الترحيب الروسي بدعوة الأسد لحضور القمة العربية القادمة في السعودية، واعتباره نصراً لروسيا وهزيمة للولايات المتحدة، كان متوقعاً. فقد نقلت صحيفة RG الناطقة بإسم الحكومة الروسية في 10 الجاري عن رئيس لجنة الإعلام في مجلس الإتحاد الروسي ألكسي بوشكوف قوله بأن الولايات المتحدة خسرت المعركة على سوريا، ولن تكون قادرة على تغيير الواقع المستجد. ورأى أن قرار الجامعة العربية بإعادة سوريا إلى المنظمة يشطب تصريحات عدد من الزعماء الغربيين والعرب عن حتمية إستقالة الأسد. وتأكيدات واشنطن بأن دمشق “لا تستحق” مثل هذه العودة لكنه لا يسعها تغيير الواقع الجديد. وشدد بوشكوف على أن “هذه التصريحات جاءت متأخرة، بعد معركة خسرتها الولايات المتحدة من أجل سوريا. وخلص إلى القول بأنه لا تراجع في التحولات في سوريا بقيادة رئيسها بشار الأسد، فضلاً عن استعادة دمشق السيطرة على الجزء الرئيسي من أراضي البلاد.
الوكالة الإخبارية الروسية Lenta نقلت في 8 الجاري عن الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها بأن موسكو ترحب بقرار الجامعة العربية إعادة سوريا إلى المنظمة. وقالت بأن هذه الخطوة طال إنتظارها، وأعربت عن ثقتها بأنها ستساعد في تخفيف التوترات في الشرق الأوسط وتجاوز تداعيات الأزمة السورية.
سبق لمواقع الإعلام الروسية أن توقفت عند قمة جدة في الشهر المنصرم، والتي بحثت مسألة إعادة عضوية سوريا في الجامعة. وقد نشر موقع absatzالإلكتروني الروسي في 14 الشهر المنصرم نصاً بعنوان ” لماذا عودة سوريا المحتملة إلى جامعة الدول العربية تجعل الولايات المتحدة متوترة”. وقدم الموقع للنص بالتساؤل عما يمكن أن تفضي إليه عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، وما هو دور موسكو في هذه العودة. ووصف لقاء وزيري الخارجية السعودي والسوري في جدة بالمفاجئ، وأشار إلى أن الوزير السوري سبق أن إلتقى وزيري الخارجية المصري والأردني. ورأى أن لقاءات الوزير السوري هذه أعلنت نهاية عزلة سوريا الإقليمية. ونقل عن رويتر قولها حينذاك أن إستعادة العلاقات السعودية السورية، هي الخطوة الأبرز للدول العربية في تطبيع علاقاتها مع الأسد. وأشار إلى قول الوكالة بأن الرياض أدركت بأن عزلة دمشق “لا تجدي”.
نقل الموقع عن المحاضر في كلية الإستشراق في المدرسة العليا للإقتصاد أندريه تشوبريغين قوله بأن الدول العربية أقدمت على التقارب مع دمشق بعد أن إتضح لها أن الأسد “سياسي خبير وقوي”. وأضاف بأنه، مع دعم موسكو للأسد من الخارج، إلا أنه يحظى ب”دعم كبير من السوريين في الداخل.
ورأى المحاضر أن المعارضة السورية لم تتمكن من تقديم مرشح قوي متفق عليه، والزعماء الذين برزوا من المعارضة لم يحظوا برضى السعودية “لا بخطابهم ولا بأهدافهم”.
واعتبر أنه لا شك في فضل موسكو على عملية إستعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا ودول الشرق الأوسط الأخرى. فلو أن موسكو لم تدعم الأسد، لما تمكن من البقاء في السلطة ، بل ولكان إختفى عن الساحة السياسية السورية. ورأى أن إبعاد سوريا عن الجامعة العربية، لم يحمل سوى الضرر لمن أبعدها. واعتبر أن سوريا هي مركز الشرق الوسط و”قلبه”، وكانت دوماً ذات أهمية كبرى لتطور العلاقات في المنطقة ولنشاط النخب السياسية في سوريا نفسها وفي الدول المجاورة.
المحاضر الذي تشي نظرته إلى سوريا بانتمائه إلى جيل المستشرقين السوفيات، لم يستبعد أن تتيح للأسد عودته إلى الجامعة العربية إمكانية أكبر في إطلاق عملية إستعادة السيطرة على المناطق الشمالية. ويرى أن الجامعة العربية تتمتع بإمكانيات سياسية وإقتصادية متعددة لتقديم المساعدة للأسد في هذه العملية. “لكن الفاصل شاسع بين بداية العملية ونهايتها”.
