تحتضن ولاية إسطنبول التركية، يومي الخميس والجمعة مباحثات سياسية بين الجانبين التركي والروسي بشأن العملية التركية البرية التي تنوي أنقرة شنها ضد مواقع حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال سوريا، إذ تقود موسكو جانبين من الواسطة بين أنقرة ودمشق من جهة، وتركيا و»قسد» من جهة أخرى، وذلك لبحث المقاربات التركية – الروسية ومنع أي «اعتداءات» على وحدة الأراضي السورية، بينما أعلنت الولايات المتحدة رفضها بشكل حاسم أي توغل بري تركي محتمل، رافضة أن تواصل تركيا هجماتها.
وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان رسمي، أن الوفد الروسي المشارك في المشاورات سيترأسه نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، أما الوفد التركي فسيترأسه نائب وزير الخارجية سادات أونال. ومن المنتظر أن يناقش الوفدان ملفات إقليمية مثل سوريا وليبيا وفلسطين إلى جانب تطبيق اتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود، بحسب وكالة الأناضول التركية.
من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مشاركته في منتدى «قراءات بريماكوف» في موسكو، «سنعمل بحزم لضمان منع أي اعتداءات على وحدة أراضي سوريا».
وأبدى لافروف اهتمام بلاده باستئناف الحوار على أساس اتفاق أضنة بين تركيا وسوريا، معتبراً أن المتطلبات الأساسية لهذه العملية نضجت الآن من أجل حل قضايا محددة لضمان الأمن على الحدود، مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا، والتي يعترف بها النظام السوري، وفق قوله.
وينص اتفاق أضنة الموقع بين سوريا وتركيا عام 1998 على إعطاء تركيا حق «ملاحقة الإرهابيين» في الداخل السوري حتى عمق 5 كيلومترات، و»اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر» كما ينص على تعاون سوريا التام مع تركيا في «مكافحة الإرهاب» عبر الحدود، وإنهاء أي شكل من أشكال دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً.
التركي – الروسي
وفي هذا الإطار أبدى الباحث لدى مركز مشارق ومغارب عباس شريفة عن اعتقاده بأن تحمل زيارة الوفد الروسي إلى أنقرة، جانبين من الوساطة، الأول بين النظام السوري وتركيا، والثاني بين «قسد» وأنقرة. وقال شريفة لـ»القدس العربي» إن أجندات الوفد الروسي، هي ثلاث أجندات أساسية، الوساطة بين قسد وأنقرة التي فشلت والوساطة بين أنقرة والنظام السوري، وأيضاً محاولة فهم ما جرى في اللقاء بين الجانبين التركي والأمريكي، لا سيما بعدما شهدت العلاقات بين البلدين انفراجات، كان آخرها الإفراج عن صفقة «إف 16» التي كانت متوقفة بقرار من الكونغرس الأمريكي.
وذهب المتحدث إلى أن «روسيا لن تستطيع تحقيق أي نتائج إيجابية في الوساطتين حيث تشترط تركيا انسحاب «قسد» من مسافة 32 كم وتسليم المنطقة لقوات النظام السوري، بيد أن تصريح قسد واضح في هذا الشأن، بأنها لن تسمح بسيطرة النظام السوري على هذه المناطق وبالتالي فشل المفاوضات الروسية بين أنقر وقسد.
عقبات وضغوط
وحول العقبات أمام الوساطة التي تقودها روسيا بين أنقرة والنظام السوري، قال شريفة إن شروط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاء بشار الأسد هي «المساعدة في العودة الآمنة للاجئين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام إضافة إلى شرعنة وجود تركيا». والنظام، لديه شروطه أيضاً، حيث يطالب بانسحاب القوات التركية وإجراءات بناء الثقة بتسليم عدد من قيادات المعارضة، ووقف دعم المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، وعدم تقديم الدعم السياسي أو العسكري للمعارضة السورية، وبدأ يفتح قضية الحدود ولواء إسكندرون. كل هذه عقبات تحول إذاً دون تحقق اللقاء بين نظام الأسد والرئيس التركي الذي كان قد وضع شروطاً بالأمس على اللقاء مع رأس النظام السوري.
ويتوقع الباحث عباس شريفة المهتم بالشؤون السورية – التركية، أن تستخدم أنقرة سياسة الضغط القصوى في حال لم تتحقق مطالبها بسبب معارضة كل من واشنطن وموسكو بإبعاد قوات «قسد» مسافة 32 كم عبر «تنفيذ المزيد من العمليات الأمنية والعسكرية ضدها أو بعض الأهداف اللوجستية أو ضد قيادات ومقرات قسد». وفي الوقت ذاته استبعد المتحدث «أي عملية عسكرية في المدى المنظور لكن تركيا ستضغط باتجاه هذه العملية في حال لم تتحقق شروطها».
