ناقش روجر بويز المعلق في صحيفة “التايمز” أن أوروبا ليست مستعدة لموجة لجوء جديدة للسوريين كما حدث في 2015.
وأشار إلى أنه قبل8 أعوام شلّت موجة من اللاجئين السوريين أوروبا، حيث سافر الملايين غربا يحملون صدمة المجازر في وطنهم وشجعهم على السفر المستشارة الألمانية في حينه أنغيلا ميركل بأنهم سيجدون ملاجئ آمنة في القارة وبعيدا عن الوحشية.
وانهار نظام الهجرة للاتحاد الأوروبي تحت وطأة موجات المهاجرين الذين جاء معظمهم من سوريا. واليوم وبعد استقبال زملاء الديكتاتور السوري بشار الأسد في الجامعة العربية، فإن هناك بوادر لموجة لجوء جديدة قد تصيب العالم الغربي. ولا أحد مستعد لها، ليس في مجال السياسة أو السيطرة على الحدود أو إجراءات السكن والترحيل. وقال بويز إن إعادة الأسد في الأسبوع الماضي كان فعل فقدان الذاكرة الجمعية من العالم العربي.
ولم يعد أحد يتحدث عن ضحايا الحرب الذين يقدر عددهم بنصف مليون شخص أو عن الآلاف الذين عذبوا وملايين المهجرين، فهم معنيون بإعادة الأسد إلى الحظيرة كي يعيدوا ملايين المهاجرين لديهم إلى وطنهم، والتخلص من عبئهم. ونظر زملاء الأسد له بأنه المنتصر في الحرب الأهلية نظرا إلى نجاته غير المتوقعة. صحيح أن بلده ممزق ومحطم، إلا أن السجون مكتظة بنزلائها ولا تستطيع عائلته الحكم إلا بدعم من الطيران الروسي الذي يتحكم بالأجواء السورية وبدعم من السفن الإيرانية التي تنقل إليه النفط خلسة.
فنظام الأسد تحول إلى ديكتاتورية جوفاء، لكن علاقته مع إيران لم تعد لعنة للعرب، خصوصا بعد أن قام السعوديون بالتوافق مع إيران على صفقة سلام مبدئية. وفي الوقت نفسه لم يعد تأثير روسيا على نظام الأسد عقبة. فهم يفضلون حضور موسكو على محاضرات الولايات المتحدة الداعية إلى الإجماع. وما يهمهم اليوم هو سماح الأسد للاجئين بعودة الملايين من مخيمات اللجوء في المنطقة. فهناك مليون ونصف لاجئ في لبنان، وهي نسبة عالية بالنسبة إلى عدد السكان وسط أزمة اقتصادية حانقة. وفي الأردن 1.3 مليون لاجئ سوري وفي العراق 260.000 لاجئ وفي مصر 140.000 لاجئ.
والقصة متشابهة في كل الدول المضيفة، فالتضخم العالمي يأكل المساعدات المعروضة. ولم يعد السوريون قادرين على دفع الأجور ويعيشون في خيام مكتظة ولا أحد يرحب بهم في سوق العمل. ويعيشون على الدين للنجاة ويبحثون عن الطعام في النفايات.
واليوم بات عمر الأطفال الذين وصلوا من حمص عام 2011، 19 عاما، ولم يتلقوا التعليم الكافي، وهم يعيشون على الوظائف القليلة التي يستطيعون الحصول عليها.
وبالنسبة إلى الأتراك، وهم في وضع أحسن من جيران سوريا العرب، فقد أصبح اللاجئون السوريون مشكلة وصلت إلى نقطة الانهيار. فقد استقبلوا نحو 3.6 مليون سوري ومئات الآلاف من الأفغان الذين فروا من حكم طالبان. ومع انكماش الاقتصاد بحث الأتراك عن كبش فداء وكان السوريون الضحية، فهم المتطفلون المفترضون.
ولن تترك الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية نهاية الأسبوع الحالي أثرها على استقرار المنطقة بل والهجرة إلى أوروبا. وحصل الرئيس الحالي على دعم المرشح الثالث القومي المتطرف المعادي للهجرة الذي حصل على نسبة 5% في الجولة الأولى. وبات المرشح المنافس كمال قيلجدار الذي اتسم خطابه بالليبرالية يتبنى خطاب التخلص من المهاجرين. ويقول أردوغان إنه يريد بناء بيوت للاجئين في الأراضي السورية تستوعب الملايين منهم، ويبدو خطابه معتدلا، لكنه يؤشر في الوقت نفسه إلى تعامله مستقبلا مع الأسد الذي كان يكرهه.
والسؤال: ماذا لو لم يرد السوريون العودة؟ فقد دمرت بيوت الكثيرين منهم وحطمت مخابرات الأسد حياتهم. وسيقابل الجنود الشباب العائدين على الحدود وينقلونهم إلى معسكرات التجنيد. وتعاني سوريا مشكلة المخدرات وانتشار مادة أمفيتامين المعروفة بكبتاغون، وسيتردد الآباء في العودة مع أولادهم. ولم يتغير التعذيب في أقبية النظام بل وزاد. ولا تزال البيروقراطية الفاسدة والمعطلة في مكانها. وحتى لو وعد الأسد بتوفير الحماية للعائدين، فلا يعرف إن كان سيفي بالوعد، فهو ليس في وضع جيد.
ولو خير السوريون بين الخيمة في دولة جارة وشر الأسد لاختاروا تفكيك الخيمة والتوجه نحو ألمانيا، حيث سمح لمئات الآلاف من اللاجئين السابقين بالبقاء. ويعيش الكثير منهم في بحبوحة اليوم إلا أن قرار ميركل بالسماح لهم، ما زال يغذي خطاب الكراهية لحركات اليمين المتطرف.
وكانت خطة ميركل البديلة هي التفاوض مع تركيا ومنحها مساعدة مالية للحفاظ على اللاجئين في المخيمات، وربما كانت هناك حاجة لإعادة التفاوض عليها مع من سيفوز في الانتخابات. وبعد مرحلة الذروة التي وصلت إلى مليون، يوجد هناك نحو 800.000 لاجئ سوري، فهل سيكون هناك مزيد منهم؟ ربما، ولكن الموجة القادمة ستشمل كل نقاط الاختناق في أوروبا، بما في ذلك القنال الإنكليزي.
وبالتأكيد لن تستطيع الدول الأوروبية الهتاف بأن أفضل مكان للمهاجرين الفارين من العنف والاضطهاد في بلادهم هي دول الجوار. وعندما يصل المهاجرون جماعات من محور حرب بعينه، فإنهم يجلبون معهم توقعات وراحة، وكذا خيارات دائمة. فلو كان السبب هو الحرب، كما في سوريا ويظل في أوكرانيا، فهم يعرفون أن إرسالهم إلى محاور الحرب يظل تهورا. ولو فروا من الديكتاتورية كما هي حالة الفارين من هونغ كونغ أو أفغانستان فإنهم يعرفون أن تغير الأنظمة هناك يحتاج إلى أجيال. عندما تصل الموجة الجديدة من السوريين فإنها لن تمتحن عطفنا فقط بل وتصميم مجتمعنا كما يقول.
“القدس العربي”