استضاف الأردن اجتماعاً عربياً تنسيقياً ضم وزراء خارجية كل من السعودية، ومصر، والأردن، والإمارات، وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» في سياق الجهود العربية المستهدفة للتوصل لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة وما تسببه من كارثة إنسانية، جرى الاتفاق فيه على نقل رسالة عربية واضحة إلى اللقاء مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حول ضرورة الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية، وأولوية دخول المساعدات، ورفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، وضرورة العمل على الدولة الفلسطينية المستقلة بوصفها «الحل الوحيد لأنهاء الاحتلال وإرساء طريق السلام».
صحيح أن السؤال المحوريّ الذي يؤرق الجميع يدور حول اليوم التالي لوقف الحرب، أو مرحلة ما بعد «حماس» حسب المقولة الأمريكية-الإسرائيلية، وما هي السيناريوهات المتوقعة والممكنة، لكن حجم الكارثة الإنسانية التي خلّفتها الضربات الجوية الإسرائيلية والحصار والهجوم البري يتطلب عملاً سريعاً للضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب على غزة والعمل على تأمين التدفق الفوري للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، وإدخال عددٍ أكبر من شاحنات الإغاثة وصولاً إلى ضمان ديمومة ذلك، والعمل على حماية المدنيين.
ولا تتعلق الهواجس بما يجري في غزة من قتل وتهديد بالتهجير القسري، بل أيضاً بما يجري في الضفة من ممارسات للاحتلال والمستوطنين، حيث إن عمليات الدهم والاعتقال والقتل إلى ارتفاع ملحوظ، ولا سيما في نابلس وجنين، واعتداءات المستوطنين إلى تزايد، الأمر الذي يؤدي إلى انفجار الأوضاع في الضفة ما سيفاقم من حجم المشكلة ويُوسِّع نطاقها إلى مناطق أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتندرج المحاولة العربية في سياق المحاولات لإقناع أمريكا بضرورة الضغط على إسرائيل كونها الجهة القادرة على القيام بهذه المهمة. تُدرك واشنطن أن مصالحها الاستراتيجية قد تتأثر إذا تواصل الانفلات العسكري الإسرائيلي رغم ما تحظى به تل أبيب من دَعمَيْن أمريكي وغربي بعد عملية «طوفان الأقصى». فالولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها العرب استثمروا كثيراً في المنطقة، وأضحت تلك المصالح والأمن والسلم الدوليَّين في خطر. هذا ما سعى الوزراء العرب إلى إيصاله لبلينكن، الذي غادر تل أبيب وسط تقارير إعلامية أنه حاول إقناع الإسرائيليين بأهمية إعلان هدنة إنسانية، لأنه من شأنها أن تخفّف الضغوط عنها والحرج عن أمريكا الذي تواجهه من حلفائها ومن الرأي العام الذي بدأ يُعبِّر عن غضبه من مشاهد العنف المتمادي ومن استهداف المستشفيات والعزَّل من أطفال ونساء.
الاجتماع العربي-الأمريكي هو اجتماع تشاوري، لكن المرتجى منه أن يكون قد أسَّس لفتح كوّة في الجدار الإسرائيلي، في ظل المخاوف العربية من أن تنزلق الأمور بما يهدد أمن المنطقة وما تحقّق من خطوات تنموية واستثمارية ومن خطوات على طريق «التطبيع العربي» مع إسرائيل التي لا يمكن توقع استمرارها وتقدمها إذا لم يتم وقف التصعيد القائم، والذهاب خطوات أكثر عقلانية على مختلف المستويات.
وأتى الاجتماعان قبل انعقاد القمة العربية الطارئة في الرياض المخصصة لتطورات الوضع في غزة، والتي من شأنها التوصل إلى موقف عربي موحّد لكيفية إنهاء الصراع الدائر في القطاع وتشكيل ورقة ضغط على الجانب الإسرائيلي للذهاب إلى وقف لإطلاق النار وإدخال المساعدات وتحييد المدنيين، والأهم التأكيد على مرتكزات الحل الدائم للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والذي لا يمكن أن يكون حلاً عسكرياً، بل حل سياسي يرتكز على إقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
“القدس العربي”