أثبتت حكومة الاحتلال من جديد أن حربها ضد قطاع غزة، هدفها بالمقام الأول إيقاع كم كبير من الضحايا المدنيين وإحداث دمار كبير في كل شيء، خاصة بعد أن رفضت تمديد الهدن الإنسانية، التي حاول الوسطاء جعلها مقدمة لإنهاء الحرب التي تشارف على إنهاء شهرها الثاني، وشرعت بعمليات قصف جوي ومدفعي، فاق ما كانت تقوم به في الأيام السابقة للحرب، وهو ما رفع من عدد الضحايا، لا سيما الأطفال، من خلال مجازر دامية استهدفت أحياء سكنية بالكامل.
عودة الحرب الدامية
فلم تكد عقارب الساعة تتعدى حدود السابعة من صبيحة الجمعة، حتى بدأت قوات جيش الاحتلال بكل فرقها وتشكيلاتها سواء البرية أو البحرية أو الجوية، في توجيه هجمات كبيرة ضد كافة مناطق قطاع غزة، حتى أن المتحدث العسكري قال إن قواته شنت فقط في ساعات الصباح الأولى من اليوم الأول لعودة القتال، ورفض تمديد الهدنة الإنسانية 200 غارة جوية، كان أغلب ضحاياها كالعادة من النساء والأطفال.
وزاد ذلك من مخاوف السكان في غزة من ارتكاب جيش الاحتلال لمجازر أكثر دموية، وبشكل أخطر مما كانت عليه في الأيام الماضية. فضربت الغارات الإسرائيلية الجديدة التي بددت سكون غزة بعد سبعة أيام من الهدوء، كل الأماكن، وأفزعت السكان في مناطق شمال ووسط وجنوب القطاع في آن واحد، وجعلت من القطاع ساحة معركة يتصاعد منها دخان المدافع والغارات من كل منطقة، وذلك بعد أن أعاد الطيران الحربي استخدام أسلوب «الأحزمة النارية» في القصف العنيف، ولتعلن قيادة جيش الاحتلال، عن خطط عسكرية جديدة ضد القطاع، وبتشديد إجراءات خنق السكان، من خلال منع دخول أي قافلة مساعدات إنسانية وطبية في اليوم الأول لعودة الحرب.
ولذلك فقد أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني، أحد الجهات التي تشرف على إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية للسكان في القطاع، أن عدم دخول هذه المساعدات «يزيد من معاناة المواطنين، ويزيد من حجم التحديات التي تواجه المنظمات الإنسانية والإغاثية في تخفيف معاناة المواطنين والنازحين جراء العدوان المستمر على قطاع غزة».
وهذه المساعدات تشمل أغذية أساسية للسكان، الذين تفرض عليهم إسرائيل حصارا مطبقا منذ اليوم الأول للحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وكذلك مستلزمات أساسية وأدوية للمشافي التي تعاني من نقص شديد في كل المستلزمات الطبية، بسب ارتفاع أعداد الضحايا.
وجاء ذلك بعد أن رفضت دولة الاحتلال طوال ليل الخميس وحتى فجر الجمعة، التعاطي مع تدخلات الوسطاء، الذين هدفوا إلى تمديد الهدنة الإنسانية، على غرار الأيام السبعة التي سبقتها، في مسعى منهم للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وذلك من خلال استمرار عمليات تبادل الأسرى.
ولم يكد يمر سوى وقت قصير على عودة الهجمات الإسرائيلية الدامية التي قتلت في اليوم الأول لعودة الحرب بعد الهدن، نحو 200 من سكان قطاع غزة، حتى أعلن قادة الاحتلال نواياهم تجاه القطاع، في ظل حالة الصمت الدولي المطبق، التي لم تفلح رغم طول مدة الحرب، وارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 15 ألف شهيد وأكثر من ضعفهم من المصابين، في إجبار دولة الاحتلال على وقف عدوانها.
خطط عسكرية جديدة
أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤآف غالانت، بان حماس تفهم لغة القوة فقط، وقال «سنواصل الحرب حتى القضاء عليها وعلى قدراتها وإعادة المختطفين».
وقد أعلن أيضا المتحدث باسم جيش الاحتلال، عن قيام رئيس الأركان بالمصادقة على خطط عسكرية جديدة للمستقبل، مشيرا إلى أن جيشه مصمم على مواصلة الحرب.
وترافق ذلك مع إعلان مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، بانه «لن يكون هناك وقف لإطلاق النار حتى تدمير حركة حماس النازية وإعادة كل المختطفين».
وفي دلالة على خطط إسرائيل للعودة إلى الحرب، حتى في فترة الهدن الإنسانية، كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال في تصريحات صحافية خلال فترة الهدوء «في بداية الحرب حددت ثلاثة أهداف: القضاء على حماس، وعودة جميع المختطفين لدينا، والتأكد من أن غزة لن تشكل مرة أخرى تهديدا لإسرائيل» مؤكدا أن هذه الأهداف الثلاثة تبقى كما هي. وأضاف «في الأيام الأخيرة أسمع سؤالاً: هل ستعود إسرائيل إلى القتال بعد استنفاد مرحلة إعادة المختطفين؟ لذا فإن إجابتي لا لبس فيها نعم».
