مرة جديدة، يحوّل العماد ميشال عون نفسه الى ساحة لصراع »الحلفاء – الأعداء«، فيدفع لبنان ومسيحيوه، الثمن الأفدح.
في الثالث عشر من تشرين أول 1990 دفع عون ومعه لبنان ومسيحيوه ثمن تلاقي »الحلفاء الأعداء«، فكان تسليم البلاد للوصاية السورية، بوكالة أميركية.
حاليا، ثمة من يُهيء العماد عون ليكون »خروف العيد »، الذي يُعتقد بأنه سيُقدّم على مذبح »الصراع البارد« المحتدم بين الحليفتين سوريا وإيران، للإمساك بلبنان.
سوريا الضعيفة التي تريد أن تشتري نفسها من خلال »الدفع» في لبنان، تُحاول أن ترتقي الى دور الشريك مع إيران الممسكة من خلال »حزب الله« المسيطر على عون، بالورقة اللبنانية بشكل حاسم.
ومن يُدقق بأدبيات الحزب السوري القومي الإجتماعي يُدرك أن عون دخل في أسوأ حقبة من حقباته السياسية على الإطلاق، فما أُعطي له في العام 2005 على أساس الصفقة المعقودة بينه وبين المخابرات السورية، بضمانة الرئيس السابق أميل لحود، مطلوب منه أن يعيده مع الفوائد المستحقة.
وإذا كانت صحيفة »الوطن السورية» قد أبلغت اللبنانيين بأن الحزب السوري القومي الإجتماعي يطالب بخمسة مقاعد نيابية، فإن هذا الحزب الذي انتقلت رئاسته الى النائب أسعد حردان، أي الى التطابق الكامل بين مواقفه وبين إرادة القيادة السورية، يذهب الى الى حدود الصراع المفتوح، لتحقيق هذا المطلب، وما كان يردده همسا وخجلا في المجالس الخاصة منذ أسابيع قليلة، بدأ يجاهر به علنا الآن.
وقد كتب أحد المواقع التي يعتمدها الحزب السوري القومي الإجتماعي لإيصال مواقفه الرسمية، الآتي:
»يصر القوميون على التأكيد، في جلساتهم الخاصّة أنهم لن يسمحوا بتكرار »مهزلة« 2005، حين نشطت ماكيناتهم لتغدق على لوائح »التغيير والإصلاح« الأصوات، فيما كانت ماكينات »التغيير والإصلاح« تسرّب الأصوات لمرشحين مناوئين للقومي. ويؤكد هؤلاء أن القومي يعتز بنفسه وبأهله وبمرشحيه، ولن يجيِّر أية أصوات، خصوصاً في المتن وعكار، لمن يستحي به أو يقفل لوائحه بوجه مرشحيه«.
وإذا كان النائب السابق سليمان فرنجية قد سارع الى إقفال لائحته في زغرتا، مستبعدا المرشح العوني العميد فايز كرم، مبلغا عون الذي صمت على مضض، أنه في حال اعتراضه، فهذا يعني أنه يطلب منه هو شخصيا الإنسحاب من المعركة، فإن »الوطن السورية« أوصلت رسالة واضحة أخرى مفادها أن »حزب البعث« يتطلع، بدوره الى توسيع رقعة انتشاره النيابي، وهو لن يقبل في الإنتخابات النيابية المقبلة بأن يقتصر تمثيله على قاسم هاشم في حاصبيا مرجعيون بل يريد ان يعود الى البقاع ويتطلع الى الشمال والى عكار وغيرهما.
وبدا النظام السوري واضحا، في الوقوف خلف مطالب جماعته التي ستأتي كلها على حساب عون، مبلغا من يعنيهم الأمر بأنه لا يأبه بقوة »تيار المستقبل«، لأنه سيُمنى بـ»خسارة دموية »، في طرابلس، على اعتبار أن »لا قيمة للمصالحات التي تمّ إبرامها هناك».
وعلى هذا التقاطع جاء الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عن تطلعه الى »كتلة وطنية». صحيح أن عون يحاول احتواء هذا »الزلزال الإنتخابي« من خلال الإيحاء للناخبين بأن قوة الرئيس سليمان تنبع من قوته هو، لكن عون يدرك بأن سليمان لن يقبل بأن يكون أسيره، وتاليا فعلى عون أن يختار بين أن يتنازل لرئيس الجمهورية وبين أن يكون على صراع معه من موقع »الحلف الإضطراراي مع قوى الرابع عشر من آذار.
وفي هذه الحال، يبدو أداء النائب ميشال المر معبّرا، إذ إنه يوحي بأن يده ممدودة للتحالف مع عون، ولكن من موقع »حجمنا« وليس من موقع صفقة العام 2005.
