نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا حول التقييمات الأمريكية والحلفاء في أوروبا، المتعلقة بالدعم اللازم والكافي لتحقيق أوكرانيا النصر على روسيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن القادة في كييف تعهدوا باستعادة كامل الأراضي التي احتلتها روسيا بما فيها شبه جزيرة القرم التي ضُمت للأراضي الروسية عام 2014، ولكن الطريقة لإخراج الروس من 15% من أراضي أوكرانيا، هي عسكرية.
والجواب على هذا السؤال عسكري، لأن موسكو لن تتخلى عن الأراضي الأوكرانية التي احتلتها إلا إذا اكتشفت أن قواتها تتكبد خسائر فادحة في الحرب. وخلف هذه الأحاديث بشأن حاجة أوكرانيا للدعم العسكري والذخائر، استعدادُ الغرب لمواصلة تقديم هذا الدعم، لأن حظوظ الأوكرانيين في المعركة تعتمد في النهاية على المساعدات العسكرية بمليارات الدولارات التي يقدمها الغرب.
كما يحتاج إخراج روسيا من المناطق التي سيطرت عليها مزيدا من الدعم، أكثر مما قد يتحمله الغرب. وفي تصريحات لوزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، لصحيفة “وول ستريت جورنال” يوم الإثنين الماضي، قال إن الولايات المتحدة مستعدة لدعم أوكرانيا في استعادة أراضيها التي سيطر عليها الروس منذ 24 شباط/ فبراير، مقترحا أن واشنطن قد لا تقدم الدعم المطلوب لمساعدة كييف على استعادة الأراضي التي تسيطر عليها روسيا منذ عام 2014 بما فيها شبه جزيرة القرم.
إلا أن حلفاء آخرين لأمريكا مصممون على استعادة كامل الأراضي الأوكرانية، كما قال وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم في زيارة لواشنطن الأسبوع الماضي: “أي شيء أقل من هزيمة روسيا في أوكرانيا، سيجرأ موسكو وبقية الدول الديكتاتورية”.
ويتوقع المسؤولون البارزون من حلف شمال الأطلسي، نهاية الحرب على طاولة المفاوضات. وقال يانس ستولتنبرغ في اجتماع أخير مع وزراء خارجية الحلف: “لكن ما يحدث حول الطاولة مرتبط بشكل مطلق مع الوضع في ساحة المعركة”، و”يبدو هذا تناقضا ظاهريا، ولكن الواقع هو أن أحسن طريقة لإنجاز سلام دائم في أوكرانيا هي تزويدها بالدعم العسكري”.
ويشمل الدعم العسكري أنظمة دفاع جوية لحماية أوكرانيا من الصواريخ والمسيرات التي تستخدمها روسيا لتدمير البنى التحتية الأوكرانية، وتهدد بخلق أزمة إنسانية مع بداية الشتاء. وتعهدت الدول الغربية بتقديم الدعم اللازم لأكرانيا بسرعة. وعلى المستويات التقليدية في الحرب، يحتاج الأوكرانيون لمزيد من الذخيرة وأنظمة السلاح والتدريب ومعدات غير قاتلة مثل المعدات الطبية والملابس الواقية، وهو ما تقوم بتقديمه الدول الغربية، لكن ليس بالسرعة التي يريدها الأوكرانيون لكي يتمكنوا تحقيق انتصارات ضد روسيا. وعندما سئل وزير الخارجية الأوكرانية ديمتري كوليبا لتحديد طلبات بلاده، رفض التعليق قائلا: “لا تستطيع حسبة عدد الأسلحة التي تريدها للنصر”، ولكن لقاء الناتو الذي حضره كوليبا، وافق “على حصول أوكرانيا على كل ما تريده” كما قال. والسؤال المطروح هو ما يعنيه الحلفاء بالنصر، حسب دبلوماسيين على معرفة بالنقاشات.
وقال وزير خارجية ليتوانيا، غابريوليس لاندسبرغيس: “على الغرب سؤال نفسه: ما هو الهدف النهائي؟”. وأضاف أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لديه صيغة جيدة، عندما قال في الصيف إن هدف واشنطن هو التأكد من عدم تحول غزو أوكرانيا إلى نجاح بالنسبة لبوتين، بل إلى فشل إستراتيجي ذريع. وقال لاندسبرغيس: “لا أرى طريقة تخسر فيها روسيا إستراتيجيا وتتمسك بالأراضي”.