وتابع وهو يتوعد «ومن المستحيل ألا نعود إلى القتال حتى النهاية، هذه هي سياستي، مجلس الوزراء بأكمله يقف خلفها، والحكومة بأكملها تقف خلفها، والجنود يقفون خلفها، والشعب يقف خلفها ـ وهذا بالضبط ما سنفعله».
وبدا من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أن الأمر مخطط له، حتى في وقت الهدن الإنسانية التي دامت لأسبوع فقط، بحيث تستغلها قوات جيش الاحتلال في ترتيب أوضاعها، للانتقال إلى العمل بالخطة العسكرية الجديدة، والتي كان من أخطرها الطلب من سكان المناطق الشرقية لمدينة خانيونس جنوب القطاع، النزوح إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، على غرار ما قامت به مع بدايات الحرب مع سكان غزة والشمال، حين أجبرت غالبيتهم على النزوح إلى مناطق وسط وجنوب القطاع، محدثة أزمة إنسانية خطيرة، بدفع نحو 1.8 مليون من سكان غزة المقدر عددهم بنحو 2.3 مليون فلسطيني على النزوح، والعيش في أوضاع صعبة للغاية.
وكشفت أيضا دولة الاحتلال عن خطتها العسكرية القادمة تجاه غزة، والتي تتمثل بإقامة منطقة عسكرية عازلة على طول الحدود، حيث نقلت تقارير صحافية عن مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، قوله، إن الخطة مكونة من 3 مستويات وهي تختص بمرحلة ما بعد حماس، تشمل «تدمير حماس ونزع السلاح من غزة وإنهاء التطرف».
ويتردد إسرائيليا أن المنطقة العازلة، قد تصل إلى أكثر من كيلو متر داخل حدود القطاع، وهو ما يعني إزالة أحياء وقرى فلسطينية قريبة من الحدود، وكذلك تقليص مساحة قطاع غزة الضيق بالأصل، والذي يعاني من اكتظاظ سكاني خطير.
ولذلك أعربت مصر أحد وسطاء وقف إطلاق النار، في بيان صدر عن وزارة الخارجية، إدانتها البالغة لانهيار الهدنة وتجدد القصف العنيف والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، ما أسفر عن تجدد سقوط الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، معتبرة الأمر انتكاسة خطيرة واستهانة من الجانب الإسرائيلي بكافة الجهود المبذولة التي سعت على مدار الأيام الماضية إلى تمديد الهدنة حقناً لدماء الفلسطينيين الأبرياء، وتأمين إنفاذ المزيد من المساعدات الإنسانية الملحة لسكان القطاع.
وحذرت من مغبة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة، ودعاوى المسؤولين الإسرائيليين المشجعة لتهجير الفلسطينيين خارج حدود غزة، في انتهاك صارخ لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، وجددت مصر مطالبتها للأطراف الدولية المؤثرة، والأجهزة الأممية المعنية وعلى رأسها مجلس الأمن، بالاضطلاع بمسؤولياتها تجاه ضمان حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة، ووقف محاولات وخطط دفعهم للنزوح خارج بلادهم، مؤكدة على أهمية التنفيذ الفعلي للقرارين الصادرين عن مجلس الأمن والجمعية العامة في هذا الشأن.
وفي إطار المساعي الرامي لإفشال خطط الاحتلال ضد غزة، ومواجهة الهجوم العسكري الخطير، شرعت فصائل المقاومة الفلسطينية منذ اللحظة الأولى لبدء الهجوم الجديد، بالتصدي بكل قوة لقوات الاحتلال، فشرعت بخوض اشتباكات عنيفة مع القوات المتوغلة، وأطلقت رشقات صاروخية صوب المستوطنات القريبة من الحدود، وعملت على توسيع نطاق النار لمديات أبعد.
تحذيرات فلسطينية
وفي هذا السياق، أكدت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، في بيان أصدرته أن «عودة الاحتلال إلى مواصلة العدوان الفاشي الصهيوني على قطاع غزة تم بشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبمباركة غربية وبمؤامرة من الصامتين على استمرار حرب الإبادة الجماعية، ما يجعلهم جميعًا شركاء في جريمة سفك الدم الفلسطيني واستمرار حرب التطهير العرقي العنصرية على قطاع غزة».
وأكدت الفصائل الفلسطينية أن «صمت البعض من دول العالم وعجز دول أخرى وشراكة عربية شبه كاملة يطلق يد الكيان الصهيوني النازي لارتكاب المجازر واستمرار القصف العشوائي وهدم منازل المواطنين على رؤوس ساكنيه وتشريعًا لقتل عشرات الآلاف من المواطنين خاصة جنوب قطاع غزة».
