مواقع إعلامية عديدة قامت بمقارنة الإستراتيجية الحالية بسابقتها، وأجمعت على تشدد الراهنة حيال الغرب والمواجهة المحتدمة معه. الجديدة تحدد من هي روسيا، وما هي رسالتها ومكانها ودورها في العالم الذي تقسمه إلى “دول صديقة” وأخرى “غير صديقة”، تطور علاقاتها مع الأولى ولا ترى ضرورة لذلك مع الثانية. وهذا ما لم تتضمنه السابقة، حبث لا تعرف عن نفسها ولا تقسم العالم إلى صديق وغير صديق. وإذا كانت قد حرصت في السابقة على تطوير العلاقات مع أوكرانيا، فالجديدة لا تأتي على ذكرها، وتشير إلى الحرب عليها بشكل ضمني. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جورجيا التي شهدت إنتفاضة شعبية عارمة ضد مشروع قانون “عميل أجنبي”، إعتبرتها روسيا موجهة ضدها.
موقع zerkalo البيلوروسي المعارض أشار إلى أن الإستراتيجية الجديدة تعرف روسيا بأنها “بلد حضارة أصيلة، دولة أوراسية واسعة ومنطقة في أروروبا والمحيط الهادئ، معقل العالم الروسي. تلعب “دوراً فريداً” في الحفاظ على توازن القوى العالمي وضمان التنمية السلمية للبشرية”. وعلاقات روسيا مع الدول الأخرى سوف تحددها طبيعة سياسة هذه الدول ـــ بناءة، محايدة أو غير صديقة. السابقة لم تتضمن تعريف روسيا بنفسها، كما لم تتضمن تقسيم دول العالم إلى صديقة وغير صديقة.
وبشأن أولويات السياسة الخارجية الروسية، أوجزها الموقع بعزم روسيا على مجابهة “كراهية روسيا” (Russophobia)، والدفاع عن كل ما هو روسي: اللغة، الثقافة، الرياضة، الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية، النضال من أجل الحقيقة التاريخية. ومشروع روسيا الرئيسي في القرن الحادي والعشرين هو “تحويل أوراسيا إلى فضاء واحد في جميع أنحاء القارة يسوده السلام والاستقرار والثقة والازدهار”. الإستراتيجية السابقة تحدثت عن أوراسيا في معرض الكلام عن “توسيع وتعزيز الإندماج الأوراسي”.
وحول أمن روسيا توقف الموقع عند تأكيد الإستراتيجية بأن روسيا يمكنها إستخدام قواتها المسلحة “من أجل الدفاع أو الحؤول دون الهجوم عليها أو على حلفائها”. وستحقق روسيا في “الحوادث المزعومة عن إنتاج أسلحة بيولوجية وأسلحة سموم”. ويشير الموقع إلى أن الإستراتيجية السابقة لم تتضمن ذكر حلفاء روسيا. أما بشأن اسلحة القتل الجماعي، بما فيها البيولوجية، فقد سبق لروسيا أن أيدت “عدم إنتشار الأسلحة النووية وسواها من أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها، مع مراعاة خطر الحصول على مكونات هذا السلاح”.
موقع الخدمة الروسية في “الحرة” يشير إلى أن الإستراتيجية الجديدة وصفت الولايات المتحدة بأنها “المصدر الرئيسي للمخاطر والسياسات المعادية لروسيا”. ويقول بأنها تؤكد على تزايد خطر الصدام بين الدول الكبرى، بما فيها النووية، وصولاً إلى الحرب العالمية. كما تتهم الولايات المتحدة وحلفائها بشن “حرب هجينة من طراز جديد” على روسيا. واللافت أن روسيا، وحسب الإستراتيجية، “لا تعتبر نفسها عدواً للغرب”، إلا أنها لا تحدد بوجه من “تدافع عن حقها في الوجود والتطور الحر بجميع الوسائل المتاحة”. ويشير الموقع إلى أن تعبير “الدفاع ضد التأثير الأجنبي الهدام” يرد أكثر من مرة في الوثيقة بوصفه أحد أهداف روسيا الإستراتيجية.
كما يلفت الموقع إلى أن موسكو، وحسب ما ورد في الوثيقة، تعتزم إعطاء الأولوية “لإزالة آثار هيمنة الولايات المتحدة والدول الأخرى غير الصديقة في الشؤون الدولية”. وتعتبر الوثيقة أن أحد أهداف روسيا الرئيسية هو الدفاع عن “القيم التقليدية” بوجه “القيم النيوليبرالية الزائفة”. ومن أجل مجابهة التهديدات، تقول الوثيقة بأن روسيا مستعدة لإتخاذ إجراءات “متكافئة وغير متكافئة”، بما فيها إستخدام الجيش.
