نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالا لبيل لو، محرر “أراب دايجست”، لخص فيه حصيلة العلاقات الغربية مع منطقة الخليج عام 2022، وقال إن العام شهد تحولا تكتونيا أو معماريا في العلاقات ما بين دول الخليج والغرب. وقال فيه إن قادة الخليج انتهزوا فرصة حرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا وأجبروا الغرب على النظر إليهم بطريقة مختلفة.
ففي الوقت الذي كانت فيه دول الخليج تبحث ولسنوات عن طرق تعيد من خلالها التفكير بعلاقاتها مع الغرب، إلا أن عام 2022، سيكون تحولا معماريا مهما في طبيعة العلاقات. وجاء في المقال أن الإشارات كانت حاضرة حول طبيعة التوجه: فقد أظهر قادة الولايات المتحدة المتعاقبين اهتماما قليلا في الخليج أبعد من صفقات السلاح والموافقة عليها إلى جانب التأكد من استقرار تدفق النفط إلى الأسواق العالمية. وتجاهل باراك أوباما مجلس التعاون الخليجي عندما حاول البحث عن اتفاقية مع إيران بشأن برنامجها النووي، أما دونالد ترامب فقد تعامل مع السعودية كـ “بقرة حلوب” لصفقات الأسلحة ومصالح عائلته.
وشعر قادة الخليج بتعامل الغرب معهم بأبوية وبدون التفات لأصواتهم في وقت أثرت فيه جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي على علاقات السعودية مع الدول الغربية، إلا أن المسرح كان جاهزا للتغيير وينتظر حادثا للإعلان عن مرحلة جديدة: ففي 24 شباط/فبراير أرسل الرئيس فلاديمير بوتين قواته إلى أوكرانيا. وواجهت أوروبا، التي اعتمدت وبشكل كامل على النفط والغاز الروسي، أكبر أزمة لها منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت الذي رأت فيه الحاجة للوقوف أمام بوتين قبل أن تصل الحرب إلى أراضيها، لوحت دول الغرب بسلاح العقوبات إلى جانب التخلص من التبعية للطاقة الروسية. وزادت أسعار النفط والغاز ووجد منتجو الهيدروكربون في الخليج أنفسهم يحملوا سوطا لم يمتلكوه منذ السبعينيات.
التزمت دول الخليج بموقف المحايد ورفضت الانضمام لنظام العقوبات الغربي ضد روسيا، لكنها دعمت مشاريع القرارات الشاجبة للغزو الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومع استمرار الحرب، وجد قادة الخليج أن الحياد يمنحهم ميزة تجاه روسيا، تماما كما حققته سويسرا مع النازيين.
مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وجد قادة الخليج أن الحياد يمنحهم ميزة تجاه روسيا، تماما كما حققته سويسرا مع النازيين
وفي آذار/مارس، سافر رئيس الوزراء البريطاني في حينه بوريس جونسون إلى الرياض والتقى مع ولي العهد، محمد بن سلمان، وكان أول لقاء بين رئيس وزراء بريطاني وولي العهد منذ مقتل خاشقجي. وجاء جونسون مناشدا السعوديين من أجل زيادة معدلات إنتاج النفط لتخفيف حدة التضخم في بريطانيا، ولكنه عاد خاوي الوفاض. ثم جاءت زيارة جو بايدن في 15 تموز/يوليو وقبضة اليد مع محمد بن سلمان في مدينة جدة الساحلية. وفي اليوم التالي ناشد بايدن بدون جدوى قمة مجلس دول التعاون الخليجي +3 زيادة معدلات إنتاج النفط. وتكرر نفس السيناريو مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرحبا بولي العهد السعودي في باريس نهاية شهر تموز/يوليو، وتم تقديم الطلب بشأن النفط وتم تجاهله. وقبل انتخابات التجديد النصفية، حيث كان بايدن وحزبه الديمقراطي في وضع غير مريح، قدم نفس الطلب برفع معدلات إنتاج النفط، ورفض مرة ثانية. بل وجاءت الأخبار غير السارة وهي أن أوبك+ وبضغط من السعوديين ستقوم بخفض معدلات إنتاج النفط بمليوني برميل في اليوم، مما وضع الملح على الجرح.
طلب ثلاثة قادة كبار وبشكل مفتوح ورفضت طلباتهم ثلاث مرات. فقد كانت لدى محمد بن سلمان القوة لكي يقول لا، وأعاد تأهيل صورته بدون أن يحصل الغرب على مقابل. وخلف النبرة الصماء، واقع جديد، ففي تشرين الأول/أكتوبر، دعم النائب الديمقراطي توم مالينوسكي قرارا يهدف لسحب القوات وأنظمة الصواريخ الدفاعية الأمريكية من السعودية والإمارات. وفي رسالة مرفقة بالقرار عبر مالينوسكي والداعمين للقرار عن غضبهم قائلين: “حان الوقت لكي تعود الولايات المتحدة وتتصرف كقوة عظمى في علاقاتنا مع عملائنا في الخليج. اختاروا وعليهم تحمل التداعيات، هناك حاجة لقواتنا ومعداتنا في أماكن أخرى”. ويرى الكاتب أن التهديد بسحب القوات وأنظمة الصواريخ الدفاعية في وقت تشعر فيه دول الخليج بالقلق من التهديد الإيراني، كان تصرفا غير منطقي، وبخاصة أن المخاوف من إيران تشترك فيها إسرائيل حليفة الولايات المتحدة بالمنطقة. كما أن وصف دول الخليج بـ”الدول العميلة” هو تعبير عن غرور وقصر نظر منح الجيل الجديد من القادة الذين ظهروا في الخليج خلال العقد الماضي الفرصة.