وأشارت الفصائل الفلسطينية إلى إن الحديث عن عدم استهداف المدنيين وتوزيع خرائط مضللة لأماكن يسميها جيش الاحتلال كذبًا أنها مناطق آمنة هي «خديعة واضحة الهدف منها دفع شعبنا تحت ضغط النار والحصار وحرب الإبادة الجماعية، للنزوح جنوبًا تجاه رفح، لتكون المرحلة اللاحقة الدفع بالضحايا نحو صحراء سيناء، بهدف تحقيق مخططهم في تصفية القضية عبر التهجير الفعلي والاستيلاء على كل قطاع غزة وضمّه للكيان الصهيوني، في تجربة سرعان ما سيتم تطبيقها في الضفة الغربية المحتلة» وشددت على أن الشعب الفلسطيني سيفشل هذا المخطط بثباته وبسالته وسيكتب لمخططاتهم الفشل.
ودعت لجنة المتابعة المنظمات الدولية والشعوب الحرة والقوى الداعمة للشعب الفلسطيني إلى العمل بكل ما تمتلك من أدوات ضغط، «لوقف هذا العدوان الصهيوني الأمريكي الفاشي على شعبنا الفلسطيني».
كذلك حملت حركة حماس الاحتلال مسؤولية «استئناف الحرب والعدوان النازي» على قطاع غزة، بعد رفضه التعاطي مع كل العروض للإفراج عن محتجزين آخرين، وقالت الحركة في بيان صحافي تلقت «القدس العربي» نسخة منه، إن مفاوضات جرت طوال الليل (الخميس) لتمديد الهدنة، عرضت خلالها الحركة تبادل الأسرى وكبار السن، كما عرضت تسليم جثامين القتلى من المحتجزين جراء القصف الإسرائيلي، كما عرضت تسليم جثامين «عائلة بيباس» وهي إسرائيلية وطفليها، قتلا في غارة إسرائيلية على غزة، والإفراج عن والدهم، ليتمكن من المشاركة في مراسم دفنهم، إضافة إلى تسليم اثنين من المحتجزين الإسرائيليين.
وأشارت إلى أن الاحتلال رفض التعامل مع كل هذه العروض، «لأن لديه قرار مسبق باستئناف العدوان الإجرامي» كما حملت الحركة في بيانها الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن، المسؤولية الكاملة عن استمرار جرائم الحرب الصهيونية في قطاع غزة، بعد دعمها المطلق له، وبعد الضوء الأخضر الذي منحته إياه مجدداً عقب زيارة وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، لدولة الاحتلال، وإعلانه عن نيّة الاحتلال استئناف العدوان، بموافقة أمريكية على الخطط الجديدة، والتي أودت بحياة العشرات من المدنيين والأطفال الأبرياء حتى اللحظة.
وأكدت في ذات الوقت على تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه، ومقاومته الباسلة وعلى رأسها كتائب القسام، التي قالت إنها «تتصدّى الآن للعدوان على كل المحاور، وتستأنف عملياتها البطولية» وأشارت إلى أن المقاومة «ستُفشِل أهداف هذا العدوان الإجرامي، وستكسر إرادة جيش الاحتلال المهزوم، وأن الكلمة العليا ستبقى لشعبنا الفلسطيني المرابط الصامد في وجه آلة الإرهاب الصهيوني المدعومة أمريكياً».
الأزمة الانسانية
هذا وقد أعادت دولة الاحتلال الحرب ضد قطاع غزة، في الوقت الذي تزداد فيه الأزمة الإنسانية، جراء الحصار، والمتمثلة في نقص حاد في المواد الغذائية، إذ لم يبق يتوفر سوى كميات قليلة من المواد الغذائية التي تمر من خلال قوافل المساعدات، فيما لا تزال المنظومة الطبية تطلب المزيد من المساعدات لسد العجز الكبير الذي تواجهه منذ اليوم الأول للحرب. ومن شان استمرار الحرب ووقف أو تقلص دخول المساعدات أن يزيد من خطر المجاعة وفقدان الدواء في المشافي، ما سيزيد من عدد الضحايا الفلسطينيين.
ولذلك قال الناطق باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، إن الهدنة المؤقتة لم تسعف المنظومة الصحية، وأكد الحاجة إلى ضمان تدفق الامدادات الطبية والوقود لكل مستشفيات قطاع غزة.
وجاء ذلك في وقت طالبت فيه المنظمات الإنسانية التي تشرف على استلام وتوزيع المساعدات، باستمرار تدفق تلك الشاحنات ومضاعفة عددها حتى تتمكن من إسعاف القطاع، وتقديم الطعام للسكان. وفي دلالة على حجم الوضع الإنساني الخطير، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن الناس في غزة «يشعرون بالرعب ومحاطون بالمرض والدمار والموت وهذا أمر غير مقبول».
وشدد على الحاجة إلى وقف القتال وحماية المدنيين وإطلاق سراح الرهائن المتبقين وتقديم المزيد من المساعدات لغزة.
“القدس العربي”