للشهر الثاني على التوالي، تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا، حراكاً شعبياً واسعاً، ضد سياسات النظام السوري، يطالب بإسقاط النظام وحل الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية في المحافظة، حيث جدد أهالي المحافظة الاثنين، حراكهم الاحتجاجي بعد دعوات لاستئناف الاعتصامات وسط المدينة، بينما أصدر النظام السوري قراراً يقضي بإعادة نشر قوات الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام بمشاركة الفروع الأمنية الأربعة “العسكرية والجوية وأمن الدولة والأمن السياسي” على المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية، والمراكز الحدودية الرسمية، بحجة منع تهريب الأموال والمواد والبضائع، والمساعدة في ضبط سعر الصرف وضبط حدود البلاد.
وقالت مصادر محلية، لـ”القدس العربي” إن أهالي مدينة السويداء جددوا اعتصامهم تحت عنوان “تخلي الدولة عن مسؤولياتها”، كما أكد “منظّمو الحراك، أن الدعوة مستمرة ومفتوحة لكل أطياف المجتمع وقواه وهيئاته”. وأظهرت مقاطع مرئية وقفة صامتة لعشرات المعتصمين في مدينة السويداء، حاملين لافتات كتبوا عليها عبارات ورسومات، تندد بتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتطالب بالتغيير السياسي في سوريا.
ورصدت “القدس العربي” بعض الشعارات التي تعكس رأي المعتصمين في ساحة السير وسط مدينة السويداء، محملين النظام السوري مسؤولية إدخال القوى الأجنبية إلى سوريا، أبرزها “إذا جاعت الشعوب… تحاسب الحكومات” و”نظام الكبتاغون يتاجر بحليب الأطفال”.
وحول الأسباب وراء مواصلة الاحتجاجات، رغم عدم تجاوب النظام السوري مع مطالب الأهالي، قال المتحدث باسم شبكة أخبار “السويداء 24″ ريان معروف لـ”القدس العربي” إن الأهالي “يستنكرون تخلّي الدولة عن دورها الرعائي، وتراجع الخدمات الحادّ، كما يطالب المحتجون من جهة أخرى بالتغيير السياسي وفق القرارات الدولية، التي يرون فيها الحل الأمثل لإخراج سوريا من أزماتها المستعصية”.
وفي الاعتصام الأول، التقى ثلاثة أعضاء من مجلس محافظة السويداء مع المحتجين. وتعهدوا بالاستقالة من المجلس في حال لم تتجاوب الحكومة في زيادة مخصصات المحافظة من الكهرباء والمحروقات. في حين لا يبحث منظّمو الحراك عن مطالب ضيقة، تتعلق بتحسين بعض الخدمات، إنمّا يؤكدون أن مطالبهم تتعلق بكل السوريين.
وفي درعا القريبة، أصدر النظام السوري قراراً يقضي بإعادة نشر قوات الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، على المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية، والمراكز الحدودية الرسمية وذلك حسب قرار مكتب الأمن الوطني الذي حمل الرقم 12/8 بتاريخ 2 كانون الثاني/يناير 2023.
ونص القرار على تشكيل حواجز مشتركة من الفرقة الرابعة، إضافة إلى الفروع الأمنية الأربعة “العسكري والجوي وأمن الدولة والأمن السياسي”، لتنفيذ عمليات التفتيش إلى جانب عناصر الجمارك، كما نص القرار على أن تقوم تشكيلة القوات المذكورة بمراقبة الطرق الفرعية وطرق التهريب والشريط الحدودي.
وجاء القرار بعد أسابيع من توقيع الرئيس الأميركي، جو بايدن، قانون تفويض الدفاع الوطني للعام 2023 التي قدّمها الكونغرس، بقيمة 816.7 مليار دولار، وتضمن قانوناً لمحاربة وتفكيك إنتاج وتجارة مخدر “الكبتاغون” التي يقودها النظام السوري.
وفي تقرير مفصل لشبكة “أخبار حوران” المعنية في محافظة درعا ومحيطها جنوب سوريا، قالت إن “الفرقة الرابعة تعتبر أحد أهم القطعات العسكرية السورية، والتي ترتبط بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، كما تعتبر أهم القطعات القتالية التي لعبت دورًا مهمًا في قدرة النظام على استعادة السيطرة على مناطق عديدة من الأراضي السورية التي كانت خارج سيطرته.
وحول دلالات القرار، اعتبر المصدر أن قرار نشر الفرقة الرابعة في المناطق الحدودية والمعابر والمراكز الحدودية يحمل أبعاداً سياسية وإقليمية إلى جانب البعد الاقتصادي الذي يمثله تهريب وتجارة المخدرات.
وشمل قرار نشر قوات الفرقة الرابعة الحدود السورية الأردنية، وهي الحدود الأكثر إشكالية خلال الأعوام التي تلت عملية التسوية في تموز/يوليو 2018، حيث نص اتفاق التسوية على إبعاد الميليشيات الإيرانية إلى مسافة 60 كم عن الحدود مع الأردن. كما جاء القرار في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن مشاورات تمتد منذ نحو 3 أشهر لتشكيل إقليم أداري في الجنوب السوري يكون تابعًا من الناحية الشكلية لحكومة النظام السوري فيما يسيطر عليه ويديره أبناء المحافظة.
وعلى ضوء ذلك اعتبر التقرير أن هناك دلالات مهمة على خلفية تكليف الفرقة الرابعة بهذه المهمة، أبرزها تقديم إثبات للدول الإقليمية وعلى رأسها الأردن، والدولية أن عمليات تهريب المخدرات لن تتوقف ولكنها ستكون خلال المرحلة القادمة بأساليب مختلفة وبكميات أكبر وبحماية للمهربين من الفرقة الرابعة.
كما يسعى النظام من خلال هذه الخطوة إلى ابتزاز الدول العربية والضغط عليها في أكثر من اتجاه، الأول هو استكمال التطبيع بين الدول العربية والنظام من أجل إعادة تعويمه وإعادته للجامعة العربية.
أما الثاني، فهو محاولة لقطع الطريق على أي مشاريع تتعلق بالإقليم الإداري في الجنوب من خلال تكريس سيطرة الفرقة الرابعة، والضغط بهذه الطريقة على الدول المبادرة بهذا المشروع للتراجع بعدة خطوات إلى الوراء والعودة إلى مربع مكافحة تصنيع وتهريب المخدرات وطي صفحة الإقليم الإداري من قبلها.
“القدس العربي”