ترجمة: علاء الدين أبو زينة
لماذا يتم الترحيب بكرواتيا في ناد أوروبي حصري بينما لا يتم الترحيب ببلغاريا ورومانيا فيه؟ وعلى الأساس نفسه: لماذا ينبغي للمجر، وهي دولة معروفة بالفساد، وابتزاز الاتحاد الأوروبي، والنفور غير المخفيّ من المهاجرين من أي نوع، أن تظل جزءًا من منطقة “شنغن”، خاصة وأن أفعالها لا تتبع في كثير من الأحيان القواعد المعلنة للاتحاد الأوروبي؟
من الواضح أن هناك شيئًا يجري خلف الكواليس.
* *
يوافق معظم الناس، في العلن أو غير ذلك، على الحدود التي تمنع العناصر الأجنبية من دخول مناطق راحتهم.
لكنهم في الوقت نفسه يكرهون الحدود التي تمنعهم من الوصول، في أسرع وقت ممكن، إلى المواقع الجميلة التي يرغبون في زيارتها.
في تشرين الثاني (نوفمبر)، مهد البرلمان الأوروبي الطريق لقبول كرواتيا وبلغاريا ورومانيا في منطقة “شنغن”، وهي مجموعة الدول الأوروبية التي ألغت ضوابط التأشيرات الداخلية.
وفي 8 كانون الأول (ديسمبر)، وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على توسيع مساحة شنغن وجعل الوصول إلى شواطئ كرواتيا الجميلة على الأقل سهلًا، أخيرًا بلا تلك الضوابط الحدودية المملة.
وسيتعين على رومانيا وبلغاريا الانتظار لفترة أطول لأن مستويات الفساد وانتشار الجريمة المنظمة ومشاكل مراقبة الحدود -كما يذكِّر الهولنديون والنمساويون الجميع باستمرار- ما تزال منتشرة في كل مكان هناك.
وحتى نكون صريحين، فإن شواطئهما على البحر الأسود ليست مطلوبة كثيرًا في الوقت الحالي.
لكنّ هناك أسبابًا وجيهة للتشكيك في قبول كرواتيا في منطقة “شنغن” قبل بلغاريا ورومانيا.
الفساد وكراهية الأجانب في كرواتيا
يقود كرواتيا حزب “الاتحاد الديمقراطي الكرواتي” المحافظ الذي ينتمي إلى يمين الوسط، والذي لم يتمكن بعد من الانفصال عن طرق والده المؤسس، فرانجو تودجمان.
ما تزال القومية والتحريفية وانعدام التسامح حية وبصحة جيدة في البلاد. وتمكن مقاضاة خطاب الكراهية، لكن ذلك لا يحدث كثيرًا.
وتشكل الأساطير المستمرة عن الكروات الطيبين و”الآخرين” السيئين (ومعظمهم من الصرب) عقبة خطيرة أمام التعامل مع الماضي.
ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لم يتمكن سوى نصف حوالي 250.000 شخص من أصل صربي غادروا البلاد في العام 1995 من العودة إلى البلد.
وما تزال محاكمة جرائم الحرب التي ارتكبت خلال “حرب الوطن” بطيئة للغاية.
كما لم تُحل المشاكل المتعلقة بلاجئي اليوم أيضًا.
وكما يقول تقرير لـ”منظمة العفو الدولية” عن العام 2021، واصلت كرواتيا حرمان الآلاف من طالبي اللجوء المحتملين من الحصول على اللجوء فيها.
ووثقت منظمات الإغاثة حوالي 10.000 حالة صد وطرد جماعي، والعديد من حالات العنف وسوء المعاملة، في حين تؤكد المنظمات غير الحكومية أن الصد العنيف للاجئين عند حدود البلاد هو ممارسة واسعة النطاق ومنهجية.
وقد نفت كرواتيا باستمرار ارتكاب أي مخالفات.