وترى الوثيقة أن العلاقات مع الدول المجاورة، هي الأكثر أهمية بالنسبة لأمن روسيا. وتنطلق من أن هذه الدول هي منطقة نفوذ لروسيا، حيث تتعهد الوثيقة بالوقوف ضد قيام “الدول غير الصديقة” (أي الغرب) بتنفيذ مشاريع بنية تحتية في هذه البلدان.
ويشير الموقع إلى أن الوثيقة تولي أهمية كبيرة للتعاون مع كل من الصين، الهند، إيران، تركيا، سوريا، السعودية، مصر، البرازيل، كوبا وفنزويلا. وترى الإستراتيجية الجديدة أن الدول الأوروبية تقع تحت النفوذ الأميركي، لكنها تقول بأنه إذا أعادت النظر بسياستها، فسوف تجد لها “مكاناً لائقاً في الشراكة الأوراسية الكبيرة”.
يوجز الموقع رأيه بالتعديل الجديد لإستراتيجية روسيا في السياسة الخارجية، فيرى أنها تكرار لمقولات بوتين السابقة عن المواجهة مع الغرب. مع العلم أن الحرب الأوكرانية التي أصبحت السبب الرئيسي لنهج الغرب المتشدد حيال روسيا، لم تأت الوثيقة على ذكرها سوى مرة واحدة، وبشكل غير مباشر.
موقع Meduza المعارض نشر بدوره مقارنة بين تعديل العام 2016 والتعديل الراهن لإستراتيجية روسيا في السياسة الخارجية، والتي صيغت نسختها الأساسية العام 1993. يقول الموقع أنه بعد سنة من الهجوم على أوكرانيا وإندلاع الصراع الواسع مع الغرب، وقع بوتين على التعديل الجديد. أما التعديل السابق فقد جاء بعد إجتياح القرم وبدء الحرب في الدونباس وعقوبات الغرب الأولى. ومع أن الظروف المحيطة بروسيا كانت أكثر تعقيداً برأي الموقع، إلا أن لغة التعديل السابق كانت أقل تصلباً من الحالي.
توقف الموقع عند ما جاء في التعديل السابق بشأن أوكرانيا، حيث أشار بان روسيا مهتمة بتطوير التنوع في العلاقات السياسية، الإقتصادية، الثقافية وغيرها مع أوكرانيا، وعلى أساس الإحترام المتبادل وإقامة علاقات شراكة تتوخى المصالح القومية.
لكن في 24 شباط/فبراير 2022 شنت روسيا حرباً شاملة على أوكرانيا تحت إسم “عملية عسكرية خاصة”. في التعديل الجديد لا يرد ذكر أوكرانيا، وغزو هذا البلد أُطلقت عليه الإستراتيجية الجديدة عليه تسمية “تدابير للدفاع عن المصالح (الروسية) الحيوية على الإتجاه الأوكراني”.
يواصل الموقع لاحقاً المقارنة بين النسخة الجديدة لإستراتيجية السياسة الخارجية لروسيا ونسختها السابقة، ويعدد الجديد في الحالية، وما كان متوقعاً ولم يذكر فيها. وفي سعيه للإضاءة على إصرار الكرملين على التصعيد في المواجهة مع الغرب، يتوقف الموقع عند الخطوات التي إتخذها بوتين خلال السنوات السبع الفاصلة بين النسختين، وخاصة سنة الحرب ضد أوكرانيا، وهدفت للقضاء على أي إمكانية لتطبيع العلاقات مع الغرب، على عكس ما تحاول أن توحي به النسخة الجديدة من إستراتيجية سياسة روسيا الخارجية.
ولعل عنوان النص( نص هيئة تحرير الموقع) قدم الصورة الأوضح للإنطباع الذي خلفته الإستراتيجية الجديدة لدى هيئة التحرير. قال العنوان “قارنا المفهوم الجديد لسياسة الاتحاد الروسي مع النسخة السابقة. للحقيقة، تساورك الرغبة بالبكاء حين تقرأ ما أعلنته روسيا ( على الأقل بالكلمات) لأقل من سبع سنوات خلت”.
“المدن”