وصفت مجلة “إيكونوميست” الحرب الدائرة في السودان بأنها نتاج عوامل داخلية لكنها قد تجذب إليها فاعلين من الخارج.
وقالت إن القرن الافريقي يقع على خطوط تجارة مهمة. وبعد ثلاثة أيام على بداية الحرب في الخرطوم، العاصمة السودانية، هاجم مسلحون بيت محمد وأمروا رجل الأعمال وعائلته بمغادرة بيتهم، ووضع الجنود مضادات للطائرات على سطح المنزل، وانتقل محمد وعائلته إلى أقارب لهم في حي هادئ. ولكنه لم يعد آمنا، مع انتشار القتال الذي ملأ الشوارع بالجثث. وتقول المجلة إن المعركة ربما بدأت كصراع ضيق على السلطة بين الجيش الرسمي “القوات السودانية المسلحة” وقوات الدعم السريع، الميليشيا التي تحولت إلى منظمة شبه عسكرية. وكلما طال أمد الحرب زادت المخاطر من تدخل قوى من الخارج نظرا لأهمية السودان الجيوسياسية. ذلك أن السودان يقع على النيل، شريان الحياة لمصر وهو قريب من القرن الأفريقي الذي يتحكم بنقاط الإختناق الجنوبية للبحر الأحمر والقريب من الخليج.
وتراقب شرايين الاقتصاد العالمي هذه أمريكا والصين وفرنسا والتي لها قواعد عسكرية في جيبوتي. وتقول كومفورت إيرو، مديرة مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل “يعتبر القرن الأفريقي استراتيجيا بشكل كبير وميكروسوم للنزاعات الدولبة الأخرى” و “يلتقي الغرب بالشرق والخليج يلتقي مع أوروبا”. وفي الوقت الحالي يبدو طرفا النزاع متساويين، فالقوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان الذي سيطر على السلطة وعزز سلطته كزعيم فعلي للسودان في انقلابي 2019 و 2021 وبدأ القتال بقدر من الأسلحة التقليدية، بما في ذلك الدبابات والمقاتلات. ومع أن قوات الدعم السريع هي الطرف الأضعف إلا قائدها، محمد حمدان دقلو، حميدتي لديه ثروة كبيرة لأن قوات الدعم السريع تسيطر على مناجم الذهب وتجارته في السودان ولديه عشرات الألاف من المقاتلين الأوفياء.
بعد ثلاثة أسابيع من القتال في الخرطوم وأماكن أخرى، وبخاصة في دار فور، لم يحقق أي طرف تميزا حاسما على الطرف الآخر
وكان هذا الرصيد الذي منح حميدتي القدرة للتنافس مع البرهان للسيطرة على العملية الإنتقالية التي تبعت الإطاحة بنظام عمر البشير في 2019 وأصبح نائبا. وأعطاه السلاح الفرصة للظهور في السنوات الأخيرة كرمز شبه مستقل على المسرح الدولي وعقد صفقات مع القوى الأجنبية. وقوات الدعم السريع ليست مجرد “ميليشيا متمردة” كما يقول شراث سيرنيفاسان، الخبير بالسودان في جامعة كامبريدج، فهي “لاعب دولة”.
وبعد ثلاثة أسابيع من القتال في الخرطوم وأماكن أخرى، وبخاصة في دار فور، لم يحقق أي طرف تميزا حاسما على الطرف الآخر. وينقص قوات الدعم السريع الدبابات والطائرات ولكنه تمركز في الأحياء السكنية في العاصمة.
وهناك يقوم رجالهم باغتصاب النساء وإجبارهن على طبخ الطعام لهم حسب امرأة سيدة سودانية التي هربت قريباتها الأربع عبر مكيف هواء عندما احتلت قوات الدعم السريع بيتهن. وكان على سكان الخرطوم العيش تحت ظل الغارات الجوية من القوات المسلحة. وفي الأول من أيار/مايو قتلت ثلاث نسوة كن يبعن الشاي أمام مستشفى بعد انفجار قنبلة. وبحسب الأمم المتحدة فقد قتل 500 مدنيا وجرح الكثيرون في القتال، ولكن العدد ربما كان أعلى. ويتوقع أن يجتاز 800.000 لاجئا عبور الحدود السودانية في الأسابيع والأشهر المقبلة. واستطاعت قوات الدعم السريع ذات الخبرة الجيدة تأمين أماكن في الخرطوم بما فيها المطار ومصفاة البترول، ويبدو أنها تسيطر على القصر الجمهوري والتلفزيون. وقال وليد أدم، أحد سكان حي تسيطر عليه قوات الدعم السريع “في الأسابيع الماضي يتجولون وكأنهم أصحاب المكان”. وتسيطر قوات الدعم السريع على منطقة دار فور التي جاء منها دقلو وقاعدتين من ثلاث قواعد جوية في المنطقة. وخفت المشاكل بين قوات الدعم السريع وغير العرب في بلدة الجنينة. ويسيطر الجيش على معظم البلاد. وتم إجلاء ألاف الأجانب والسودانيين عبر بورتسودان في منطقة الشرق والتي أمنتها القوات السودانية في الحرب. والمناطق الريفية حول الخرطوم هادئة.
ويقول استاذ جامعي فر من العاصمة مع عائلته:”الوضع عادي”. وتركت غارات الجيش أثرها على وحدات الدعم السريع، التي تقوم بغارات وحروب شوارع. وقال جندي من صفوف الوسط “لقد ضربنا كل خطوط الإمدادات التابعة لهم”، وتم تدمير الكثير من القوافل القادمة من دار فور،حسب تقارير. والسؤال إن كان أي من الطرفين قادرا على كسر الجمود سريعا. ولدى الجيش خبرة طويلة في قتال المتمردين في مناطق بعيدة لكن ليس في العاصمة. ولا يمكنه قصف الأماكن لتحقيق النصر كما فعل في مناطق أخرى.