في 8 كانون الأول (ديسمبر)، قالت ثماني منظمات حقوقية رائدة (منها “هيومن رايتس ووتش”) ما يلي:
”على مر السنين، غضت مؤسسات الاتحاد الأوروبي الطرف مرارًا وتكرارًا عن الأدلة الدامغة على الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان التي تحدث على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك كرواتيا، وكافأت التكتيكات القاسية التي حصنت الحدود ومنعت الأشخاص الباحثين عن الحماية من دخول مناطق الاتحاد الأوروبي بأي ثمن”.
”إن ما يتكشف على الحدود الخارجية لكرواتيا وغيرها من حدود الاتحاد الأوروبي هو أزمة في سيادة القانون، التي تُقابل فيها انتهاكات الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في اللجوء، بإفلات واسع النطاق من العقاب.
وقد أشارت لجنة مجلس أوروبا لمنع التعذيب إلى أن وزارة الداخلية الكرواتية ترفض ما يقرب من 90 في المائة من جميع الشكاوى المتعلقة بسوء سلوك الشرطة”.
ويبدو أن هذه التكتيكات القاسية على حدود كرواتيا قد آتت أكلها؛ حيث يبدو قبول كرواتيا في منطقة “شنغن” وكأنه “شكر” لها من بقية أوروبا على رفضها مثل هذا العدد الكبير من المهاجرين.
يركز البرلمان الهولندي على الفساد المتنامي في رومانيا وبلغاريا. لكن الوضع الكرواتي يترك الكثير مما هو مرغوب فيه أيضاً. ووفقًا لمنظمة “الشفافية الدولية”، فإن البلدان الثلاثة ليست متباعدة على سلم الترتيب، حيث تحتل بلغاريا المرتبة 42، ورومانيا 45، وكرواتيا 47 (أسوأ درجة هي 0 ومتوسط الاتحاد الأوروبي هو 66).
كما تتحدث جمعية الصحفيين الكرواتيين عن أكثر من 900 دعوى تشهير جنائية نشطة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، وهو عدد كبير بالنسبة لبلد صغير مثل كرواتيا.
وقد رفع السياسيون والمسؤولون العموميون معظم هذه القضايا لترهيب وسائل الإعلام الأصغر والصحفيين المستقلين، بمن فيهم أولئك الذين يحققون في قضايا الفساد، مما يعرضهم لخطر إضافي من عصابات الجريمة المنظمة.
وقد يُستهدف الصحفيون الذين يتناولون الجرائم التي ارتكبتها القوات الكرواتية خلال حرب الاستقلال 1991-1995 بحملات المضايقة أيضًا.
صحيح أنه تم بذل بعض المحاولات لتحسين وضع اللاجئين. قبل عام، على سبيل المثال، أنشأت السلطات الكرواتية آلية مراقبة للتحقيق في التقارير الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان على طول حدود كرواتيا، على الرغم من أن الهيئة تفتقر إلى الاستقلال والولاية القوية لمعالجة الانتهاكات بشكل فعال.
ويتم تقديم الأفراد الفاسدين، وكثير منهم وزراء سابقون، إلى العدالة، وتم الإبلاغ عن اعتقالهم صراحة. وهناك أيضًا تحسينات ملحوظة في تعزيز مكافحة العنف القائم على الجند
ر. وقد حصل الأزواج المثليون على الحق في تبني الأطفال. والإجهاض قانوني في البلد (على الرغم من أن بعض الأطباء، بتشجيع من الكنيسة الكاثوليكية القوية للغاية، يرفضون القيام به).
ويكتسب ممثلو الجماعات والأحزاب السياسية الخضراء والبديلة والمستقلة الدعم في زغرب وسبليت ومدن أخرى من خلال برامجهم التي تمتاز بقدر أكبر من الالتزام بتحسين العلاقات بين الأعراق.
ويريد معظم المواطنين الكرواتيين أن يكونوا جزءًا من المجتمع الأوروبي الأوسع وليس مجرد الوقوف ومشاهدة جميع الآخرين في أوروبا وهم يسافرون بلا تأشيرات في فضاء الـ”شنغن”.
ومع ذلك، سوف تظل لدى كرواتيا بعض الحدود المصطنعة، تلك التي في الشرق، والتي تريد العديد من العناصر الأجنبية عبورها بتكلفة كبيرة، مادية أو نقدية. ويبلغ طول هذه الحدود الشرقية 1.400 كيلومتر، وتبقي على صربيا، والبوسنة والهرسك والجبل الأسود على الجانب الآخر في المناطق النائية من أوروبا.
