الميليشيات المدعومة من إيران في سورية: الملامح والوظائف

مقدمة:

منذ اندلاع الأزمة في سورية، أرسلت إيران كثيرًا من الجماعات المسلحة إلى البلاد، إضافة إلى وحدات من جيشها، بهدف خلق تأثير مباشر في عمل القوات العسكرية لنظام الأسد، التي ضعفت بعد الانتفاضة الشعبية. بعد أن لعبت إيران دورًا فاعلًا في عملية إعادة تشكيل تنظيم الشبيحة، الذي يعود تاريخ نشأته إلى الثمانينيات، تحت اسم “قوات الدفاع الوطني”، لم تستطع تحقيق ما كانت ترغب فيه من تشكيل قوات الدفاع الوطني، من حيث التأثير في سياسة النظام الدفاعية. وأسفرت تجربة إيران في العراق عن تحوّل تنظيم “الحشد الشعبي”، المكون من ميليشيات مدعومة من إيران، إلى هيئة قانونية لإنفاذ القانون، بعد عملية طويلة منحت إيران نفوذًا مباشرًا على القوات العراقية [1].

على الرغم من اختلاف البنى الاجتماعية لسورية والعراق وعلاقاتهما مع الجهات الفاعلة الإقليمية، فإن دمشق لا تقلّ أهمية عن بغداد، في استراتيجية إيران لزيادة نفوذها في المنطقة والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر لبنان. ولهذا السبب، اختارت طهران زيادة نفوذها في سورية، من خلال مجموعات مسلّحة مختلفة تضاف إلى قوات الدفاع الوطني. وتتعاون الفرقة الرابعة المدرعة، بقيادة ماهر الأسد (شقيق بشار الأسد) بشكل وثيق مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وتعدّ أهم امتداد لطهران داخل جيش النظام [2]. وتعزز الفرقة الرابعة المدرعة، إلى جانب الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران، الوجود الإيراني في المنطقة، بسياساتها التي تستهدف وحدات عناصر المعارضة السابقة التي ترعاها روسيا في جنوب سورية [3]. يلعب نظام الأسد دورًا رائدًا في تهريب المخدرات، وهي المصدر غير الشرعي للتمويل، من خلال القيام بإنتاج وتأمين ممرات المخدرات، وخاصة الكبتاغون [4].

وعلى الرغم من أنّ الفرقة الرابعة المدرّعة تتمتع باستقلالية داخل جيش النظام، وباتصال وثيق مع إيران، فإنها خارج نطاق هذه الدراسة، لكونها عنصرًا لا يتجزأ من نظام البعث والقوة البعثية. حيث تقتصر هذه الدراسة على قوات الدفاع المحلي التي تشبه عناصر الدفاع الوطني، من حيث نشأتها وعمليات بنائها، وعلى الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران المصنفة بـ “الميليشيات الشيعية” في أدبيات ووظائف هذه القوى في السياسة الإقليمية لإيران.

مكّنت مجموعات قوات الدفاع المحلية طهران من تحقيق هدفها المتمثل في التوسع الرسمي لقوات الدفاع التابعة لنظام الأسد، وهو الهدف الذي لم يكن ممكنًا من خلال قوات الدفاع الوطني. ظلت قوات الدفاع الوطني بعيدة عن أهداف إيران لأسباب عديدة، مثل عدم وجود مهمة رسمية ونفوذ روسيا المتزايد على بعض عناصر قوات الدفاع الوطني. وبدلًا من ذلك، أدرِجت قوات الدفاع المحلية، التي تأسست عام 2013 ونُظِمت في حلب ودير الزور والرقة في المرحلة الأولى، كعنصر رسمي في جيش النظام، بقرار اتخذه نظام الأسد عام 2017، حيث تعدّ مثالًا ثانيًا لإيران بعد الحشد الشعبي [5]. تزايدت أعداد قوات الدفاع المحلية بسرعة، ووصلت إلى عشرات الآلاف من الأشخاص، وهي تعتمد كليًا على إيران وحزب الله اللبناني في كل شيء، من الدعم بالأسلحة والذخيرة والتدريب العسكري إلى مدفوعات الرواتب [6]، وأصبحت واحدة من أكثر قوات النظام فاعلية في ساحة المعركة.

