دمشق – «القدس العربي»: اعتقلت الشرطة العسكرية التابعة لـ “الجيش الوطني السوري” المقرب من أنقرة، المصور الصحافي بكر القاسم في مدينة الباب شرقي محافظة حلب، قبل أن تسلمه إلى جهاز الاستخبارات التركية في منطقة حور كلس شمال سوريا، بينما دعا ناشطون إلى إطلاق سراحه ووقف الانتهاكات التي ترتكب بحق الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام في المنطقة.
وينحدر المصور الصحافي بكر القاسم من بلدة معرشورين في ريف إدلب، ويتعاون مع وكالتي “الأناضول” التركية و”فرانس برس” وغيرها من الوكالات.
الناشط الميداني عبد الكريم العمر، من إدلب قال لـ “القدس العربي” إن الشرطة العسكرية اعتقلت بكر القاسم، وزوجته الصحافية نبيهة طه، يوم الإثنين، في فرع الشرطة العسكرية، أثناء عودتهما من تغطية المعرض التجاري والصناعي في مدينة الباب، وذلك بعدما نصبت حاجزاً مؤقتاً يضم عناصر من الاستخبارات التركية، على مدخل سوق الهال في المدينة.
وأضاف: “أطلقت الشرطة العسكرية سراح زوجته نبيهة طه بعد نحو ساعتين، بينما نقلت بكر القاسم إلى معبر حور كلس على الحدود السورية – التركية، وصادرت الهاتف الخاص به، ثم توجه عناصر الدورية إلى منزله وصادروا معداته من أجهزة الحاسوب، وأجهزة الهواتف النقالة، وفلاشات ذاكرة الحواسيب، وملفات عمل”.
نبيهة الطه زوجة القاسم، عزت سبب اعتقال زوجها في اتصال مع “القدس العربي” إلى أن “سلطات الأمر الواقع تعتبر الصحافة مهنة جريمة”، مؤكدة أنها “لم تصل إلى الآن لمعلومات حول سبب الاعتقال، رغم تواصلها مع الحكومة المؤقتة والائتلاف السوري المعارض لمتابعة ملفه”.
وحول الأنباء الواردة عن “اتهام” بكر بإعداد تقارير صحافية حول تجنيد المقاتلين السوريين من فرقة “سلطان مراد” وغيرها من فصائل المعارضة المقربة من أنقرة، عبر عقود مع شركة “سادات”، وهي مؤسسة تركية للاستشارات الدفاعية، والتدريبات العسكرية في مجال الدفاع الدولي. وقالت طه: “ليس لدي أية معلومات حول المادة الإعلامية، مشيرة إلى أنهما لم يتلقيا أية إخطارات أو تهديدات سابقة بهذا الخصوص. وأضافت طه: كنا نتابع عملنا الصحافي حتى لحظة اعتقلنا”.
وحول ظروف الاعتقال قالت نبيه طه: “في أثناء عودتي مع بكر من تغطية المعرض في مدينة الباب، أوقفنا حاجز للشرطة العسكرية والاستخبارات التركية، بمشاركة عدد كبير من السيارات، حيث تم اعتقالنا في مركز الشرطة العسكرية، مشيرة إلى أنها بقيت محتجزة عند الشرطة العسكرية في الباب قرابة الساعتين، قبل أن يتم الإفراج عنها بسبب الضغط الإعلامي والشعبي”.
وحسب الطه، فإن مصير القاسم ما زال مجهولاً وكل ما تعرفه عنه، أنه موجود لدى الاستخبارات التركية في حوار كلس، مؤكدة عدم وجود أي تهمة مثبتة عليه، لكون عمله “كان يقوم على النشاط الإعلامي لخدمة الثورة والبلد”.
وأصدر اتحاد الإعلاميين السوريين، وهو مظلة للإعلاميين في مناطق المعارضة السورية شمال سوريا، بياناً اعتبر فيه أن اعتقال القاسم يندرج في إطار الانتهاكات بحق الصحافيين في الشمال السوري، مؤكداً أن الجهة المنفذة للاعتقال لم توضح أسباب توقيفه أو الجهة المدعية بحقه.
وحمّل الاتحاد “السلطات التركية والسورية بكافة أجهزتها مسؤولية سلامة القاسم وضمان عدم إجباره على الإفصاح عن أية أنشطة تتعلق بممارسة مهنة الصحافة، وإطلاق سراحه فوراً أو إحالته للقضاء مباشرة في حال وجود أي ادعاء بحقه”.