من المرجح أن يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدة مالية لكرواتيا للحفاظ على هذه الحدود.
وتنخرط “فرونتكس”، الوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل، بميزانيتها السنوية البالغة 754 مليون يورو، مسبقاً في المنطقة. لكن ممارساتها أثارت بعض الشكوك، خاصة فيما يتعلق بمراكز الاحتجاز السرية للمهاجرين التي تنتهك القانون الدولي.
وقد شوهدت سيارات تحمل شعار “فرونتكس” بجوار هذه المراكز. ويؤكد الصحفي الهولندي، ديرك والترز، أن “كل هذه الهياكل غير رسمية؛ إنها تقع خارج الأطر الرسمية والقانونية، وليس هناك إشراف مستقل”.
معيار “شنغن” المزدوج
إذا كان بإمكان كرواتيا الانضمام إلى منطقة “شنغن”، فلماذا يتعين على رومانيا وبلغاريا الانتظار؟
وعلى الأساس نفسه: لماذا ينبغي للمجر، وهي دولة معروفة بالفساد، وابتزاز الاتحاد الأوروبي، والنفور غير المخفيّ من المهاجرين من أي نوع، أن تظل جزءًا من منطقة “شنغن”، خاصة وأن أفعالها لا تتبع في كثير من الأحيان القواعد المعلنة للاتحاد الأوروبي؟
من الواضح أن هناك شيئًا يجري خلف الكواليس.
في تشرين الأول (أكتوبر)، ناقش البرلمان الهولندي اقتراحًا يحث حكومة رئيس الوزراء، مارك روته، على “عدم اتخاذ أي خطوات لا رجعة فيها” بشأن منح “شنغن” لرومانيا أو بلغاريا من دون إجراء “مزيد من التحقيقات في طرق مراقبة الحدود والحد من الفساد والجريمة المنظمة في كلا البلدين”.
وقرر البرلمان الهولندي في نهاية المطاف استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قبول بلغاريا ورومانيا في منطقة “شنغن”، معلنا أنهما غير مستعدتين لذلك بعد.
ولكن، تحت ضغط الاتحاد الأوروبي، غير البرلمان موقفه، وقرر في بداية كانون الأول (ديسمبر) استخدام حق النقض ضد انضمام بلغاريا فقط.
فهل تمكنت رومانيا من تحسين وضعها في شهر واحد فقط بينما لم تفعل بلغاريا ذلك؟ وقد رد البلغار على الفور، بخيبة الأمل والسخط. وقال المدعي العام البلغاري إيفان غيشيف:
”فيما يتعلق بتصريح مارك روته، بأنه يريد ’استبعاد إمكانية عبور الحدود بشكل غير قانوني بين تركيا ومنطقة “شنغن” عبر بلغاريا بورقة نقدية من فئة 50 يورو، فإنني أعلن، بوصفي المدعي العام لجمهورية بلغاريا أن مكتب المدعي العام ليس لديه بيانات أو أدلة على ذلك‘، وأشير إلى أنه يجب على الهولنديين تقديم بيانات عن قضايا الرشوة حتى يمكن التحقيق فيها وتقديمها إلى المحكمة البلغارية”.
وكانت كلمات روته الدقيقة في مؤتمر صحفي بعد هذه الملاحظة التي تعرضت لانتقادات شديدة: “أنا لا أقول إن هذا يحدث، لكنني أريد أن أثبت صراحة أنه لا يحدث”.
ولا يمكن لأي محام و/أو مواطن محترم سوى أن يصاب بالذهول.
وليس هذا هو الصدع الوحيد في الوحدة الأوروبية. قبل عشرة أشهر، جمعت الحرب في أوكرانيا كل الدول الأعضاء معًا كما لم يحدث من قبل، لكنّ الخلافات حول الرد المشترك على العدوان الروسي أصبحت تكتسب زخمًا اليوم.