عندما تضاف عناصر الميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية والعراقية واللبنانية والمحلية، التي تجاوز عددها (40) ألفًا في فترات الذروة، إلى عناصر قوات الدفاع المحلية البالغ تعدادها بالإجمال (50) ألف عنصر، يمكن للمرء أن يرى بوضوح مدى قوة إيران لتغيير التوازن في ساحة المعركة [7]. ومع ذلك، لا تتمتع إيران بنفوذ كامل على كل هذه الميليشيات. ويمثّل “لواء القدس” نموذجًا، فهو على علاقة وثيقة مع كل من إيران [8] وروسيا [9]، وينحاز إلى أحد هذين الفاعلين وفقًا للظروف. وإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا بعض الجماعات التي تتعاون مع مخابرات النظام وكتائب البعث والحرس الجمهوري، بصرف النظر عن ارتباطهم الوثيق بإيران [10].

لقد أثرت إيران في مسار الحرب الأهلية، لصالح النظام من خلال تشكيل قوات الدفاع الوطني وقوات الدفاع المحلية، واندفاع حزب الله اللبناني في البداية ثم الميليشيات الشيعية الأجنبية إلى ساحة المعركة. مع ذلك، أدى تدخل إيران في الحرب الأهلية إلى استحالة وضع جيش النظام في قلب السياسات الأمنية، وكان بمنزلة القوة الدافعة وراء “جنون الميليشيات” الذي اجتاح جبهة النظام. وعلى الرغم من أن روسيا أرادت أن تكون القوة المهيمنة في سورية واختارت تحويل جيش النظام إلى جهة فاعلة، من خلال الفيلق الخامس الخاضع لسيطرتها، فقد أصبحت جهة راعية للميليشيا عندما لم تستطع التغلب على “جنون الميليشيات”. في الواقع، فضلت العناصر الاستخباراتية لنظام الأسد أن يكون لها نصيب في موضة الميليشيات بدلًا من مركزة جيش النظام وجعله القوة العظمة الوحيدة، من أجل البقاء في ساحة المعركة على الرغم من تنامي نفوذ طهران وموسكو. وتحقيقًا لهذه الغاية، كرّم النظام أمراء الحرب، الذين لديهم ميليشيات تقاتل معه، وذلك بوضعهم في مجلس الشعب في انتخابات استعراضية، مما يكشف عن أهمية الميليشيات في سورية اليوم [11].

بعد أن دعمت طهران حملة القمع العنيفة التي شنتها جماعة الشبيحة على التظاهرات في المرحلة الأولى من الانتفاضة، صارت تبحث عن فرصة للتنظيم في سورية من خلال الميليشيات. لكن طهران أطلقت هذه العملية بعد أن تكبّد جيش النظام خسائر كبيرة، من ضمنها حالات الفرار، بعد عام ونصف من الحرب، والفشل في إظهار القدرة على عكس الخسائر على الأرض. دخلت إيران ساحة المعركة من خلال ميليشيات قوات الدفاع المحلية وقوات الدفاع الوطني، ونشّطت في الوقت نفسه الميليشيات الأجنبية التي جلبتها. عندما دخل حزب الله اللبناني الحرب إلى جانب جيش النظام الفاشل في القصير وقلب التيار لصالح النظام، بدأت الموازين في التحول لصالح النظام في حمص على المدى القصير، وفي دمشق على المدى المتوسط [12]. بعد أن بدأت في إرسال الميليشيات الشيعية إلى سورية، عقب خطاب الجهاد المقدس الذي ركز على قبر السيدة زينب، نشرت طهران كثيرًا من الميليشيات في عديدٍ من الجبهات في وقت قصير. ونتيجة لانتشار المليشيات بأعداد كبيرة في قريتي نبل والزهراء الشيعيتين، إضافة إلى القصير، استفادت إيران من هذه القوات في حصار المدينة خلال الحرب التي استمرت أعوامًا في حلب، وفي مضايقة وتهديد الجيشين الوطني السوري والتركي في شمال حلب، في الوقت نفسه. في جنوب حلب، لعب لواء فاطميون الأفغاني بآلاف المقاتلين دورًا كبيرًا لصالح إيران أثناء حصار المدينة [13].

