نقد رياض الترك بل شتمه ومحاولات تشويه صورته قديمة. أعداؤه كثر. ولكن لماذا؟
لا أذكر، وأنا متابع مجدّ، أن رياض رد يوماً على شاتميه.
وأولاً رياض من بني آدم وأمه حواء، والآدامي خطّاء.
وثانيا هو حقّاً عدو عنيد لحافظ أسد وما مثّل من طغيان، ولابن حافظ أسد. أمثاله كانوا قليلون جداً جداً. تلخيصا: (قال في مقابلة مع “اللوموند” قبل الثورة بزمااان كاسراً وحده تقريباً الصمت الثقيل الذي يعرفه جيداً كل السوريين: إن انتخاب بشار الأسد مهزلة؛ سخرية من الشعب. سوريا تحوّلت في باطن تفكير حافظ الأسد إلى ملكية شخصية له، يتوجّب تناقلها كميراث للولد)
وثالثاً حافظ وعلي دوبا وكل الأجهزة الأمنية كانت تفبرك بنشاط ما ينتقص منه، وأكمل المهمة ابنه الهظيلة. مثلاً قال بوق بشار طالب ابراهيم في مقابلة تلفزيونية في بداية الثورة: “أنّ رياض الترك متواجد الآن داخل المسجد العمري في درعا ممّا يعني أن رياض الترك الشيوعي العلماني يضع يده بيد الشيخ السلفي أحمد صياصنة للتآمر على الدولة!”
ورابعاً أنا شخصياً سمعت من ابنة أحد أصدقاء علي دوبا أنه قال في سهرة في بيت الصديق إن الترك حقه رصاصة والرصاصة أبتسوى ليرة. وأنا أقيّم أن علي دوبا كان المصدر الأساسي وقتها لبث ما يشوه رياض. الأمر الذي أكمله خلفاؤه ومتبرعون كثر وبالمجّان.
وخامساً منشأ الكراهية المتجذرة والمعتّقة لرياض والسب عليه بالأطنان من قبل يساريين، وبالأخص من يساريي الطوائف، كانت تعتمد على شائعة أنه اعترض على لقاء مع كوادر من الرابطة (لا أريد نكأ الجراح ولكنه مقتضى الحال فلّيعذرني المحترمون). شخصياً لا أعرف إن كان الأمر صحيحاً. لكن من الواضح بالنسبة لي أنه كان حذراً جداً من أفخاخ علي دوبا والأجهزة الأمنية وكان يصرح بذلك. كما أن حزبه أجرى باكراً في نهاية السبعينيات إحصاءً للأعضاء وانتماءاتهم الطائفية وقيل أنه كان هو وراء الإحصاء. وكانت الفكرة هي الإجابة على السؤال؛ هل تركيبة الحزب تعكس النسب الصحيحة للسكان أم أنها تميل للطوائف غير السنيّة، كما كان يشاع بل هي الحقيقة بأن الشيوعيين أقلويون. ويا للكفرية تلك! هنا أحد أهم دفائن الكراهية لرياض من قبل أجهزة الأمن وحافظ وابنه والمتبرعين الغشم منهم والخبثا اللؤما منهم.
وسادساً حتى الإخوان لم يوفروه وحزبه. في حلب ترافق بل وسبق حراك الإخوان إضراب النقابات المهنية وكان لرياض دوراً في إذكائه على خلفية التفكير بحراك مدني وصولاً للعصيان تقليداً لإضرابات وعصيانات مرحلة الانتداب. لم يرق هذا للإخوان المستعجلين المتوهمين أن الكعكة اقتربت من النضج وأنهم وحدهم لهم الحق في التهامها فقد خطب شيخ جامع أغيور وثبتتها جريدة النذير خطبة تضمنت عبارات شتم منها مثلاً “أيها الشيوعيون عودوا إلى جحوركم”
وسابعاً عمر رياض في السياسة يتجاوز ستة عقود، بينها قرابة ربع قرن في سجون أنظمة مختلفة، ونحو 18 سنة في زنزانة منفردة زمن حافظ الأسد. ولم يتنازل.
وثامناً نشطت الآلة الإعلامية لنظام بشار بعد الثورة في التشويه. لعلنا نتذكر الكثير الكثير من مصطلحات الشتم والسباب والكذب عليه وصلت إلى الاتهام بإنشاء مليشيا لهدم الدولة.
وتاسعاً اعتبر عدد لا يستهان به من يساريينا وغيرهم بأنه مهندس المجلس الوطني وصاحب الفيتو على البعض من الأشخاص والأحزاب. في حين أنه يمارس الممكن، وربما أخطأ هنا. بل حتماً أخطأ في نقص رؤيته تجاه أسلمة الثورة. أنا شخصياً ألتمس له العذر نسبياً لسبب بسيط هو أن اليسار ومنه جماعة رياض كانوا أضعف من أن يفرضوا شيئاً، بل وأكثر فقد قفز يساريون ومثقفون مكرسون لوضع أنفسهم عبيداً عند الصغير أحمد الجربا، فأضعفوا بذلك احتمال تكوين قطب يساري يحاول ولو قليلاً الحد من صعود الإسلاميين الصاروخي بدعم من قطر ودول الخليج.
وعاشراً نسيتْ هيئة التنسيق، وهي هيئة معتبرة وتضم أحزاباً وكيانات كان لها وزن، نسيت النظام والثورة والإخوان وأمسكت بتلابيب رياض الترك. وهات ياشتم ويا سب. وهنا أيضاً لم أسمع عنه أنه رد على أولئك الذين كانوا قد بلعوا راديوات بها موجة واحد هي موجة تشويه وشتم رياض.
وحادي عشر كان للأخوة الكرد نصيب عظيم من مطولات الشتم بناء على كلمة قالها في ندوة.
وثاني عشر ولا أرغب بإقناع أحد برأيي رياض مثل جراح المفاصل الماهر يأتي على المفصل مباشرة.
وثالث عشر رياض ليس مفكراً ولا مثقفاً. رياض سياسي وفقط وأخطأ مثل كل سياسي وإنْ كان بارعاً.
ورابع عشر حزب رياض، أي بيئته الخاصة التي كان يسبح فيها، لم يكن حزباً جماهيرياً يوماً مطلقاً مطلقاً. كان حزب نخبة قليلة العدد. وأصلاً كانت سورية وخلال أكثر من خمسين عاماً أرضاً بلقعاً لا سياسة مجدية تنبت فيها. طوال هذه السنين كانت السياسة ممنوعة إلا إن كانت موالية للحكم ولحزب البعث. سجون. وقوانين مكبلة. واعتيالات. وحرب في لقمة العيش. واتهامات وتشويه… أي كل ما يمنع أن تنبت بذرة السياسة.
وخامس عشر عمر رياض الآن 93 سنة بالتمام والكمال اللهم حسن الختام.
وسادس عشر خارج السياسة والتنابذ كان لدى رياض لازمة محببة من عارفيه يكررها هي مخاطبته أي شخص بـ” ابن العم”. أنا لم أسمعه يقول يوماً “يارفيق”. قد أكون مخطئاً لأنني لم ألتقيه إلا مرات معدودة. مرة في عزاء رأيته بعد أن خرج وعاد متسللاً إلى بيروت لإجراء عملية في القلب وهو يدخن الحمراء الطويلة ويشعلها بين الفينة والفينة فقد كانت تنطفي. قال له أحد الحضور حرام يا أبو هشام حرام عليك. رد عليه مع ابتسامة عريضة “الأعمار بيده!” وقلب عينيه كأنه يحتضر. لا أدري إن كان يسخر أم لا.
*كاتب سوري