تقرير خاص – (الإيكونوميست) 15/12/2022
رؤساء أوكرانيا، في سلسلة غير مسبوقة من الإحاطات، يخبرون مجلة “الإيكونوميست” عن الأشهر الحرجة التي تنتظرهم في الأمام.
* * *
تقوم روسيا الآن بحشد الرجال والأسلحة لشن هجوم جديد على أوكرانيا. في وقت قريب هو كانون الثاني (يناير) المقبل، وإنما الأكثر ترجيحًا في الربيع، يمكن أن تشن موسكو هجومًا كبيرًا ينطلق من دونباس في الشرق؛ من الجنوب أو حتى من بيلاروسيا، الدولة التابعة في الشمال. وستهدف القوات الروسية إلى دحر القوات الأوكرانية، بل إنها قد تبذل محاولة ثانية للاستيلاء على العاصمة، كييف.
وليست هذه كلماتنا نحن، بل هي تقييم قائد القوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوجني. وفي سلسلة غير مسبوقة من الإحاطات خلال الأسبوعين الماضيين، حذرنا الجنرال، إلى جانب فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، والجنرال أولكسندر سيرسكي، قائد قواتها البرية، من الأشهر القليلة الحرجة المقبلة.
وقال لنا الجنرال زالوجني: “الروس يعدون حوالي 200.000 جندي جديد. ليس لدي شك في أنهم سيعمدون إلى محاولة أخرى للاستيلاء على كييف”.
وتقول مصادر غربية إن القائد الروسي، الجنرال سيرغي سوروفيكين، كان ينظر دائمًا إلى هذا الصراع على أنه صراع متعدد السنوات.
لكن هذا ليس هو الرأي السائد خارج أوكرانيا. مع حلول فصل الشتاء الوحل المتجمد، يُعتقد أن الصراع وصل إلى حالة من الجمود.
لم تكن هناك أي حركة تقريبًا لمدة شهر على طول 1.000 كيلومتر أو نحو ذلك من جبهة القتال.
وقال الأدميرال السير توني راداكين، أكبر ضابط في بريطانيا، هذا الأسبوع، إن النقص في قذائف المدفعية يعني في الوقت الحالي أن نطاق العمليات البرية الروسية “يتضاءل بتسارع”.
يغذي مظهر الجمود اهتمامًا جديدًا بمحادثات السلام. وقد تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الأميركي جو بايدن و(لأسباب مختلفة جدًا) المعتدي الروسي فلاديمير بوتين نفسه، جميعًا في الأيام الأخيرة عن حل دبلوماسي.
كما أن كثيرين في الغرب، من الذين روعتهم المعاناة -أو بدوائع أكثر أنانية، الذين سئموا من ارتفاع أسعار الطاقة، سوف يرحبون بهذا. ولكن قادة أوكرانيا يزعمون أن هذا لا ينبغي أن يحدث في وقت مبكر جدًا، وهم على حق.
إذا سعت أوكرانيا إلى وقف الحرب اليوم، وتجميد خطوط المعركة حيث هي، فإنه يمكن للروس أن يستعدوا بشكل أفضل للهجوم التالي.
ويمضي جنرالات بوتين قدمًا في برنامجهم لتدريب ونشر القوات المعبأة حديثًا وإعادة تجهيز الصناعة الوطنية للمساعدة في المجهود الحربي، بما في ذلك، كما يقول القادة الأوكرانيون، إنتاج قذائف المدفعية.
وسوف يكرر التجميد خطأ السنوات الثلاث التي سبقت الغزو في 24 شباط (فبراير) 2022. في ذلك الوقت، تحدث بوتين إلى ما لا نهاية مع قادة الغرب، الذين انغمسوا معه في النقاش، بينما كان يعد جيوشه للغزو طوال ذلك الوقت.
تتلخص المسؤولية الكبرى للغرب في ضمان فشل أي هجوم روسي مضاد. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب زيادة إمدادات الأسلحة لأوكرانيا وبسرعة.
وقد استخدمت أوكرانيا نظام الصواريخ “هيمارس” الذي يزودها به الأميركيون منذ حزيران (يونيو) بتأثير مدمر على مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة والسيطرة الروسية، مما سمح بالتقدم السريع أولا في الشمال الشرقي ثم في الجنوب.
لكن روسيا نقلت العديد من هذه الأهداف إلى خارج نطاق فعالية بطاريات هيمارس الأوكرانية. ولذلك، تحتاج أوكرانيا الآن إلى ذخائر أكثر قوة، مثل صواريخ “أتاكمس” التي يمكن أن تضرب أهدافًا تبعد ضعف المسافة على الأقل.
وهي تحتاج إلى الكثير منها، وكذلك الذخيرة العادية والمدفعية من جميع الأنواع، إضافة إلى الدبابات والمروحيات وغيرها الكثير.
تحتاج أوكرانيا أيضًا إلى المساعدة على صد الهجمات الروسية على أنظمة الكهرباء والمياه والتدفئة المدنية. وتهدف هذه الهجمات إلى تدمير الاقتصاد الأوكراني، وكذلك ضرب معنويات القوات الأوكرانية على خط المواجهة التي يشعر أفرادها بالقلق على عائلاتهم في الوطن.
كما يوضح الجنرال زالوجني، فإن مخزونات أوكرانيا من الذخيرة لأنظمة الدفاع الحالية الموجودة لديها تنضب (معظمها من الأسلحة المضادة للطائرات من الحقبة السوفياتية التي أعيد تكييف استعمالاتها لتستخدم ضد الصواريخ).
وهي تحتاج أيضًا إلى دفاعات مضادة للقذائف أكثر بكثير وأفضل؛ وسيكون نظام “باتريوت” الأميركي للدفاع الجوي المضاد للصواريخ، الذي يبدو الآن أنه قادم إلى أوكرانيا، دفعة كبيرة، لكن تدريب الجنود على استخدامه سيستغرق وقتًا، وكان يجب تزويدها قبل أشهر.
إذا كان لأوكرانيا أن تخرج من هذا الصراع ديمقراطية مزدهرة، فلن يكون حتى الدفاع الجوي كافيًا: إنها تحتاج أيضًا إلى استعادة المزيد من الأراضي.
وعلى الرغم من أن القوات الروسية لم تتمكن من الاستيلاء سوى على شريحة صغيرة من ساحل البحر الأسود في أوكرانيا هذا العام، فإن ذلك يضعها قريبة بما يكفي من جميع الموانئ الكبيرة التي تسيطر عليها أوكرانيا بحيث تستطيع تهديد الشحن.
وبصرف النظر عن كميات محدودة من الحبوب يتم تصديرها بموجب اتفاق الأمم المتحدة، ما تزال صادرات أوكرانيا مقطوعة إلى حد كبير.
كما أن الاستيلاء على المزيد من الأراضي يساعد على تجنب الوصول إلى صراع مجمد من خلال إظهار أن الرئيس بوتين يخاطر بفقدان حتى المكاسب التي حققها.
ومع الحدود القائمة اليوم، تمتلك روسيا جسرًا بريًا يمكنه إعادة إمداد شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا وتهديد جنوب البلاد.
وعلى النقيض من ذلك، إذا تمكنت أوكرانيا من قطع الجسر البري واستعادت الساحل الشمالي لبحر آزوف، فسيكون بوسعها أن تتفاوض من موقع قوة، حيث تكون قد وضعت حتى شبه جزيرة القرم في نطاق المدفعية.
وبهذه الطريقة يمكن أن تنزع المصداقية عن الفكرة السائدة في روسيا بأن بوتين يمكن أن ينتصر ببساطة عن طريق شن هجوم آخر في غضون بضع سنوات.
ما تزال أوكرانيا على استعداد لتقديم التضحيات التي يتطلبها استمرار القتال. وقد أخبرنا السيد زيلينسكي بأن “95 أو 96 في المائة من الناس يريدون استعادة جميع أراضيهم”؛ استعادة كل ما استولت عليه روسيا في العام 2014 إلى جانب ما استولت عليه هذا العام.
ويجادل بأن الوعود الغربية بتقديم الضمانات الأمنية هي بديل ضعيف لسلامة أراضي بلاده. فبعد كل شيء، أثبتت الضمانات المماثلة التي قدمتها أميركا وبريطانيا لأوكرانيا في العام 1994، عندما سلمت كييف الأسلحة النووية السوفياتية التي كانت على أراضيها، أنها عديمة القيمة تقريبًا بعد 20 عامًا.
سوف تكون لمؤيدي أوكرانيا وجهة نظر مختلفة قليلاً. فهم يعتقدون أن استعادة كل شيء هي هدف متطرف ستكافح أوكرانيا بشدة لتحقيقه، لأسباب ليس أقلها أنه سيعني في بعض الأماكن تحرير أناس لا يريدون أن يتم تحريرهم.
وتشكل تهديدات بوتين النووية سببًا لتأكيد أن روسيا ليست منتصرة، ولكنها أيضًا سبب لمطالبة أوكرانيا بألا تبدو وكأنها تهدد حدود روسيا المعترف بها.
ويتعين على أوكرانيا أيضًا أن تفهم أن تدفق المساعدات العسكرية والمالية يعتمد على تجنبها للمنافسات الداخلية التي قد تكون في طريقها إلى الظهور، وعلى ضمان كبح جماح الفساد الذي طال أمده في البلد.
مع ذلك، فإن العالم بأسره -بما في ذلك روسيا- سيستفيد من فشل الفكرة الانتقامية القائلة إنه يمكن إعادة إنشاء الإمبراطورية الروسية القديمة.
إذا تم دعم أوكرانيا بشكل كاف، يمكن لقادتها أن يقطعوا شوطًا طويلاً في استعادة الأرض نحو الساحل، وربما يستعيدون معظم ما استولى عليه بوتين منذ شباط (فبراير). وكلما زادت مساحة الأراضي التي يمكن أن تستعيدها أوكرانيا، زادت فرص تحقيق نجاحها الدائم.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: A looming Russian offensive
“الغد”