أخبار الغارات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، وصياغتها بكليشةٍ رديئة من عبارات هي موضع سخرية وتندر كبير من قبل السوريين والعرب لفقدانها المصداقية، ولترسيخها اليأس من رد فعل النظام، من يسمع تنفيذ الاحتلال لغارات على سوريا فهو يحفظ البيان الآتي: تم العدوان برشقات صاروخية من جهة البحر غرباً أومن فوق بحيرة طبريا في الجنوب، أو تلك التي ابتدعها مؤخراً وزير خارجية النظام فيصل المقداد لتبرير عدم رد النظام على العدوان، لأن الاحتلال يستغل الطائرات المدنية للاختباء خلفها والنظام يخشى سقوط مدنيين، ومن رداءة اللغة والمواقف، ما ارتبط مع كل عدوان إسرائيلي على مواقع النظام والميليشيات الإيرانية ومخازن السلاح، تغيب الصورة التي توضح آثار هذا العدوان، وتأطيرها في بيانات وكالة أنباء النظام “سانا أو وزارة خارجية النظام أو ما يصدر من ناطق رسمي باسم الجيش العربي السوري”.
المطارات السورية
السنوات الماضية من عُمر الخردقة الإسرائيلية الشبه يومية للسيادة السورية، لم تترك في الجغرافيا السورية نقطة لم تستهدفها لا في المطارات السورية أو النقاط العسكرية، وصولاً لاستهداف حي المزة المنبسط عند قصر الأسد الرئاسي، أو التحليق فوق قصره في اللاذقية قبل عقدين، أو اختراق شبكة هواتفه الأرضية منذ زمن بعيد للسؤال عن الطيار ” رون آراد ” عدا عن السلسلة الطويلة من قصف موقع الكُبر في دير الزور، وعمليات اغتيال شخصيات من النظام ” محمد سليمان” وعماد مغنية من حزب الله، إلى استهداف كوادر فلسطينية ولبنانية وغيرهم، إلى فضائح تسليم ساعة الجاسوس الياهو كوهين و رفات الجندي الصهيوني “زكريا بوميل” بعد نبش مقبرة مخيم اليرموك للشهداء، الإفصاح الصهيوني على أنه ينفذ مئات الغارات والعمليات في العمق السوري، واختراقه الحدود البرية في الجولان بدبابات وجرافات والإقامة فيها لأيام يرفع السواتر الترابية، تأكيد أن بنية وقوة النظام العسكرية والأمنية والسياسية كانت موجودة لتحطيم المجتمع السوري، ولم يعد في قاموس النظام ما يضيفه بما يتعلق في حماية ” السيادة” واسترجاع الأرض بعد تحطيمه للإنسان السوري فوقها.
قذائف النظام
أصوت قذائف غارات الاحتلال وإختلاطها مع أصوات قذائف النظام على الجغرافية السورية و حواضرها البشرية، لا تلغي تفسير دريئة القنابل والصواريخ ، للقضاء على “بؤر الإرهاب” تفسير غير بعيد عن بيانات الاحتلال الموضوعة بالسياق نفسه الذي قدمه النظام منذ العام 2011، لمواجهة الثورة السورية، وعن أمنه المرتبط بأمن إسرائيل، ومن ثم عن أمنه المرتبط بانتشار الإرهاب شرقاً وغربا، وكما دلت رسائل موسكو لتل أبيب من حميميم، أن النظام ليس عدوا للاحتلال ولا هدف الغارات إسقاطه بقدر حماية وظيفته .
تجربة وتاريخ نظام الأسد بالتعامل مع ملف احتلال أرضه، من عدو يواصل انتهاك السيادة، كافية لخلع الألقاب الكثيرة عن النظام، والتي أصابها سلبٌ كبير مع محور الممانعة وقلبها النابض وعلاقته مع فلسطين وفرعها، الذي تساوي مدى ممارساته وسلوكه، الحدود المعادية للإنسان السوري بقمع حريته وتحطيم مجتمعه، حدود تتقاطع مع المدى البعيد لأهداف وغايات الغارات الإسرائيلية ورسائلها، والرد عليها سورياً وعربياً وايرانياً ، لا تَطرب له مسامع ومشاعر عربية منتهكة كرامتها في القدس وجنين ونابلس ودمشق وحلب وإدلب والقاهرة وغزة واليمن والعراق ولبنان، فالعناوين العريضة لمواجهة فعلية للإحتلال، و في تجارب قهر وقتل الفلسطينيين وتهجيرهم وخذلانهم عربيا ودولياً، معروفة النتائج، والماثلة أمامنا بوحشية سيطرة النظام على المجتمع السوري ومحاولته الإفلات من جرائم الحرب وضد الانسانية.
اليأس من عدم رد النظام السوري على جرائم العدوان الإسرائيلي وخرق السيادة السورية، لا ينبع في رجاء معقود سابقاً، بل فيما انتهت إليه جرائمه التي تُبهج سواتر المحتل في الكرملين وتل أبيب وطهران، أن مستقبل المواجهة والتصدي للعدوان بعيد جداً، مع انهيار الألقاب المرتبطة بالعلاقة مع المحتل، وبالتوجه العربي نحو التطبيع مع الأسد وجرائمه، كخطوة مكملة للتطبيع مع احتلال يتستر بجرائم طاغية، تخدم الغارات الإسرائيلية سرعة احتضان الأسد والتطبيع معه، لإنجاز وحدة قمع عربية تخدم سيادة البطش العربي على مجتمعات عربية، لمنع فرصتها في حياة كريمة بالتنمية والازدهار والديمقراطية والحرية وبتثبيت قاعدة بينها وبين المحتل ” لكم عدوكم ولي عدوي” وكلها نقاط مفتاحية للرد على العدوان والاحتلال، وهي مضمون الإجابة عن يأس السوريين والمنكوبين من نظام يتخذ من أدوات الاحتلال وسلوكه، ذرائع للرد على من يطالب في مستقبل تكون فيه العدالة والحرية والمواطنة سلاحاً للتخلص من طاغية ومحتل، وتلك مطالب أحيت في وعي المقموعين المقهورين جذور الحرية والمواطنة التي حاول النظام السوري قطعها ببطشٍ وقتلٍ وتدمير للسوريين، وبسلوك خلع عنه كل ألقابه المتعلقة في مستقبل سوريا، أعاد تكتفه أمام جرائم الاحتلال وإطلاق إرهابه في وجه المجتمع السوري التذكير في حقيقة وظيفته ووجوده مع بقية “أشقائه” حُماة القمع في الديار.
كاتب فلسطيني
“القدس العربي”