تشير العديد من العوامل التاريخية والحديثة إلى أن البعد النووي للسياسة الخليجية يشهد من جديد حالة من التغير المتواصل وسط أزمة طاقة عالمية متفاقمة.
* * *
تفيد إحدى القواعد المتبعة في الصحافة بأن الرد على سؤال معين لا يعد بياناً حول سياسة حكومية جديدة. وإذن، ما الذي ينبغي استخلاصه من التعليق الذي أدلى به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في الآونة الأخيرة بأنه “إذا أصبح لدى إيران سلاح نووي جاهز للعمل، فسيكون من الصعب التكهن بما سيحدث”؟ في حديثه خلال مؤتمر في أبوظبي، تابع الوزير بالقول: “نحن في وضع خطير للغاية في المنطقة. يمكنك أن تتوقع أن دول المنطقة ستدرس بالتأكيد كيفية ضمان أمنها”.
وكانت كلماته هذه جديرة جداً بأن تُنشر وتجذب الانتباه، الأمر الذي يفسر سبب قيام وكالة “رويترز” وغيرها من وسائل الإعلام بتداولها على الفور. ولكن، هل يدل كلام الوزير على سياسة سعودية جديدة تسعى إلى مضاهاة طموحات إيران النووية المفترضة، كما اقترح الحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العام 2018 عندما صرح لشبكة “سي بي إس نيوز” بأنه “إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها من دون شك في أقرب وقت ممكن”.
إن النقطة التي تسبب تعقيداً إضافياً لمحللي السياسات الذين يحاولون أن يعرفوا بدقة مدى أهمية التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي هي أن مصطلح “جاهز للعمل” يفتقر إلى الوضوح، وأن عبارة “سيكون من الصعب التكهن بما سيحدث” تعني أنه لا يمكن التنبؤ بالأمور بدلاً من أن تكون مؤكدة. ومع ذلك، تشير عوامل أخرى، تاريخية وحديثة، إلى أن البعد النووي لسياسة الخليج العربي يشهد مجدداً حالة من التغير المتواصل على أقل تقدير، نظراً لموارد النفط والغاز الطبيعي التي تملكها دول الخليج، مما يضيف عنصراً آخر من عدم اليقين إلى أزمة الطاقة المتفاقمة التي يشهدها العالم في الوقت الحالي.
منذ أسبوع واحد فقط، كان من المتوقع أن تنطوي زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى السعودية على جانب نووي محتمل؛ حيث حضر أيضاً قمماً ضمت قادة الدول العربية الأخرى في “مجلس التعاون الخليجي”، وكذلك العالم العربي الأوسع نطاقاً. وفي آب (أغسطس) 2020، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المملكة العربية السعودية “قد شيدت بمساعدة صينية منشأة لاستخراج الكعكة الصفراء من خام اليورانيوم… الأمر الذي أثار قلق المسؤولين الأميركيين والدول الحليفة من أن البرنامج النووي الناشئ في المملكة يمضي قدماً بينما تُبقي الرياض المجال مفتوحاً أمام خيار تطوير سلاح نووي”.
من هنا، كان المسؤولون في حالة تأهب خلال عطلة نهاية الأسبوع الذي تلا التصريحات السعودية تحسباً لأي تطور نووي جديد. ولهذه القصة خلفياتها في نهاية المطاف؛ إذ إن الصواريخ التي باعتها الصين للسعودية قبل أكثر من 30 عاماً قادرة على حمل سلاح نووي، وللمملكة علاقات وثيقة مع باكستان، التي قايضت قبل 40 عاماً تكنولوجيا التخصيب بواسطة أجهزة الطرد المركزي بتصاميم أسلحة صينية وبضعة رؤوس حربية من المواد عالية التخصيب.
فإلى أي مدى ستقدم الصين المساعدة للمملكة العربية السعودية؟ الجواب غير واضح. فقد فرضت واشنطن عقوبات شديدة على الصين بسبب تعاملاتها مع باكستان؛ حيث تم حرمانها من التكنولوجيا النووية المدنية خلال الثمانينيات إلى أن استعادت موادها النووية المنقولة من إسلام أباد التي انصاعت على مضض في ذلك الحين. لكن الصين قد تقف موقف المتفرج هذه المرة، وتراقب باكستان وهي تؤدي دوراً أكبر في هذا المجال. ويعتبر المطلعون أن الرياض هي على الأرجح العميل الرابع للدكتور عبد القدير خان الذي أفشى الأسرار النووية وأُلقي اللوم عليه بالكامل في نقل التكنولوجيا، علماً بأنها انتقلت أيضاً إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية. ووفقاً لهذه الرواية، كان الجيش الباكستاني متآمراً مع خان، وقد عين هذا الجيش للتو رئيساً جديداً هو الجنرال عاصم منير.
وتتكهن وسائل الإعلام الباكستانية، التي تتمتع بدرجة عالية من الموثوقية، بأن منير سيقوم قريباً بزيارة إلى السعودية. وتُفيد بعض التقارير أيضاً بأن باكستان تسعى إلى الحصول على قرض بقيمة 4.2 مليار دولار من المملكة لتعزيز احتياطها المتدني جداً من العملات الأجنبية.
في الواقع، ليست السعودية وحدها هي التي تعيد النظر في موقفها الدبلوماسي. ففي حديث للمستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد في اليوم السابق لانعقاد المؤتمر نفسه الذي شارك فيه وزير الخارجية السعودي، حذر أنور قرقاش الدول الأوروبية التي تلتمس من الخليج إمدادات الطاقة الطارئة من أن التعاون يجب ألا يتخذ شكل “صفقات”. وفي إشارة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” المتعثرة مع إيران، أضاف عبارة يكتنفها غموض أكبر: “هذه فرصة لنا جميعاً لحضور (المؤتمر) وإعادة النظر في المفهوم بأكمله”. وبخلاف حليفها السعودي، وافقت الإمارات على التوقيع على اتفاقية مع واشنطن بموجب الجزء 123 من قانون الطاقة الذرية -تُعرف بـ”اتفاقية 123″- والتي تتخلى بموجبها عن التخصيب النووي وإعادة المعالجة النووية (مع أن هذه الاتفاقية تحتوي على بند وقائي للتملص من الالتزامات).
وصف وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد مؤخرًا علاقات بلاده مع السعودية بأنها “استراتيجية وقوية ومستدامة”. ولا يُعرف ما إذا كان الجزء المتعلق “بالاستدامة” إقراراً بالمخاوف البيئية الحالية أم لا، لكن هذه الكلمات لا تنسجم مع أي وصف للعلاقات الأميركية الحالية مع الخليج. ويبدو أن واشنطن قد أحيلت إلى مقاعد المتفرجين، على الأقل في نظر (دول) الخليج.
*سايمون هندرسون: زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، متخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج الفارسي.
“الغد”