قال ديفيد أل فيليبس، مدير برنامج بناء السلام وحقوق الإنسان في جامعة كولومبيا، إن عملية التحول الديمقراطي في السودان بحاجة لدعم. وفي مقال نشرته مجلة “ناشونال إنترست” حذر من روسيا التي “تنتظر في الجناح” لزيادة استغلالها الاقتصادي ونشاطاتها المعادية، في ظل غياب الولايات المتحدة عن الساحة. وجاء مقاله نتاج زيارة للخرطوم من 1-7 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.
وكتب قائلا: “السودان يمر بأزمة، فقد أطيح بعمر حسن أحمد البشير، الديكتاتور السوداني في 2019. وشملت الحكومة الانتقالية التي تبعت البشير ممثلين عن الجيش والمجتمع المدني، لكن عملية المشاركة في السلطة انهارت وسيطر المسؤولون الأمنيون. والسودان بدون حكومة لأكثر من عام. وعاد النزاع في دارفور ومناطق أخرى مزقتها الحرب مثل ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق. وفي الوقت نفسه، تستفيد روسيا من الفوضى وتقوم بنهب ثروات البلد من المعادن وتستخرج الذهب لدعم آلتها الحربية”.
وسيطر كبار الجنرالات، أبرزهم الجنرال عبد الفتاح البرهان والجنرال محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) على السلطة في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، واعتقلوا رئيس الوزراء وفرضوا حالة الطوارئ وهاجموا المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية. وشجبت الولايات المتحدة التحرك بأشد العبارات وعلقت مساعدات بقيمة 70 مليون دولار للمساهمة في التحول الديمقراطي، كما سحبت دعمها لإلغاء ديون بقيمة 50 مليار دولار.
وبدون حكومة فقد ملأ الفراغ لاعبون سيئون مثل شركة المرتزقة الروسية فاغنر، مجموعة التعهدات الأمنية التي يترأسها المقرب من بوتين، يفغيني بريغوجين، المتهم بنشاطات خبيثة للتأثير على السياسة الأمريكية. واستغلت مجموعة فاغنر مصادر السودان من الذهب وأشعلت النزاعات بين الجماعات الإثنية. وفي اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، كان حميدتي في موسكو على رأس وفد تجاري. ويعترف الآن حميدتي بخطأ الزيارة ويريد تعاونا قريبا مع الولايات المتحدة. وأيا كانت الأخطاء التي ارتكبت فيجب على الولايات المتحدة التواصل مع المسؤولين الأمنيين وإجراء حوار خدمة للسلام والتقدم في السودان.
ويقول فيلييبس: “خلال لقاءاتي في الخرطوم بداية هذا الشهر، صادق حميدتي على دستور مدني جديد للسودان وعقد انتخابات في 2023. وأكد على ضرورة مشاركة قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة في حكومة السودان الديمقراطية في المستقبل. وحذر من فشل أي اتفاق بدون مشاركتها مما سيفاقم من مشاكل البلاد. وأكثر من هذا فقد انتقد حميدتي الإسلاميين المرتبطين بالبشير وشجب محاولاتهم اختراق مؤسسات الدولة البيروقراطية وتغيير صورة السودان عبر مأسسة الإسلاموية. ويدعم حميدتي برنامج العدالة الانتقالية الوطني، مؤكدا على ضرورة التحقيق في ممارسات قوات الأمن بما فيها عناصر التدخل السريع المتهمة بارتكاب جرائم ضد الشعب السوداني.
ويدعم حميدتي نظام المصالحة وقول الحقيقة والذي يستند على أحسن التقاليد السودانية والممارسات الدولية من أجل بناء وتعزيز السلام الدائم والتعافي والمصالحة الوطنية. وأضاف فيليبس أن كل محاوريه السودانيين تحسروا على الانقسامات في المجتمع السوداني. واعترفوا أن الحوار ضروري لبناء الإجماع بشأن الانتقال السياسي في البلاد.
ويعلق الكاتب أنه يجب الحكم على الجنرالات حسبما يفعلون لا ما يقولون. ويجب على البرهان وحميدتي دعم جيش سوداني واحد تحت قيادة مدنية. ويجب أيضا محاكمة المسؤولين الأمنيين الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب السوداني. فنحن ننتظر حتى نستمع من لجنة التحقيق في أحداث 5 حزيران/يونيو 2021 عندما قتل مدنيون ورميت جثثهم في نهر النيل. ولو استطاع المسؤولون الأمنيون تجاوز خلافاتهم فعندها ستتحد قوى المجتمع المدني حول خطة لإعادة الحكم المدني. والخلافات بين قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة في الأحياء كبيرة وأساسية، كما أن هناك خلافات شخصية تفاقمت بسبب الخلافات وتباين المواقف بشأن الدستور. فقوى الحرية والتغيير ترى ضرورة تعديل دستور عام 2019، فيما قامت نقابة المحامين السودانيين بإعادة كتابة الدستور من جديد.
ويجب والحالة هذه التوصل لحل الخلافات والتوفيق بين المواقف. وفي الوقت نفسه، زادت معدلات العنف في دارفور والهوامش السودانية الأخرى. وينص قانون جوبا الموقع عام 2020 على إعادة تنظيم القوات المسلحة وقوى الأمن والتقدم بخطة طريق للعدالة الانتقالية والتعويضات وإصلاح الضرر وصيغة لمشاركة الجماعات الإثنية الأخرى في العملية الانتقالية السياسية بالسودان. وعلى الجماعات التي لم توقع على الاتفاق في الشرق توقيعه من أجل إنعاشه. صحيح أن السودانيين منقسمون إلا أنهم متفقون على الحاجة لدور أمريكي فاعل. ويريدون من إدارة بايدن المساعدة في التوسط بين مكونات في القطاع الأمني وفصائل المجتمع المدني، والجيش والمجتمع المدني.
والأهم في كل هذا هو تحديد الحكومة الجديدة وبشكل واضح موقفها من روسيا، وتحديدا، خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وهي خطط لا بد من إحباطها. وتريد الولايات المتحدة إنهاء الأزمة التي غرق فيها السودان منذ عقود. وتظل الولايات المتحدة أكبر مساهم بالمساعدات الإنسانية للسودان، لكن الدعم المفتوح لا يمكن الحفاظ عليه واستدامته.
وفي النهاية لدى الولايات المتحدة مصلحة وطنية بمساعدة السودانيين لحل خلافاتهم وتشكيل حكومة بقيادة مدنية. وسيكون للاستقرار في السودان أثره الكبير على الوضع في منطقة القرن الأفريقي وكذا الدول الأفريقية مثل إثيوبيا وليبيا. وفي غياب المشاركة الأمريكية، تنتظر روسيا في الجناح وتستعد لزيادة نشاطاتها الاقتصادية ودعم النشاطات الخبيثة ضد الديمقراطية.