كان جديراً متابعة خطاب رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي بالقمة العربية في جدة كي نشخص السلوك السوري الصبياني. فوصول زيلينسكي ظل مفاجأة اللحظة الأخيرة لزعماء العالم العربي، وعندما ألقى خطابه، نزع الوفد السوري برئاسة بشار الأسد وزير الخارجية فيصل المقداد والمستشارتين، سماعاتهم دفعة واحدة.
صحيح أنهم لم يغادروا القاعة احتجاجاً، مثلما فعل حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد حين انصرف من السعودية قبل خطاب الأسد وامتنع عن مصافحة الرئيس السوري، لكن الأسد وأعضاء الوفد السوري نزعوا سماعات الترجمة إلى العربية بحركة استعراضية أمام الكاميرات كي يثبتوا لكل من يهمه الأمر –طهران أساساً– بأنهم لا يعتزمون الاستماع لزيلينسكي، وكأنهم لا يفهمون الإنجليزية. وقد التقطت الكاميرات الأسد وهو يرنو بعينيه إلى نقطة مجهولة في حائط القاعة. وكانت رسالته واضحة: أن يثبت لروسيا بأنه غير مبال وغير معني بأقوال زيلينسكي، حين تحدث عن “السلام”.
22 دولة عربية دعيت وحضرت القمة العربية في جدة. حاكم الإمارات، وملك المغرب، وزعيم عُمان، ورئيس الجزائر، كانوا قد فضلوا، كل لأسبابه، البقاء في البيت. لا يزال المغرب يدير معارك على نصيبه في الصحراء. وثمة شائعة تروى عن قطيعة آخذة بالاحتدام بين محمد بن زايد حاكم الإمارات، ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي. لكن الزعماء الأربعة الذين تغيبوا، حرصوا على بعث وفود إلى القمة.
بدأ خطاب زيلينسكي، بالإنجليزية الركيكة، بالثناء على الأسرة المالكة السعودية التي توسطت في تبادل أسرى الحرب بين أوكرانيا وروسيا. زيلينسكي، في بزته الخاكي الخالدة، سعى ليشد على يد ولي العهد السعودي الذي يتطلع إلى وساطة كاملة بين روسيا وأوكرانيا، وحرص على إنارة عيون الزعماء ووفودهم أن الحرب لم تنته بعد، وأنه بحاجة إلى السلاح والمساعدة الاقتصادية.
“آمل أن يكون الجميع هنا من أجل السلام”، بدأ خطابه، ولاقى عدم الاكتراث. التقطت الكاميرا أحد أعضاء الوفد اللبناني متوجهاً إلى وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، يشير عليه بالتوقف عن مضغ العلكة أمام الكاميرات. فأدخل إصبعين إلى فمه وسحب العلكة وألقى بها في سلة المهملات.
من خلف الكواليس، روي عن ملابسات دعوة زيلينسكي المفاجئة بضغط من الولايات المتحدة. عندما دعي الأسد، رغم المقاطعة الأمريكية، أخذ ولي العهد بن سلمان توصية متشددة جداً من مسؤولين أمريكيين في أن “يعطي زيلينسكي فرصة”. واستجاب وأبقى هذا سراً تقريباً حتى اللحظة الأخيرة. واشنطن راضية عن الظهور الشاذ جداً لزيلينسكي في السعودية، لكنه لم يدعَ للانضمام إلى الصورة الجماعية لمشاركي المؤتمر.
بدا الأسد وهو يعانق المضيف، بن سلمان، ويجري حديثاً قصيراً مع الرئيس المصري السيسي. كل هذا، بينما تغلي المعارضة السورية بآلاف التغريدات على مجرد “دعوة القاتل وتاجر المخدرات”. أخذوا يعرضون وجهاً مكفهراً للأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، الذي اضطر للانتظار، حسب البروتوكول، لمصافحة الرئيس السوري عند نزوله من الطائرة.
سمدار بيري
يديعوت احرونوت 21/5/2023
“القدس العربي”