كشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” عن تفاصيل إضافية عن مضمون المفاوضات مع سوريا في العامين 1992 و1993، من ضمن 637 برقية سرية وصلت الى رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحاق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز، وأظهرت أن الاحتلال ركز سعيه للتطبيع، فيما أظهرت سوريا إصراراً على انسحاب فوري من الجولان.
في الوثائق السرية التي نشرها المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت إيتمار آيخنر، استناداً الى وثائق سرية أرسلها البروفيسور إيتمار رابينوفيتش، رئيس فريق المفاوضات الإسرائيلي مع سوريا ودول عربية أخرى إلى رابين وبيريز، نُقِل عن “رئيس فريق التفاوض السوري موفق علاّف، قوله: “بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجولان سنكون مستعدين لشرب القهوة معكم”.
وقال مراسل “يديعوت أحرنوت”: “لقد مرّت ثلاثة عقود منذ ذلك الحين من دون تحقق أي من هذه الأمنيات، مع العلم أن الحديث يدور عن مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، واندلاع حرب الخليج الأولى، فيما كان حاكم سوريا هو حافظ الأسد الوالد، وتظهر المراسلات أن السوريين كانوا الأكثر عنادا في المفاوضات، وبدت المحادثات أشبه بحوار الصم”.
وأشار نقلاً عن الوثائق، الى أن “المفاوضين السوريين لم يصافحوا نظراءهم الإسرائيليين، وأصروا على تلقي التزام واضح بانسحاب إسرائيلي كامل من مرتفعات الجولان، وبدا أنهم يعتزمون صياغة جدولين زمنيين أحدهما للتنفيذ المتزامن للانسحاب، وإلغاء حالة الحرب، ومسألة الاعتراف، والثاني تصويت سوري واضح على أن عملية التطبيع التي سيتم الاتفاق عليها، إن وجدت، ستنفذ في جدول زمني لاحق”.
وقال: “بصرف النظر عن الجدول الأول، وبعد مرور بعض الوقت دعا رابينوفيتش نظيره السوري علاّف لشرب فنجان قهوة تركية من طراز عيليت أحضرها من إسرائيل”.
وبحسب موقع “عرب 21” الذي ترجم التقرير، أوضح أنه “في إحدى البرقيات قال رابينوفيتش إن المفاوضات دلّت بوضوح على الفجوة بين الطرفين”. وأكد علاّف أن الخطوط العريضة الإسرائيلية صيغة لانهيار عملية السلام، لأنه يعني انسحاباً تدريجياً لن يأتي إلا بعد قيامهم بترتيبات أمنية في الميدان، وطالب بتبني لغة تنص على انسحاب كامل إلى خطوط 67، وإخلاء المستوطنات، حيث تطور النقاش حول كيفية تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 242، فالسوريون قالوا إن القرار لا يتضمن إقامة سفارات، ليرد عليهم الإسرائيليون بأن القرار لا يذكر إخلاء المستوطنات، مع تأكيد السوريين أن “حقنا في العيش بسلام لا يعني إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل”.
ونقل عن “علّاف أن الحقائق على الأرض “تشير إلى أن إسرائيل ليست معنية حقاً بالانسحاب من جميع الأراضي السورية التي احتلتها، وطالما لم يتم الرد على مطالبة سوريا، فلن يكون من الممكن إرساء أسس إقامة علاقات وثيقة بينهما”.
وفي 15 كانون الاول/ديسمبر 1992، كتب رابينوفيتش إلى رابين أن محادثات حادة جرت مع السوريين بشكل خاص، و”أصبحت خلافاتنا الجوهرية حادة للغاية، وسط تأكيد السوريين أن مفهومهم للسلام محدود، ولا يشمل العلاقات الدبلوماسية، وكانوا مقتنعين بحصول تغيير بين سياسات حكومة شامير التي خسرت الانتخابات في أيار / مايو عام 1992، وسياسة حزب العمل الفائز في الانتخابات”.
وأوضح أن “موقف سوريا استمر بالتأكيد على أنه لن يكون سلام طالما أن إسرائيل تسيطر على شبر واحد من أراضيها، وأن الأسد لا يستطيع أن يأخذ أقل من الرئيس المصري السادات الذي تسلم شبه جزيرة سيناء بالكامل كجزء من اتفاقية كامب ديفيد، لكن الإسرائيليين ردوا بالقول إنه إذا كان لا يريد أن يحصل على أقل من السادات، فعليه أن يعطي ما قدمه في واشنطن، رغم أن رابين كان لديه أفكار أخرى حول اتفاقيات أوسلو، بأن أعطى للإدارة الأمريكية وديعته الشهيرة بشأن الانسحاب من الجولان مقابل السلام على شكل الاتفاق مع مصر”.من الواضح أن جواب السوريين خيّب أمل الإسرائيليين، ما دفعهم للتخلي عن الخيار السوري، والذهاب إلى اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير، مع أن البرقيات الإسرائيلية تزعم أنه في وقت لاحق من 1996، عندما استؤنفت المفاوضات، أبدى السوريون مرونة لافتة، وقدموا 23 نقطة للتطبيع، في إطارها كانوا جاهزين للعلاقات الدبلوماسية، وفتح السفارات، والتطبيع الكامل، على حدّ ما جاء في تلك الوثائق.
“المدن”