلحة الموصوفة بهذه الصفات.
لم يعد لا تأصيل الانتقائيين لكم ولا مقدسكم صالحين من أجل تبرير استخفافكم بمأساتنا، وبالعلقم الذي تجرعته أمهاتنا وبناتنا، وقد أصبحتم في خانة عدونا ونحن نعبد الله الذي تعبدونه، ولكننا لا ندعي تمثيل إرادته، ونجزم أنه لا يقبل باستخفافكم بدمائنا ومأساتنا.