وقال البيان إن عمليات الاعتقال التعسفي “تشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، وتكرارها يؤدي إلى تشكيل حالة احتقان وغضب شعبي قد ينتج عنها ما لا يُحمد عقباه”، مطالباً السلطات بالالتزام بالقوانين الناظمة للعمل في مناطق النزاع التي تضمن عدم التعرض للناشطين الصحافيين المدنيين تحت أي ظرف.
المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن الاستخبارات التركية والشرطة العسكرية، في مناطق “درع الفرات”، اعتدت بالضرب والسحل على الصحافي بكر القاسم خلال محاولته الاستفسار عن سبب الاعتقال، واقتادته إلى معبر حوار كلس.
وأضاف: “وجه مركز الشرطة العسكرية في مدينة الباب له عدداً من التهم من بينها إعداد تقارير صحافية لجهات عدة، وبعد أن أفرجت الاستخبارات التركية عن زوجة الصحافي، داهمت منزله واستولت على جميع المحتويات الإلكترونية وأجهزة تخزين وكاميرات وهواتف ولابتوبات وملحقاتها وذهب وأموال نقدية”.
وكانت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثقت في بيان أصدرته مؤخراً بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة مقتل 717 من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام منذ آذار/ مارس 2011 بينهم 53 بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا.
وجاء في البيان أنَّ مختلف أطراف النزاع تفنَّنت منذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا في ممارسات تنتهك حرية الصحافة والرأي والتعبير، وارتكبت أنماطاً متعددة من الانتهاكات الجسيمة، من قتلٍ خارج نطاق القانون، اعتقال/ إخفاء قسري، تعذيب.
وفقاً للبيان، لم تقتصر الانتهاكات بحقِّ الصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي على النظام السوري على الرغم من أنَّه المرتكب الرئيس لها، لكنَّها امتدت لتشمل جميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة، وبشكلٍ خاص عند فضح انتهاكات سلطات الأمر الواقع، وبوجهٍ عام مارست جميعاً سياسة تكميم الأفواه، وأصبحت سوريا نتيجة ثلاثة عشر عاماً من هذه الانتهاكات المتراكمة والمركبة من أسوأ دول العالم في حرية الصحافة، وفي حرية الرأي والتعبير، وذلك وفقاً للانتهاكات التي وقعت بحقِّهم.
استعرض البيان حصيلة أبرز الانتهاكات التي تعرَّض لها الصحافيون والعاملون في مجال الإعلام في سوريا منذ آذار/ مارس 2011 حتى أيار/ مايو 2024، وقد سجل مقتل 717 من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، بينهم 9 من الصحافيين الأجانب، و53 قتلوا بسبب التَّعذيب، إضافةً إلى إصابة ما لا يقل عن 1612 بجراح متفاوتة، وذلك على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، من بينهم 554 قتلوا على يد قوات النظام السوري، و48 بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز، و24 على يد القوات الروسية، و64 على يد “تنظيم الدولة الإسلامية”. فيما قتل 8 بينهم 2 بسبب التعذيب على يد هيئة تحرير الشام. وقتل 26 على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني. و4 على يد قوات سوريا الديموقراطية، فيما قتلت قوات التَّحالف الدولي 1. وقتل 36 بينهم 1 صحافي أجنبي على يد جهات أخرى.
وعلى صعيد الاعتقال التعسفي/ الاحتجاز أو الاختفاء القسري، سجل البيان منذ آذار/ مارس 2011 حتى أيار/ مايو 2024 ما لا يقل عن 1358 حالة اعتقال وخطف بحقِّ صحافيين وعاملين في مجال الإعلام على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بينما لا يزال ما لا يقل عن 486 منهم، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، ووفقاً للبيان فإنَّ 392 منهم لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري، فيما لا يزال 48 بينهم 1 سيدة، و8 صحافيين أجانب ممَّن اعتقلهم تنظيم داعش قيد الاختفاء القسري، و15 على يد هيئة تحرير الشام، و14 بينهم 5 صحافيين أجانب لا يزالون قيد الاحتجاز أو الاختفاء القسري على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و17 على يد قوات سوريا الديمقراطية.
وقال البيان إنَّ جميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا قد انتهكت العديد من قواعد وقوانين القانون الدولي لحقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها، وبشكلٍ خاص حرية الرأي والتعبير، مثل المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19-2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما انتهكت العديد من قواعد وقوانين القانون الدولي الإنساني، وفي مقدمتها القاعدة 34 من القانون العرفي التي توجب احترام وحماية الصحافيين في مناطق النزاع ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية.
وأوصى البيان مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي بذلَ جهود واضحة في إنهاء حالة النزاع في سوريا عبر عملية سياسية تنقل سوريا من دولة شمولية إلى دولة ديمقراطية تحترم حرية الصحافة والرأي والتعبير.
- القدس العربي