نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسلها من ريغا، عاصمة ليتوانيا، ماكس سيدون، قال فيه إن السلطات الروسية قيدت حركة وسفر المسؤولين البارزين وصادرت جوازاتهم خشية الهروب والانشقاق عن النظام.
وأضاف أن أجهزة الأمن تستهدف مدراء الشركات والمسؤولين البارزين في محاولة لمنعهم من السفر للخارج وسط انتشار الخوف من التسريبات والانشقاقات داخل نظام الرئيس فلاديمير بوتين.
وفي الوقت الذي لا تزال الحرب دائرة في أوكرانيا، قام ضباط الأمن بتقييد المطالب داخل قطاع الدولة لمن يريد السفر إلى الخارج، ومطالبة العديد من الرموز البارزة الحالية والسابقة بتسليم أوراق السفر، وذلك حسب أشخاص على معرفة بالأمر.
وقالت الصحيفة إن الضغط المتزايد يعكس الشك العميق في الكرملين ووكالة الأمن الفدرالية الروسية “إف أس بي”، التي تعتبر خليفة لوكالة كي جي بي أثناء الحقبة السوفيتية، حيث يعارض الكثيرون منهم الحرب في أوكرانيا، ويتذمرون من أثرها على حياتهم.
وأكد المتحدث الرئاسي ديمتري بيسكوف، أن روسيا شددت من القيود على الرحلات الخارجية لبعض العاملين في القطاعات “الحساسة”.
وقال بأن هناك قيودا مشددة، وفي بعض الحالات تكون رسمية، وتعتمد في أماكن أخرى على القرار المحدد، وبشأن موظفين بعينهم.
وأضاف في تصريحات لصحيفة “فايننشال تايمز”: “منذ بداية العملية العسكرية الخاصة، فقد تم التركيز على هذا الموضوع”.
ويطلب من المسؤولين الروس الذين لديهم معرفة بأسرار الدولة ترك جوازات سفرهم في خزانة آمنة تديرها “دائرة خاصة” موجودة في وزاراتهم وشركاتهم، وهذا تقليد يعمل به منذ فترة الاتحاد السوفييتي.
إلا أن المخابرات الروسية من النادر ما طبقت هذه القواعد، حسب مسؤولين سابقين ومدراء تنفيذيين. إلا أن هذا تغير بعد الغزو لشبه جزيرة القرم 2014، حيث بدأت دوائر الأمن بالتحذير من السفر إلى دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وبعد الغزو الشامل لأوكرانيا تم تطبيق القوانين بشكل واسع، واعتمد في معظمه على أهواء المسؤولين الأمنيين الذين ألحقوا بالمؤسسات هذه، ولهذا السبب تختلف الإجراءات الأمنية من مؤسسة لأخرى داخل الدولة، حيث يطلب من مسؤولين في صف الوسط الامتناع عن السفر للخارج، فيما يمنح آخرون إمكانية السفر إلى الخارج، ولكن بشكل معقول.
وقال شخص إن مدراء تنفيذيين في شركة صناعية تابعة للدولة لا يسمح لهم بالسفر أكثر من ساعتين إلى موسكو، وبدون الحصول على إذن رسمي، وفي حالات أخرى، طلب ضباط إف أس بي من مسؤولين سابقين ممن اطلعوا على أسرار الدولة تقديم جوازات سفرهم، بالإضافة إلى أشخاص ممن لم يكن لهم أي اطلاع على الأسرار، حسب أشخاص على اطلاع بالأمر.
وقالت الكسندرا بروكوبيندا، مدير المصرف المركزي الروسي السابقة إن القيود على الجوازات امتدت أبعد من أفراد يحتاجون لرخصة أمنية.
وأضافت: “الآن يلاحقون أشخاصا بعينهم ويقولون: من فضلكم قدموا جوازات سفركم الحمراء لأن لديكم معلومات حساسة عن الوطن الأم، ولهذا نريد التحكم بحركتكم”.
وقالت إن أجهزة الأمن الروسية لديها صلاحية واسعة لتفسير القواعد ومراجعة القوانين المتعلقة بأسرار الدولة والخيانة والتجسس، وكانت قد استقالت من منصبها العام الماضي بعد الغزو، وهي الآن زميلة في مجلس العلاقات الخارجية الألماني.
وأضافت: “من الناحية الأساسية كل معلومة يمكن أن تعتبر سرا، وبعض الضباط التابعين لإف أس بي المحلقين يخبرونك بأن لديك معلومات حساسة، وما هي؟ ولم تعتبر سرية ومن قرر هذا؟ ولا أحد يعرف”.
وقال بيسكوف إن القرارات “تعتمد على مجالات معينة من العمل” من شركات أو أفراد و”قد تكون حساسة بدرجة كبيرة أو أقل”.
وتحرك الكرملين من أجل توسيع الحظر على الرسمي ليشمل مسؤولين أكثر، فبعد سلسلة من الفضائح لمسؤولين وهم يستمتعون في دبي والمكسيك، قررت الغرفة الدنيا من البرلمان في كانون الثاني/يناير أن على النواب إخطار مسؤوليهم عن رحلاتهم في الخارج.
وذكرت صحيفة “كوميرسانت” أن سبع مناطق أصدرت توصيات قوية ضد الرحلات الخارجية. وفي شباط/فبراير دعا يفغيني بريغوجين، مؤسس شركة فاغنر إلى منع شامل على السفر الخارجي للمسؤولين وكذلك أقاربهم، وضرورة محاربة التصرفات غير الأخلاقية وإظهار الثروة بشكل فاحش وإساءة استخدام السلع الكمالية.
ويشعر الأثرياء بالضيق الآن نظرا لتأثير الحرب على حياتهم الخاصة، فقبلها كانوا يقضون أوقاتهم في اليخوت الخاصة والقصور والمدارس الداخلية لأبنائهم، أما اليوم فهم منحصرون في دول “غير ودية”. وبدا الرفض للوضع في مكالمة بين فرخاد أخمدوف، الأوليغارش الروسي- الأذري المفروضة عليه عقوبات، ولوسيف بريغوجين المغني المقرب من الكرملين والذي قدم وصلات في حفلة داعمة للحرب إلى جانب بوتين العام الماضي.
وتضمنت المكالمة شكوى من عزلة بوتين الدولية والقيود، ولم يتم التواصل مع أخمدوف للتعليق، إلا أن شخصا مقربا منه اتصل معه وأكد له أن المكالمة صحيحة، أما بريغوجين الذي لا يرتبط بعلاقة مع أمير الحرب فقد أكد أن المكالمة حرفت جزئيا أو بالكامل، وتعهد باتخاذ إجراءات قضائية ضد من سربها.
وقال أخمدوف في المكالمة “لقد دمرونا، ودمروا أطفالنا ومستقبلهم ومصيرهم، هل تفهم” وقال “عليهم اللعنة ونفهم جميعا ما يحدث هناك، اذهب إلى المالديف ودبي، لا أعرف إلى ألطاي إلى بيكال وإلى أي مكان ولكن ابتعد عن موسكو”.
“القدس العربي”