في تقرير عن أزمة التعديلات في النظام القضائي الإسرائيلي، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول بارز في وزارة الدفاع الاسرائيلية أن معلومات استخباراتية تفيد بحماسة تنظيم “حزب الله” وحركتي “الجهاد الإسلامي” و”حماس” حيال الأزمة الداخلية الإسرائيلية. هذه التنظيمات تعمل عن كثب في ما بينها، وفقاً للصحيفة عينها، وتأمل باقتراب إسرائيل من الانهيار.
من الصعب أخذ هذا التصريح حرفياً بكامل الجدية، إذ تهدف مثل هذه النداءات غالباً لرص الصفوف ضد عدو خارجي، وتجنب نهايات غير سعيدة في السياسة الإسرائيلية. كما أن هذه التنظيمات لا تملك القدرة التكتيكية على الاستفادة من أي تحولات في الداخل الإسرائيلي، بل غالباً ينتهي دورها في مساعدة القيادة الإسرائيلية على تخطي الأزمات، نظراً لجمود خطابها وعدم ممارستها أي نوع من المناورة السياسية، باستثناء الصمت النادر.
بالعودة لتقرير الصحيفة الأميركية، تحدث ثلاثة مسؤولين إسرائيليين دون كشف أسمائهم عن انعكاس الانقسام الداخلي على الجيش الإسرائيلي نفسه، وهذا يظهر من خلال انخفاض عناصر الاحتياط في الخدمة، وأيضاً وسط مخاوف لدى القيادة باستقالات داخل المؤسسة العسكرية، احتجاجاً على “الإصلاحات” القضائية التي يُخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتمريرها.
مثل هذا الخطوات تنعكس على قدرة الجيش الإسرائيلي على مواصلة أداء مهامه المختلفة، من احتلال الضفة الغربية وحصار قطاع غزة، إلى حماية سكان المستوطنات، ومواجهة التهديد النووي الإيراني عبر ضربات سرية، والضغط على حلفاء طهران في لبنان وسوريا. في حال تمرير الإصلاحات ومن ثم اتساع رقعة الانقسامات الداخلية الإسرائيلية، على الجيش الإسرائيلي تقليص مهامه. هل يعني ذلك انسحاباً من بعض الضفة الغربية مثلاً، أو خفض مستوى العمليات في سوريا وايران؟ ليس واضحاً ما يعني ذلك، لكن الجيش الإسرائيلي أدلى بدلوه عبر تحذيرات قائده هيرتسي هليفي، وإعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي طلب تأجيل “الإصلاحات”.
والخشية الإسرائيلية هنا ليست فقط على ارتباط بتراجع القدرة على أداء المهام على جبهات متعددة، بل كذلك على المستوى الداخلي، إذ أن دوره كمؤسسة جامعة لمجتمع تعددي، سيتراجع حين يرتبط بسلطة باتت غير شرعية لكثيرين. وأي تراجع في قدراته ودوره هذا، يترافق كذلك مع ارتفاع وتيرة تسليح المستوطنين واعتداءاتهم على الفلسطينيين بتشجيع من مشاركة اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو، وهذا يعني فوضى أمنية وعسكرية لن يكون الجيش الاسرائيلي قادراً على التعامل مع تبعاتها. علاوة على ذلك، هناك انعكاسات اقتصادية-مالية للانقسام الداخلي الإسرائيلي، نظراً لفقدان الثقة في مستقبل إسرائيل، سياسياً وأمنياً مع اتساع رقعة نفوذ اليمين المتشدد.
هذا مستوى غير مسبوق من الضعف الداخلي الإسرائيلي. لكن في المقابل، أيضاً هناك مستوى غير مسبوق من الضعف الفلسطيني والموقف العربي من القضية. الفصائل منقسمة في ما بينها وفي صفوفها الداخلية كذلك، وقدرتها على جذب الفلسطينيين باتت في مستوى متدنٍ تاريخياً. حركة “حماس” شطران، و”فتح” متشظية ولا اتفاق على خلافة “أبو مازن”، وبات اسمها في الشارع الفلسطيني يرتبط بعنوانين هما الفساد والتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي. ربما بالإمكان طرح سؤال حول ما إذا كان هذا الوهن الفلسطيني والعربي من الظروف المُحفّزة على هذا الانقسام الداخلي الإسرائيلي؟
حتى لو افترضنا أن “حماس” و”الجهاد” و”حزب الله” ينسقون للإفادة من الضعف الإسرائيلي، هل لديهم القدرة على المناورة سياسياً؟
من الواضح أن هذا الثلاثي يرغب فقط في استغلال الضعف من أجل فرض معادلات أمنية-عسكرية جديدة، بغض النظر عن التبعات السياسية لذلك. لو سنحت الفرصة بتنفيذ عملية تحصد عدداً أكبر من الإسرائيليين، ولو حدث ذلك، يُفترض أن يُؤدي الى توحيد الصف الداخلي، بدلاً من تعزيز التشظي ليصل الى مرحلة اللاعودة، وهو الهدف الاستراتيجي المنطقي في هذه الحالة.
لهذا حين يتردد أن هناك طرفاً فلسطينياً أو لبنانياً يريد استغلال التشظي الإسرائيلي، علينا كذلك معرفة أن ضيق الأفق والهامش قد يُحيل مثل هذا التدخل، نوعاً من المساعدة لنتنياهو والجيش المأزوم اليوم. في هذه الحالات، يتمثل الخيار الاستراتيجي الأفضل بتفادي مثل هذا التدخل، وترك الأزمة الداخلية الإسرائيلية تسلك مسارها باتجاه مزيد من الانقسام والتشظي.
“المدن”