وقد تضاعفت الصراعات حول “كوفيد” والمناخ والطاقة. وبذل اليمين المتطرف قصارى جهده لاستغلال استياء المواطنين واحتجاجاتهم لخدمة أغراضه الخاصة، ولم يتردد في الانغماس في جميع أنواع نظريات المؤامرة.
وعلى سبيل المثال، ادعى اليميني الهولندي، تييري بوديت، أن هناك نخبة في العالم الغربي تسعى إلى إقامة دولة عالمية: “أعتقد أننا محكومون بمؤامرة عالمية ترتبها الزواحف الشريرة”.
وفي الوقت نفسه، ما تزال الجريمة المنظمة والفساد بعيدين كل البعد عن أن يكونا من الأنشطة الحصرية لدول البلقان. في 7 كانون الأول (ديسمبر)، تم إلقاء القبض على 25 مواطنًا ألمانيا في أكبر عملية للشرطة على الإطلاق تجري في ألمانيا وتستهدف المتطرفين اليمينيين.
ويشتبه في أنهم “يخططون للإطاحة بالحكومة، وتنصيب نظام ظل بقيادة أرستقراطي يبلغ من العمر 71 عامًا، ويسعون إلى إجراء محادثات مع روسيا لإعادة التفاوض على تسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية”.
وبحسب ما ورد، فإن لدى هذه المجموعة أكثر من 20.000 متابع، وهو عدد أكثر من كاف لتأهيلها كمنظمة إجرامية خطيرة للغاية.
أما بالنسبة للفساد، فقد تم احتجاز إيفا كايلي، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، في 7 كانون الأول (ديسمبر) مع أربعة آخرين لاستجوابهم بشأن الفساد المزعوم وغسل الأموال، وقال المدعون البلجيكيون إنهم اكتشفوا 600.000 يورو موضوعة في حقائب عدة في أماكن عملهم.
وعلق ميشيل فان هولتن، مدير منظمة الشفافية الدولية في الاتحاد الأوروبي، بقوله:
”في حين أن هذه قد تكون أفظع حالة فساد مزعومة شهدها البرلمان الأوروبي منذ سنوات عديدة، إلا أنها ليست حادثة معزولة… على مدى عقود عديدة، سمح البرلمان بتطور ثقافة الإفلات من العقاب، مع مزيج من القواعد والضوابط المالية المتساهلة والافتقار التام للرقابة الأخلاقية المستقلة (أو في الواقع أي رقابة على الإطلاق)… ويقوم المكتب الحاكم للبرلمان بحظر كل محاولة جادة لتحسين المساءلة، بموافقة غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي”.
على الرغم من كل هذا، ما يزال الاتحاد الأوروبي أحد أفضل الأشياء التي حدثت في أوروبا منذ وقت طويل. ولكن، سيتعين على المنظمة اتباع معاييرها وقواعدها المعلنة، حتى أدق التعاليم في الكتاب.
كما يجب أن تعمل بشكل وثيق مع منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” و”منظمة الشفافية الدولية” وغيرها من المنظمات غير الحكومية.
وسيكون إبقاء هذه المنظمات على مسافة أحد أكبر أخطاء الاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك كله، يجب أن يضع الاتحاد حدًا للمعايير المزدوجة التي تسمح لبعض الدول الأعضاء بخرق القواعد والفساد بينما لا تسمح لغيرها بذلك.
*ميرا أوكلوبدزيجا Mira Oklobdzija: باحثة مستقلة وناشطة وعالمة اجتماع وعالمة أنثروبولوجيا. على مدى السنوات الـ12 الماضية، كانت باحثة في فريق الخبراء العاملين في مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
تشمل كتبها “الثورة بين الحرية والديكتاتورية”، ومع سلوبودان دراكوليك وكلاوديو فينزا، “حرب العصابات الحضرية في إيطاليا”، إضافة إلى عدد من المقالات التي تتناول حقوق الإنسان والعنف السياسي وجرائم الحرب والمصالحة والهجرات والطبيعة البشرية وكراهية الأجانب والمجموعات الهامشية والغرباء. تعيش في لاهاي بهولندا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Schengen, Corruption, and Xenophobia: The Eu’s Double Standards
“الغد”