وبحث المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن خلال اتصال هاتفي العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان. وذكر بيان صادر عن مكتب المتحدث باسم الرئاسة التركية، أن قالن وسوليفان بحثا العلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية، والتعاون في مجال صناعات الدفاع، والحرب الروسية – الأوكرانية، وسبل محاربة الإرهاب في كل من سوريا والعراق والقضايا الإقليمية.
وأعرب قالن وسوليفان عن ارتياحهما للاجتماع الذي عقد على مستوى قادة البلدين في جزيرة بالي على هامش قمة مجموعة العشرين الشهر الماضي، حيث تم الاتفاق على مواصلة الحوار والمشاورات حول القضايا العالمية والإقليمية. وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية أن عمليات بلاده في سوريا والعراق تستهدف «تنظيم بي كي كي الإرهابي» وذراعيه «بي واي دي» و»واي بي جي»، الذي يشكل خطراً على الأمن القومي التركي.
وقال منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي «لا نريد أن نرى عمليات عسكرية تُجرى في شمال غرب سوريا، والتي ستعرض المدنيين لخطر أكبر مما هم عليه بالفعل وتهدد جنودنا وأفرادنا في سوريا وكذلك مهمتنا في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية».
ويرى الباحث السياسي عباس شريفة، أن واشنطن تعرض من جهتها حلولا لتجنيب قسد مغبة التوغل التركي حيث قال «تعرض واشنطن حلاً للتوسط بين قسد وأنقرة، يقضي بإبعاد العناصر المصنفة على أنها إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني مقابل أن توقف تركيا عملياتها ضد قسد». وتظهر الولايات المتحدة تخوفها من تأثير العملية العسكرية التركية على قدرة «قسد» في مواجهة تنظيم «الدولة»، لذلك رأى المتحدث أن الموقف الأمريكي سيبقى ممانعاً ورافضاً للعملية البرية التركية.
وكانت قد سربت معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة قد طلبت من تركيا التعاون من أجل طرد الميليشيات الإيرانية من الشمال السوري والتعاون معها في مكافحة تنظيم داعش من أجل السماح بعملية عسكرية تركية محدودة في منطقة عين العرب والمالكية.
الكاتب والباحث التركي محمد طاهر أوغلو أكد في تصريح لـ «القدس العربي» أن الحملة البرية «لا تزال حتى اللحظة رهن المفاوضات والمناقشات التركية – الروسية، والتركية – الأمريكية، لاسيما بسبب وجود خطوط تماس وقوات عسكرية روسية وأمريكية منتشرة على الأرض، لذا فإن أنقرة مضطرة لهذه الترتيبات».
وقال إن «المؤشرات لا توحي حتى الآن، بأن أنقرة قد تلقت رسائل إيجابية بخصوص الحملة البرية الموسعة» واستطرد قائلاً «رغم ذلك أنقرة مصرة أكثر من أي وقت مضى على موقفها، بشن العملية البرية».
من جهته، قال رئيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة «وضعت حداً للهجمات التركية». واستبعد بولوك أنْ تتمكن «تركيا من تنفيذ عملية عسكرية جديدة في سوريا». وأضاف لوكالة «نورث برس» المقربة من قسد، أن «تركيا ترغب بتحدي الوجود الأمريكي على أراضي سوريا».
حل على غرار درعا
عضو المجلس الوطني الكردي عبد الباسط حمو، أكد في تصريح لـ «القدس العربي» أن المحاولات الروسية والأمريكية لتجنيب المنطقة الحملة البرية التركية، مازالت قائمة. وقال حمو «لا يوجد إلغاء للعملية التركية، إنما هناك تأجيل وليس توقيفاً» لافتاً إلى عدم التوصل «إلى أي تفاهم حتى الآن بين القوى الفاعلة، فالنظام يطالب «قسد» بأن يكون الحل على غرار درعا، أي تسليم المنطقة للنظام السوري، على أن تتحول «قسد» إلى قوة محلية لا أكثر، تتخلى بموجب هذا الاتفاق عن الإدارة الذاتية وتصبح المنطقة تابعة للنظام في جميع المناحي الحياتية». لافتاً إلى رفض «قسد» لهذا الطرح، فهي «تطالب بخصوصية لتواجدها في المنطقة وتطالب باعتراف النظام بالإدارة الذاتية» مؤكداً استمرار الحوار بين قسد والنظام تحت الرعاية الروسية. وأعرب المتحدث عن أمله بأن تسفر المفاوضات عن «تفاهم يرضي جميع الأطراق ويمنع التدخل العسكري، لما فيه من مأساة ستواجه المدنيين، وستزيد من موجات التهجير».
“القدس العربي”