كان لحزب الله اللبناني دورٌ فاعل، خاصة في منطقة الغوطة الشرقية، حول العاصمة دمشق [14]. ومن المعروف على نطاق واسع أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران لعبت دورًا مهمًا في الهجوم الكيمياوي وممارسات الحصار اللاإنساني على الغوطة عام 2013، بقدر الدور الذي لعبه جيش النظام. من وجهة النظر هذه، لعبت الميليشيات المدعومة من إيران في دمشق وحلب، وهما الجبهتان الأكثر دموية في الحرب، دورًا في تغيير مصير الحرب، وسُجِلتا في التاريخ كمرتكبين لعديد من جرائم الحرب وفق القانون الدولي. ظهرت الميليشيات المدعومة من إيران في المقدمة، في وقت فقد فيه جيش النظام هيكله الوظيفي، وكان النظام يضعف بعد الخسائر المستمرة للأراضي. هذه الميليشيات، التي مكّنت النظام أولًا من البقاء ثم منحته موقعًا متميزًا بتدخل روسيا، هي الأدوات الوحيدة التي تستخدمها إيران “لبناء النفوذ”، و”تحقيق التوازن بين الجهات الفاعلة الأخرى” على طريق شرق البحر الأبيض المتوسط بحلول عام 2022.

مكّنت الميليشياتُ التي تستخدَم كقوى موازنة لتركيا في الشمال، والولايات المتحدة في الجنوب والشرق، وروسيا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، طهران أيضًا من إعداد أرضية أيديولوجية لنفسها في المنطقة. وإضافة إلى كل ذلك، أدى بقاءُ النظام وخفض التكاليف التشغيلية للميليشيات في البلاد، التي كانت مدمرة اقتصاديًا، إلى استخدام أساليب تمويل غير قانونية. وهذا يعني أن للميليشيات المدعومة من إيران أدوارًا حيوية في شبكة المخدرات التي تتخذ من سورية مقرًا لها والتي تؤثر على المنطقة بأكملها.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل


[1] – الرئيس العراقي يوقع مرسوم الحشد الشعبي، روداو، كانون الأول/ ديسمبر 2016.

[2] – عبد الله الغضوي، “الفرقة الرابعة: جيش سورية الموازي”، معهد الشرق الأوسط، 2021.

[3] – Gürkan Demirhan, «Dera Bölgesinde Yaşananlar», Suriye Gündem, 2021.

[4] – Ben Hubbard ve Hwaida Saad, On Syria’s Ruins, a Drug Empire Flourishes, New York Times, 2021.

[5] – Hamidreza Azizi, Integration of Iran-backed armed groups into the Iraqi and Syrian armed forces: implications for stability in Iraq and Syria, Small Wars & Insurgencies, 33:3, 2022, p.508.

[6] – Reinoud Leenders and Antonio Giustozzi, Foreign sponsorship of progovernment militias fighting Syria’s insurgency: Whither proxy wars?, Mediterranean Politics, p.7.

[7] -Orit Perlov and Udi Dekel, “The Model of Iranian Influence in Syria.”، INSS, 2020, p.3-4.

[8] – N. Mozes, “Iran Tightens Its Grip On Syria Using Syrian And Foreign Forces” , MEMRI, 2015.

[9] – Caleb Weiss, “Russian special forces train Palestinian militia in Syria”, Long War Journal, 2019.

[10] – Helle Malmvig, Mosaics of power: Fragmentation of the Syrian state since 2011, DIIS Report, No. 2018:04, p.8.

[11] – Karam Shaar and Samy Akil, Inside Syria’s Clapping Chamber: Dynamics of the 2020 Parliamentary Elections, 2021.

[12] – Nicholas Blanford, The Battle for Qusayr: How the Syrian Regime and Hizb Allah Tipped the Balance, CTC Sentinel, 2013, vol:6, issue:8, p.21.

[13] – “18,000 Shia militiamen fight for Syria’s Assad: Sources”, Anadolu Ajansı, 2016.

[14] – “Hezbollah forces participating in Ghouta massacre”, YnetNews, 2018.

“مركز حرمون”
Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

أبريل 2024
س د ن ث أرب خ ج
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
27282930  

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist