كان لافتاً استخدام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، مصطلح «حكومة دمشق» عند حديثه عن المحاولات التي تبذلها بلاده مع شركائها لإيجاد طريقة للتعامل مع النظام السوري، وخاصة أن حديث الوزير السعودي يتزامن مع حراك سعودي مكثف في الملف السوري.
وبرأي عدد من المراقبين، لم يكن تصريح الوزير السعودي الذي استبقه بلقاء مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون اعتيادياً، وخاصة وأن ابن فرحان ركز في حديثه لقناة «بلومبرغ» على «الحل السياسي»، قائلاً إن «دول المنطقة يجب أن تعمل معاً لإيجاد حل سياسي للحرب المستمرة منذ 12 عاماً في سوريا، ونحن نعمل مع شركائنا لإيجاد طريقة للتعامل مع الحكومة في دمشق بطريقة تقدم تحركات ملموسة نحو حل سياسي».
مواقع تابعة للنظام السوري، تلقفت تصريحات الوزير السعودي باهتمام واضح، معتبرة أنها من بين المؤشرات على تبني الرياض مواقف جديدة في سوريا، وعنون موقع «كليك نيوز» تقريره الذي تناول فيه تصريحات الوزير السعودي بـ»على خطى تركيا.. السعودية تكشف عن سعيها لإيجاد طريقة للتعامل مع دمشق». وأشار الموقع إلى تزامن تصريحات الوزير السعودي مع سماح وزارة خارجية النظام، باستيراد المنتجات السعودية، وفي مقدمتها السكر والبتروكيمائيات، بعد توقف لأكثر من عقد من الزمن، مذكراً بأن «السعودية تعتبر من أكبر الدول التي دعمت «المسلحين» في سوريا».
وتتابين التفسيرات حول الموقف السعودي «المستجد»، وقال مصدر من المعارضة السورية إن تصريحات الوزير السعودي تؤكد المعلومات حول وجود مقاربة خليجية جديدة للملف السوري. ويوضح المصدر لـ«القدس العربي» أن المقاربة تقوم على وساطة تقودها الإمارات بين النظام السوري ودول الخليج العربي، وقال: «لم تتضح بعد معطيات هذه الوساطة، لكن يبدو أن هناك ما يشبه القبول الخليجي المبدئي بضرورة إيجاد حل سياسي في سوريا ببقاء بشار أسد، وهو ما يُعد تنازلاً»، لافتاً إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لدمشق مطلع كانون الثاني/يناير.
وعلى اعتبار أن العلاقات السعودية – الروسية تشهد تقارباً واضحاً، يرى الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة، أن الرياض تحاول تصدير الخطاب الذي يتناسب مع مصالح موسكو الحليفة الجديدة. ويمكن تلمس ذلك من خلال إشارة ابن فرحان إلى أن الرياض تبحث عن طريقة للتعامل مع النظام أي «روسيا».
ويقول لـ«القدس العربي»، إن السعودية تحاول كسب ود روسيا بهذا الخطاب «الناعم»، إلا أن ذلك لا يدل على تغير في الموقف السعودي من مسألة بقاء الأسد، والتطبيع معه. ويؤكد خليفة، أن التطبيع مع الأسد من غير شروط لن يخدم مصلحة السعودية وتحديداً الشروط المتعلقة بإيران ونفوذها في سوريا، ويقول: «السعودية أكدت مراراً على أن قرار مجلس الأمن رقم 2254، هو القرار الذي يرسم الحل في سوريا».
وتتطلب استراتيجية الخليج العربي المشتركة بعيدة المدى (2030) استقرار المنطقة، ومن هنا يمكن فهم تخفيف حدة التصريحات السعودية في الملف السوري، في الوقت الذي تُشير فيه تقديرات ثانية إلى تأثير الموقف المصري حول مسألة التطبيع مع النظام على الموقف السعودي، وخاصة أن الرياض والقاهرة كانتا قد توصلتا قبل أيام إلى تفاهم أولي على تنسيق المواقف المشتركة في الملفات العربية والإقليمية.
وفي بيانها الختامي، أعلنت لجنة المتابعة والتشاور السياسي السعودية المصرية، التي عُقدت في الرياض في كانون الثاني/يناير، دعم البلدين للحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254، ورفض أي تهديدات بعمليات عسكرية تمس الأراضي السورية.
في المقابل، لا يقرأ الكاتب الصحافي زياد الريّس في تصريحات ابن فرحان تبدلاً في الموقف السعودي، ويقول: «الرياض لا زالت ثابتة، أي هي ترى ضرورة حل سياسي يُفضي إلى تغيير سياسي»، مضيفاً لـ»القدس العربي» أن «السعودية رغم كونها من بين أكثر الدول تضرراً من تبعات الملف السوري، إلا أن مواقفها ما زالت ثابتة». لكن، وفيما تشهد المواقف الإقليمية تبدلاً لجهة التعامل مع النظام، لا يستبعد مراقبون أن تحذو السعودية وبعض الدول الأخرى حذو تركيا، في ظل حالة اللامبالاة الأمريكية، والمخاوف الاقتصادية التي تعم المنطقة.
“القدس العربي”