ويتوقع محلل غربي أن تكون العاصمة مثل مطحنة لحم ولفترة، مشيرا إلى أن الإنقسام داخل قيادة الجيش قد تكون عوقت عملياته والتقدم مستفيدا من الأسلحة الثقيلة. وتجد قوات الدعم السريع نفسها في مأزق، فستكافح لتأمين الإمدادات وإعادة تسليح قواتها مع استمرار القتال. وحتى لو انتصر حميدتي، فهو مكروه في العاصمة ويحمله السكان مسؤولية مجزرة العاصمة في 2019 وتصرفات قواته التي نفرت السكان منهم. وقال أدم “الناس يدعمون الجيش”. إلا أن منظور حرب طويلة يعتمد على الطريقة التي سترد فيها الدول الجارة للسودان.
ونظرا لمساحته وموقعه على البحر الاحمر، نظر للسودان كمنطقة استراتيجية مهمة في المنطقة وكذا بالنسبة للصين وروسيا والغرب. فهو قريب من خطوط الملاحة البحرية التي تمر عبر مضيق باب المندب والتي تمر عبره نسبة 10% من التجارة البحرية العالمية. وتنظر دول الخليج، الإمارات العربية المتحدة والسعودية تحديدا للمصالح الإقتصادية. وفي كانون الأول/ديسمبر وقعت شركة إماراتية صفقة بـ 6 مليارات دولار لتطويرساحل السودان على البحر الأحمر. ودعمت السعودية والإمارات كلا من البرهان وحميدتي بعد انقلاب 2021 وقدمتا 3 مليارات دولار كمساعدات عاجلة. وليس لدى البلدين مصلحة في تغذية النزاع. وأجلت السعودية آلاف السودانيين الذين فروا عبر بورتسودان، وتخشى مثل الدول الأوروبية تدفقا للاجئين. وما يعقد الأمور هي العلاقة الغامضة بين الإمارات وحميدتي الذي تلقى المال والسلاح مقابل إرسال مقاتليه للمشاركة في حرب اليمن عام 2017. ورعته منذ ذلك أبو ظبي ودبي حيث يقول هاري فيرهوفن، من جامعة كولومبيا “لا تحب الإمارات حميدتي”. وتقول إرو من مجموعة الأزمات الدولية إن دول الخليج ربما “تتنتظر وتحوط رهاناتها لرؤية الطريقة التي ستسقط فيها الأوراق”. وربما كان هذا هو نهج شركة فاغنر، التي تقدم السلاح للدعم السريع وتحصل على امتيازات في مناجم الذهب. ويقول صمويل رماني، مؤلف كتاب “روسيا وآفريقيا” إن هدف الكرملين الرئيسي هو “إحباط التحول الديمقراطي في السودان”، وهذا لأن لديه طموحات لبناء قاعدة بحرية في بورتسودان والتي تخدمها حكومة عسكرية وليس ديمقراطية ولا يهمها من ينتصر الجيش ام الدعم السريع.
لم تتحول الحرب في السودان إلى حرب بالوكالة كما في سوريا واليمن وليبيا، إلا أن السودان يشترك مع سبع دول غير مستقرة وكلها لديها مشاكلها الخاصة وجماعات تمرد
ولم تتحول الحرب في السودان إلى حرب بالوكالة كما في سوريا واليمن وليبيا، إلا أن السودان يشترك مع سبع دول غير مستقرة من تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وإثيوبيا وجنوب السودان وكلها لديها مشاكلها الخاصة وجماعات تمرد. ويرى سليمان بالدو من ترانسبيرنسي أند بوليسي تراكر “كلما طال النزاع كلما تدخل الفاعلون من الخارج”، وهناك مصدر للتدخل من إريتريا، وحاكمها إسياس أفورقي الذي أقام علاقات مع حميدتي ولديه تاريخ طويل في دعم التمرد بالسودان. وهناك خليفة حفتر، أمير الحرب الليبي الذي يقيم علاقات مع فاغنر والذي قدم السلاح والوقود لحميدتي. وعملت قوات الدعم السريع والجيش الوطني الليبي تحت قيادة حفتر بشكل قريب، ففي عام 2019 دعم حميدتي حفتر في حملته للسيطرة على طرابلس بدعم من الإمارات. كما وصل نجل حفتر الأكبر للخرطوم قبل اندلاع العنف بأيام للحديث مع حميدتي. ومهما كان الدعم الذي قدمه حفتر فسيكون محدودا برغبة أمير الحرب الليبي الحفاظ على علاقة متوازنة مع مصر التي تدعم القوات السودانية المسلحة بقيادة البرهان.
و في بداية الحرب، كانت الطائرات المصرية قامت بضرب مخازن الدعم السريع. وفي الأول من أيار/مايو اتهم حميدتي الطيران المصري بضرب أهداف في شمال الخرطوم، مع أن حجم التدخل المصري غير معروف. وربما زادت من دعم الجيش السوداني. ويقول مجدي الجزولي من معهد ريف فالي “مصر هي أخطر عامل” و”هدف مصر هو انقاذ السلطة المركزية في السودانية كما يعرفونها”. وهذا إلى جانب مخاطر الحروب الأهلية وعودتها إلى دار فور وكذا الأزمة الإنسانية التي تلوح بالأفق.
“القدس العربي”