ويقول الخبراء العسكريون إن إخراج روسيا من المناطق التي تسيطر عليها حاليا، يحتاج هجوما عسكريا أكبر مما تستطيعه القوات الأوكرانية. وقضت القوات الروسية أشهرا إن لم تكن سنوات لتحصين مواقعها، ومن الصعب الهجوم عليها بدون تكبد خسائر فادحة. واستعادة مناطق من عدو متمكن يحتاج إلى ما يطلق عليه القادة العسكريون “أساليب عسكرية مجتمعة” تمزج ما بين المصفحات وقوات المشاة والدعم الجوي، ويتم تنسيقها بشكل كامل عبر المعلومات الاستخباراتية المفصلة.
وتقول العقيدة العسكرية المعيارية في هذا السياق، إن القوة المهاجمة عليها حشد قوات عسكرية أكبر من القوات المدافعة، وعليها تحضير نفسها لتكبد خسائر كبيرة. واستطاعت القوات الأوكرانية حرف ميزان الحرب لصالحها من خلال دخول خاركيف في أيلول/ سبتمبر، ودخول خيرسون الشهر الماضي، وذلك عبر ضرب خطوط الإمدادات الروسية والوقود بدون مواجه الروس مباشرة. ويقول الجنرال المتقاعد بن هودجز، الذي قاد القوات الأمريكية في أوروبا: “من المهم الحديث عن الآثار وليس الأشياء”.
وعلق قائد القوات المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي، بالقول إن خيرسون وخاركيف تعتبران مناطق صغيرة مقارنة مع المناطق التي لا تزال خاضعة للقوات الروسية. وأضاف: “إخراج القوات الروسية من أوكرانيا مهمة صعبة، ولن يحدث في الأسابيع المقبلة إلا في حالة انهيار كامل للجيش الروسي، وهو أمر غير محتمل”.
وقال وزير الخارجية الأوكراني: “نحن لا نضع جداول زمنية لأنفسنا” لكي نخرج القوات الروسية.
ويرى داعمو أوكرانيا، أن الرئيس فلاديمير بوتين يعول على تراجع الدعم الغربي للحرب. وقال الجنرال هوجز: “يعرف الروس أن مركز الجاذبية في هذا القتال هو الدعم الغربي ويريدون تقويضه”. وزيادة كلفة الدعم لأوكرانيا باتت تلفت الانتباه، فقد قدمت أمريكا منذ بداية الحرب مساعدات عسكرية بقيمة 32 مليار دولار، بما فيها 20 مليارا على شكل أسلحة ومساعدات أخرى.
وتمويل الحرب بهدف إخراج الروس من المناطق التي سيطروا عليها، سيكون أعلى. واقترح ميلي قبل فترة، أن الحرب ستنتهي بحل سياسي يفضي لانسحاب روسي، وقال: “تريد التفاوض من موقع قوة، وروسيا الآن مهزومة”. وانتقد داعمو أوكرانيا الحل السياسي بدون استعادة السيادة على المناطق التي تحتلها روسيا اليوم. ويقولون إن كلفة الحرب ستكون أعلى لو أُجبرت كييف على التفاوض مع روسيا بدون مساعدتها على تحقيق انتصار واضح.
ولو تحول النزاع إلى حرب راكدة في بعض المناطق، فلن يتعافى الاقتصاد الأوكراني بشكل يفتح المجال أمام أزمة إنسانية تستدعي دعما ماليا دوليا. وتحتاج أوكرانيا 5 مليارات دولار في الشهر، من المساعدات غير العسكرية من أجل الحفاظ على الخدمات والإدارة. ولو شعر الأوكرانيون أن الغرب باعهم مقابل تسوية لا تفي بطلباتهم، فستحل الديماغوجية والقومية، محل الحماسة للناتو والغرب.
ويقول توماس كلاين بروكوف، الباحث الألماني البارز في صندوق مارشال: ” تسوية متعجلة قد تكون مكلفة على الغرب”، وبالنسبة لداعمي أوكرانيا، فهذا يعني مزيدا من الأسلحة المتقدمة. وقال لاندسبيرغيس: “علينا دعم فكرة إرسال دبابات أفضل لأوكرانيا”، مضيفا أن الغرب لم يصل بعد لمرحلة الحل السياسي.
“القدس العربي”