وصعد محمد بن زايد، الذي ظل الحاكم الفعلي للإمارات إلى السلطة بعد وفاة أخيه في أيار/مايو، لا هو ولا محمد بن سلمان أو أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أو أمير الكويت ولا البحرين أو عمان ينظرون إلى أنفسهم كعملاء للولايات المتحدة. وبخاصة في وقت تتلاشى فيه القوة الأمريكية إقليميا وعالميا، وهم يتعاملون مع شركاء آخرين في وقت يقبلون فيه بقاء الولايات المتحدة كضامن أمني لهم في المستقبل القريب. وفي وقت تراجعت فيه حظوظ بوتين بالمنطقة بسبب حملته العسكرية الفاشلة في أوكرانيا، كان شي جي بينغ، الرئيس الصيني، الذي رأى اتجاه الريح بطريقة أفضل من أمريكا، منشغلا بعقد الصفقات.
في وقت تراجعت فيه حظوظ بوتين بالمنطقة بسبب حملته العسكرية الفاشلة في أوكرانيا، كان الرئيس الصيني، الذي رأى اتجاه الريح بطريقة أفضل من أمريكا، منشغلا بعقد الصفقات
ففي تشرين الثاني/نوفمبر، وقعت قطر للطاقة اتفاقية لمدة 27 عاما لتقديم الغاز المسال مع شركة ساينوبك. وتعتبر العقود طويلة الأجل شرطا لا غنى عنه للمزودين والمشترين تضمن استقرار السوق للطرف الأول واستقرار السعر للطرف الثاني.
وكما قال وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، “هذا ينقل علاقتنا لمستويات أعلى”. ووصف وزير الطاقة والبنى التحتية الإماراتي سهيل المزروعي في بداية كانون الأول/ديسمبر العلاقات مع الصين بأنها “نموذج عالمي”. في وقت يقوم فيه محمد بن زايد بالبناء على عقد وقع في 2019 جعل من الإمارات مركزا لمبادرة الحزام والطريق.
وفي 8 كانون الأول/ديسمبر استقبل شي بحفاوة في السعودية وبطائرات أطلقت الدخان الأخضر والسجاد القرمزي الذي فرش له. ووقع مع ولي العهد سلسلة من العقود الإستراتيجية، واحد منها مع هواوي رغم مظاهر القلق الأمريكية حول الشركة والمخاطر الأمنية التي تمثلها للولايات المتحدة. ثم جاء كأس العالم، الذي لم يضع قطر في مركز المسرح العالمي فقط، ولكنه جاء بهزيمة صادمة من السعودية للفريق الأرجنتيني وقاد لوصول المغرب إلى مباريات نصف النهائي، وأصبح رمزا لصعود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لم يضع كأس العالم قطر في مركز المسرح العالمي فقط، ولكنه جاء بهزيمة صادمة من السعودية للفريق الأرجنتيني وقاد لوصول المغرب إلى مباريات نصف النهائي، وأصبح رمزا لصعود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
كما ودفن محمد بن سلمان وتميم بن حمد العدواة التي استمرت ثلاثة أعوام وزار محمد بن زايد مهندس الحصار قطر، وفي الوقت الذي تواصل فيه دول الخليج البناء على ما حصل في عام 2022، إلا أنها ستعمل على تعزيز المكاسب من الحرب في أوكرانيا عام 2023.
وستظل الطاقة هي المركز مع أن جهود التنويع الاقتصادي ستظل مهمة. وطالما ظل بايدن في البيت الأبيض، فستظل العلاقات الأمريكية- السعودية متوترة وأقل توترا مع الإمارات، التي كان قادتها ناجحين بتجنب اللوم الذي ألقي على السعودية بسبب حرب اليمن.
وفي الوقت نفسه سيتجنب قادة البلاد الثلاثة السماح بتعميق الشق مع الولايات المتحدة نظرا لحاجتهم إلى الضمانات الأمنية من أعظم قوة في العالم.
لكن محاولة بناء توازن ستكون صعبة ومن الجيد مراقبة ذلك. وسيحاول محمد بن زايد استخدام مؤتمر المناخ أو كوب28 في أبوظبي لتقديم أجندة خضراء والتأكيد في الوقت نفسه على بقاء النفط في قلب استراتيجية الطاقة بالخليج، وهو توازن يمكنه عمله في ظل قدرة الإمارات، الدولة البوليسية، على التحكم بالتظاهرات وتشكيل الدعاية. هذا إلى جانب المساعدة من الخلف في استمرار تأهيل ولي العهد السعودي، وفي الوقت ذاته ستواصل الصين نموها واستخدام قوتها الإقتصادية للبقاء في صف دول الخليج التي تشترك معها بالطبيعة الشمولية. ولن تلتفت الولايات المتحدة والغرب لقضايا حقوق الإنسان قدر اهتمامها بالوجود الصيني في منطقة الخليج.
وباختصار، سيتم تذكر عام 2022 بعام التحول، وهو العام الذي استغل فيه جيل من القادة الجدد في الخليج الفرصة، التي وفرها لهم بوتين وأجبروا من خلالها الغرب على النظر إليهم بطريقة مختلفة.
“القدس العربي”