لم تتأخر السلطات التشريعية في طهران بالرد على المشرعين الأوروبيين في ستراسبورغ الذين صوتوا على قرار تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، فقد التأم مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) يوم الأحد الفائت بحضور وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان وقائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، وانضم إليهما لاحقا الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في جلسة تشريعية مغلقة يمكن وصفها بغير الاعتيادية، للبحث في خيارات النظام المتاحة للرد على موقف البرلمان الأوروبي تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، الأمر الذي استدعى تصعيدا إيرانيا غير مسبوق مع الأوروبيين، عبّر عنه رئيس مجلس الشورى، محمد باقر قاليباف، الذي حذر الأوروبيين من عواقب خطواتهم، إذ قال: “في حال اتخاذ أي إجراءات ضد (الحرس الثوري) الإيراني، فإننا سنعتبر جيوش الدول الأوروبية جماعة إرهابية”.
قرار المشرعين الأوروبيين ضد الحرس الثوري استفز النظام الإيراني، ودفعه إلى خوض معركة تحذيرات استباقية قبل جلسة قادة الاتحاد الأوروبي المقبلة في 27 من الشهر الجاري، حيث قال وزير الخارجية الإيراني، في تغريدة لافتة، توحي بأن هناك تباينات حادة بين الأوروبيين حول الموقف الموحد من الحرس الثوري، إذ غمز عبداللهيان من قناة برلين وقال: “عدد قليل من الزعماء السياسيين الأوروبيين ليست لديهم أي خبرة في المجال الدبلوماسي، واليوم يترأسون الجهاز الدبلوماسي، بما في ذلك وزير الخارجية الألماني، لهذا إذا لم يتحركوا في مسار العقلانية، ولم يصلحوا مواقفهم، فأي احتمال ممكن”.
من الواضح أن طهران تراهن على عدة عوامل داخل الاتحاد الأوروبي تعطل الإجماع على اتخاذ موقف من الحرس الثوري، خصوصا أن دولا فاعلة في مقدمتها فرنسا لم تزل ممسكة بخيوط دبلوماسية رفيعة مع طهران، وهي تعي جيدا أن مثل هذه الخطوة ستنقل العلاقات الأوروبية الإيرانية إلى مستوى مختلف تماما، وقد تؤدي إلى تصعيد غير مسبوق، خصوصا أن إيران في وضع داخلي صعب وتبحث عن أزمة خارجية لتصدير أزمتها.
وبالعودة إلى تحذير قاليباف بأن بلاده ستعتبر جيوش الدول الأوروبية جماعة إرهابية، جاء تفسيره بوضوح على لسان صحيفة كيهان المتشددة والقريبة من بيت المرشد، التي قالت بفصيح العبارة: “سيتحمل الأوروبيون قريباً تكاليف بشرية ومالية باهظة بحيث يندمون على قرار برلمانهم آلاف المرات”.
وأضافت أن “الأوروبيين في المنطقة التابعة لإيران، وبقية دول المنطقة لديهم وجود عسكري وأمني في إطار حلف الناتو لا يمكنهم بسهولة الحفاظ على قواعدهم وقواتهم العسكرية والأمنية”. وعادت وذّكرت الجميع بأن القوات العسكرية – الأمنية للدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تلقت ضربات مفاجئة من القوات العسكرية والأمنية الإيرانية.
بعيدا عن كافة التهديدات التي أُطلقت أثناء جلسة مجلس الشورى أو قبلها أو بعدها ومن كبار المسؤولين في النظام، إلا أن موقف كيهان غير الرسمي يبقى الأخطر، فهذا يعني أن طهران بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر أذرعها في المنطقة ستحول الأوروبيين إلى أهداف مشروعة خصوصا في مناطق النزاعات حيث يوجد حضور إيراني أمني أو عسكري.
في المساحة الإيرانية الجيوسياسية، فإن لبنان أول من يتصدر مشهد الاحتكاكات الخشنة مع الأوروبيين لأسباب عديدة، باعتباره مجالا حيويا تاريخيا لأوروبا في حوض المتوسط، ويرتبط معها روحيا وثقافيا، أما الأخطر على الأوروبيين في لبنان أن هناك أكثر من 15 ألف جندي أجنبي بينهم عدد كبير من الأوروبيين ومن دول مؤثره في الاتحاد الأوروبي يعملون ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، قد يصبحون أهدافا مشروعة للمتضررين من أي قرار ضد الحرس الثوري الإيراني.
عمليا، التهديدات الإيرانية حضرت بقوة في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأخير يوم الاثنين الفائت، لذلك تجنبوا اتخاذ أي موقف من قرار البرلمان الأوروبي تصنيف الحرس منظمة إرهابية، وربط بعض أعضاء الاتحاد هذا الاجراء بقرار يجب ان يصدر عن محكمة أوروبية، وعلى ما يبدو حتى الآن أن هذه الإجراءات غير متوفرة، إضافة إلى ان الإجماع الأوروبي غير موجود، ما يعني أن الأوروبيين إذا أخفقوا سيقدمون نصرا مجانيا للحرس الثوري سيساعده على تأكيد سطوته الداخلية والخارجية في مواجهة خصومه.
“الحرة”