عراقيون اعتبروها نتيجة "شهر العسل" مع واشنطن
بغداد – من فاضل النشمي:
نددت وزارة الخارجية السورية بشدة بالتفجيرات الاخيرة التي هزت مدينتي بغداد والموصل الاثنين الماضي وذهب ضحيتها اكثر من 350 شخصا بين قتيل وجريح. وكان مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية قال الثلثاء الماضي ان "سوريا تدين بشدة العمليات الاجرامية التي استهدفت مواطنين عراقيين في بغداد والموصل ".
ولم يمر هذا التنديد المتأخر من غير ان يثر تساؤلات ويرسم علامات استفهام في الاوساط السياسية والشعبية، بعد صمت سوري طويل حيال موجات العنف التي اجتاحت البلاد منذ اطاحة نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، بل بعد دعم متواصل لجماعات العنف بحسب الاتهامات الرسمية العراقية.
ولعل ما كشفته صحيفة "وورلد تريبيون" الاميركية الجمعة الماضي عن وجود صفقة اميركية – سورية لتسليم مطلوبين من "القاعدة" ونظام صدام في مقابل التسليح، يلقي بعض الضوء على خلفية التنديد السوري.
وذكرت الصحيفة بان الوفدين اللذين ارسلتهما إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما اخيرا الى سوريا في غضون اقل من شهرين، كان هدفهما حض دمشق على القبض على عملاء "القاعدة" وبعض الجماعات البعثية العراقية الذين يسعون الى زعزعة استقرار العراق من داخل أراضيها.
وتوقع المسؤولون الذين نقلت عنهم الصحيفة تلك المعلومات ارتقاء في مستوى التعاون بين دمشق وواشنطن خلال الفترة المقبلة، اثر القرار الذي اتخذه البيت الأبيض بتخفيف العقوبات المفروضة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقالوا في الوقت عينه إن هذا القرار سيُمكن سوريا من استيراد أنظمة تسلح عسكرية وأمنية أميركية.
ولم تبتعد تحليلات السياسيين والمحللين العسكريين العراقيين عن اجواء "شهر العسل" السوري – الاميركي وانعكاساته على الساحة العراقية، وقطعه لصمت سوريا الطويل حيال ما يتعرض له المواطنون المدنيون العراقيون من اعمال عنف هائلة.
اذ رأى عضو لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب العراقي عباس البياتي ان التنديد السوري الاخير يأتي على خلفية المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وسوريا. وقال لـ"النهار": "اعتقد ان الانفراج الحاصل في العلاقات الاميركية – السورية دفع السوريين الى اصدار بيان الادانة، حتى يثبتوا للاميركيين براءتهم واستنكارهم لكل عمل عنفي يصيب مدن العراق، وخصوصا مع دخول الطرفين في محادثات امنية لضبط الحدود وتسليم المطلوبين".
وتوقع ان يساعد الانفتاح الاميركي على سوريا الانفتاح على اكثر ملفات المنطقة تعقيدا كالملف اللبناني والفلسطيني فضلا عن العراقي.
اما السياسي العراقي المخضرم هاشم الحبوبي فصرح لـ"النهار" بأن التنديد السوري كان نتيجة "فزع" دول الجوار من عودة الاقتتال الطائفي، نظرا الى ان تفجيرات بغداد والموصل استهدفت الطائفة الشيعية، فضلا عن الضغط الاميركي وقرب الانتخابات النيابية العامة في العراق. بمعنى ان سوريا تدعم بعض الجماعات العراقية، التي تستعد لخوض الانتخابات المقبلة ولا ترغب في احراجها، وتريد ان تظهر امام حلفاء المستقبل مظهر الداعم للعملية السياسية والمستنكر لاعمال العنف.
وعلى رغم استغرابه الشديد، اعتبر الخبير العسكري الفريق نجيب الصالحي ان التنديد السوري المتأخر مرده الى ان قضية الارهاب والتفجيرات باتت اليوم مؤذية حتى للجهات التي تقف وراءها وليس لها ما يبررها سياسيا او اخلاقيا، وخصوصا بعد استهدافها للتجمعات المدنية كما حصل في الموصل وبغداد حديثا. وقال لـ"النهار" ان اكثر هذه العمليات فقدت غطاءها الشرعي والسياسي واصبحت مدانة من الجميع، وليس من مصلحة سوريا التي تتفاوض مع الاميركيين السكوت وعدم الادانة، لان ذلك يظهرها وكأنها راضية عن هذه الاعمال. واضاف: "من المؤكد ان للانفتاح الاميركي على سوريا دخلا في ذلك، وهذا الانفتاح لاشك سينعكس على علاقة العراق بسوريا ومن مصلحة السوريين اشعار العراقيين بنوع من التعاطف ".
وايا يكن سبب التنديد السوري، يرصد المراقبون للعلاقات السورية – العراقية تذبذبا يمتد عقودا طويلة على رغم العوامل المتعددة التي تربط البلدين والاواصر القومية والثقافية والاجتماعية. اضف ان المقادير السياسية شاءت ان يخضع البلدان لحكم حزب البعث العربي الاشتراكي، لكن ذلك لم يكن كافيا للحيلولة دون مزيد من المشاكل، بل القت المشاكل بين جناحي الحزب بظلالها على تاريخ العلاقة بين البلدين. فبعدما حاولت الدولتان الانضمام الى وحدة ثنائية في نهاية السبعينات من القرن الماضي، انقلبت الامور الى عداء صارخ بين نظامي الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ونظام صدام حسين، خصوصا بعد انحياز الاسد الى جانب ايران في الحرب العراقية – الايرانية (1980 – 1988).
ومع احتلال قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة العراق دخلت العلاقات السورية – العراقية منعطفا خطيرا نتيجة الاتهامات الاميركية العراقية لسوريا بايواء جماعات تنظيم "القاعدة" والقيادات البعثية التي هربت ولجأت اليها بعد اسقاط نظام صدام.



















