الحياة – 27/10/08//
تبدو رقابة «المجتمع المدني» في غالبية الأحيان «أشد مضاضة» من تلك التي تحملها يد الرّقيب الممسكة بمقص الحذف.
المجتمع المدني في الحال التي نقصدها هو نقيض اسمه إذ هو يذهب في اتجاه معاكس للتطور والتحديث وتجاوز الإحباطات السياسية والاجتماعية الرّاهنة من خلال تكريس نفسه حارساً على حزمة من العادات الاجتماعية المشوّهة بذريعة صون القيم وحمايتها من التبدّد.
هي مرّة أخرى شهوة الوصاية على المجتمع ومحاولة حشره في صورة مستمرة في المساحات الضيّقة، المعزولة والقليلة الهواء والتي يتطيّر أصحابها من أن شرّاً ما يطل برأسه من خلف كل الحواجز التي يجهدون لإقامتها كي لا يتمكن المستقبل من المرور كما قال الراحل محمد الماغوط في أحد مشاهد مسرحيته الشهيرة «غربة».
رقابة «المجتمع المدني» هذه هي قبضة المفاهيم التقليدية للتجمعات المتمسكة بأوهام اجتماعية، لم يعد بمقدور أية جهود قسرية منع التفكير في نقضها.
تبدو الدراما التلفزيونية ضحية بين وقت وآخر لمفاهيم تطفح بالماضي حين تحاول هذه المفاهيم أن تأخذ لنفسها دور الرّقيب فتحتجز حرية الدراما في نبش القيم التقليدية و«الثوابت» التي شاخت وأصبحت في حاجة ماسّة إلى من يذريها في مهب رياح التطور والتحديث لمجتمعات سكونية تعيش القرن الحادي والعشرين بأدوات من خارجه ومن خارج تطوّره ودينامياته.
ولأن القيم القديمة ليست بلا رموز تنافح عنها نرى بين وقت وآخر من يهب باسمها لوقف هذا العمل الفني أو ذاك، وبحجج وأسباب مختلفة تنجح في فرض شروط على الدراما من خارج عصرنا وزماننا فتضرب الفن في بؤرة الضوء الأهم، أي في قدرته السحرية، الجميلة والبالغة الجاذبية على تحفيز الوعي وشحذه بأسباب الجدل الإيجابي ودوافعه ودينامياته.
هذه المرّة ليس هو الرّقيب الرّسمي.
إنه المجتمع المدني.
وبكلام آخر ثمة من ينيب قوى أخرى، مجتمعية ومن خارج المؤسسة الحكومية ليقول للجميع أن المجتمع ذاته يرفض العصرنة لأنه ببساطة وكما قلنا لكم دوماً مجتمع قاصر ويحتاج إلى وصاية ريثما يمكنه أن يدرك لحظة المستقبل.
هو أيضاً رقيب، ومن خارج الدوائر الحكومية ، ولكن : هل هو «مدني» حقاً؟