أمام هذه المعطيات، ماذا يبقى لعون ؟
ضعفه المسيحي سيخسره مقاعد عدة في مناطق نفوذه الاساسية. خطابه الطائفي لن يسمح له بأن يخترق حيا في منطقة إسلامية.تحالفه مع »حزب الله« سيكون محكوما بحاجة »حزب الله« الى سوريا ورجال سوريا والى شروط »الوحدة الشيعية».
هذا يعني أن عون سيعود الى الحجم الذي كانت تعرضه عليه قوى الرابع عشر من آذار في العام 2005، لا أكثر ولا أقل.
أي ثمن يدفع عون؟
هو يدفع ثمن ارتمائه الكلي في أحضان »حزب الله«، بما له من بعد إيراني.
وهو يدفع ثمن قطيعته الكاملة مع قوى الرابع عشر من آذار، ليس لأنه انتج سياسة مختلفة لسياستها، بل لأنه ارتضى أن يلعب دور المتستر على من يعرف أنه يقدم على قتلها.
وهو يدفع ثمن تقوية المعادلة السورية في لبنان.
وهو يدفع ثمن وقوفه »الأعمى« خلف غزوة السابع من أيار التي كانت في واحدة من وجوهها، رسالة إيرانية الى العالم، بأنها هي التي تسيطر بشكل كامل على لبنان.
وهو يدفع ثمن تلبيته لأوامر »حزب الله« في الدوحة، بحيث بقي يعرقل الى أن جاءه الأمر بتسهيل الأمور، بعد دخول وزير الخارجية الإيرانية على الخط.
وهو يدفع ثمن تعويمه رموز الوصاية السورية، بمن فيهم أولئك الذين يمكن أن يكونوا متورطين بدماء قيادات لبنانية في مقدمها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي هذا السياق، كيف يفهم عون ما قاله النائب السابق سليمان فرنجية والناب أسعد حردان عن حالة الإندماج التي تربط »المردة» و«القومي«.
ولكن هل سيقبل عون بأن يضحي، ليكون رافعة الكتلة التي تطمح سوريا بأن تكون لها في مجلس النواب اللبناني، وتاليا في معادلة القرار اللبناني ؟
ليس بإمكانه أن يقاوم.
قدرة »حزب الله« في إدارة صراع مع سوريا ضئيلة، لأن سوريا هي الخلفية الإستراتيجية لهذا الحزب حتى إشعار آخر.
ومخاوف عون على حياته، في هذه الحالة تتضاعف، فهو أكثر من غيره، وبغض النظر عن »براغماتيته اللسانية« يدرك أن النظام السوري لا يتوانى عن حذف من يقف في طريقه. في العام 2005 اغتال الرئيس رفيق الحريري، الذي رفض أن يحمل في كتلته النيابية ودائع سورية، وقرر أن يتوسع على امتداد لبنان. وقبل مدة إغتيل صالح العريضي في بيصور، لأن جسور التواصل بين خلدة والمختارة كانت تمر بالضاحية الجنوبية لبيروت وليس بدمشق. ومنذ مدة، أذاع ناصر قنديل سيناريو »أبو عدسي» ان خطة أميركية لاغتيال عون. وقبل أيام تمّ إقناع الوزير ماريو عون، وهو بسيط في المعادلات الفكرية والسياسية والأمنية، بأن عون في خطر حقيقي فراح يذيع الخبر أينما جلس، معتقدا بأنه يحمي عماده بذلك ويستجر العطف عليه، ولم يفهم أن »المعلومة» هي مقدمة ليفرض اسعد حردان شروط بشار الأسد الإنتخابية.
ومن يعرف العماد عون جيدا، يعرف أن عون يحارب حتى الفرار وليس حتى الموت، ومن يُدقق بتفاصيل عودته الى لبنان على الرغم من انتصار ثورة الأرز، يتأكد أن عون لم يطمئن على حياته إلا بصفقة حماية عقدها مع الجهة التي يعرف تماما أنها تقتل لتعيش.
أمام هذا الواقع، ما هي المخارج المتاحة؟
ثمة مَنْ ينصح عون، بأن يكثر من سفراته في هذه الايام، حتى ولو أنفق قليلا من المال الكثير الذي يرده من خزانة المال الحلال، وأن يكون الدعامة الني تشجع الأمانة العامة للأمم المتحدة على الإفراج عن نتائج التحقيق الدولي وتوقيف كل المتهمين والبدء بمحاكمتهم، وأن يُدخل تعديلات على خطابه، تعيده الى الوجدان الوطني ومن خلاله الى الوجدان المسيحي، وأن ينظف »هيكله» من تلك الحفنة التي امتهنت الجاسوسية وورثها من الثنائي رستم غزالي جميل السيّد، متسترة بمهن كثيرة، فتحوّلت الى مجموعة حراسة عليه، بدل أن تكون مجموعة حراسة له.
هل هذا محتمل؟
مرة جديدة، يخرج من يطلب منك ألا تُراهن على عون، فهو ممن يحترقون في لعبة الميسر. عينه على أموال الجميع، لذلك يخسر كل ماله.
"المستقبل"