وفي تفسير الفاصل الشاسع الذي أشار إليه، رأى أن الولايات المتحدة في نزاع الآن مع السعودية ـــــ أحد حلفائها الرئيسيين في الشرق الأوسط. ومن المتعذر التنبؤ بما سينتهي إليه هذا النزاع. ومن المحتمل أن تعود كل الأمور إلى مواقعها السابقة، ولا يستبعد إحتمال أن تتغير خريطة الشرق الأوسط السياسية برمتها. فإذا ما تم قبول سوريا في الجامعة العربية ( وهو ما تحقق الآن)، وإذا ما أعلن أعضاؤها إلتزامهم إستعادة سوريا سيادتها في الحدود السابقة، فسوف تفقد الولايات المتحدة مواقعها.
موقع News.ru الروسي نشر في 8 الجاري نصاً بعنوان “هل يدير الأسد ظهره لروسيا”، وأرفقه بآخر ثانوي “سوريا تتقارب مع الأعداء السابقين: دمشق عادت إلى الجامعة العربية وتُجري مفاوضات مع الولايات المتحدة والسعوديين.
لا يشير الموقع إلى أي مصادر في تأكيده بأن مفاوضات بين سوريا الولايات المتحدة في سلطنة عُمان سبقت قرار الدول العربية إعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية. ويفترض أن المفاوضات في عُمان بحثت مسألة سحب القوات الأميركية من سوريا. ويرى أن سوريا، وبفعل العودة إلى الجامعة العربية، تعود إلى السياسة العالمية، ويصبح الأسد ودبلوماسيوه ضيوفاً مرحباً بهم في السعودية التي كانت تؤيد المعارضة السورية بشكل لا لبس فيه. وإذا كانت سوريا ستسوي علاقاتها مع العالم، وسيتم تخفيف العقوبات المفروضة عليها، يبرز في هذه الحالة السؤال عن التغير الذي سيلحق بدور روسيا في المنطقة: ما هي مصالح موسكو في سوريا الآن، وماذا ينتظر الأسد من روسيا.
ينقل الموقع عن السياسي السوري علي الأحمد قوله بأن نجاحات روسيا في إخراج سوريا من عزلتها، هي التي دفعت الولايات المتحدة للتفاوض مع سوريا. ويقول بأنه لم يتم الكشف رسمياً عن مضمون المفاوضات الأميركية السورية ولا عن المفاوضين. وينقل عن الخبير العراقي في العلاقات الدولية إبراهيم موسى إفتراضه بأن الولايات المتحدة حاولت في المفاوضات العثور على صيغة مقبولة لسحب قواتها من سوريا.
لم يتوسع الموقع لاحقاً بالحديث عن المفاوضات السورية الأميركية في عُمان، وبقي الكلام عنها معلقاً عند ما قاله وإفترضه الخبيران السوري والعراقي، ولم يتم ذكر أي مصادر أخرى تدعم ما جاء على لسان الرجلين.
يسترسل الموقع بعد الإشارة إلى تلك المفاوضات في الحديث عن: لماذا تُخرج روسيا سوريا من عزلتها؛ لماذا تحتاج روسيا إلى سوريا؛ كيف تجني روسيا المال من سوريا؛ لماذا يمكن أن تكون سوريا مثيرة للاهتمام بالنسبة لروسيا.
يختتم الموقع نصه بالتساؤل عما إذا كانت سوريا ستنسى روسيا. وينقل عن السفير السوفياتي والروسي السابق في سوريا ألكسندر زوتوف قوله بأن سوريا تنتظرها مرحلة إعادة إعمار نشط، سوف تلعب فيها روسيا دوراً كبيراً. وسوف تتاح الفرص لمن يرغب بالمشاركة بهذه العملية، وفي شتى الميادين، لكن زوتوف يخشى بان تفقد روسيا دورها الريادي بين تعدد المشاركين. ويشاركه مخاوفه هذه رئيس هيئة “التعاون الروسي” في سوريا نيكولاي سوخوف الذي قال بأن إبتعاد سوريا عن روسيا ممكن كلياً بعد سنوات، حين يفد مستثمرون أغنياء من دول الخليج. وأضاف بأن هذا سيحدث بمجرد ان تشعر القيادة السورية بنوع من الإستقرار في الوضع. لكنه يستدرك بأن ليس بوسع أحد أن يخرج روسيا من هناك، “طالما لم ننسحب نحن”. ويرى أن وجود روسيا في سوريا هو بالنسبة لعرب الخليج عامل أمن وإستقرار، نوع من ضمانة القوة للحفاظ على إستثماراتهم وأعمالهم.
“المدن”