منذ انطلاق ثورة الشعب السوري عام 2011، لعبت المعابر الدولية أو المحلية بين مناطق السيطرة دورًا حيويًا في ديناميات الأحداث التي عاشتها سورية، حيث تحوّلت تدريجيًا إلى أدوات ذات أهمية سياسية واقتصادية واجتماعية واستراتيجية. وهذه المعابر، سواء كانت تربط مناطق سيطرة المعارضة مع مناطق النظام أو مع (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) أو مع الدول المجاورة، أصبحت نقاطًا لتبادل البضائع والمنتجات، ولانتقال الأفراد، وتبادل المعتقلين، ومن ثَم كانت حاضرة في المفاوضات بين الأطراف الفاعلة والقوى المسيطرة، وبذلك لم تعد مجرّد منافذ، بل أصبحت تعبّر عن السيادة والسيطرة على الأرض، حيث إن السيطرة على المعبر تعني القدرة على فرض الشروط والتحكم في التدفقات الاقتصادية والإنسانية، وأصبحت تشكّل موارد أساسية للقوى المسيطرة على المناطق، مثل فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام وبعض الميلشيات التابعة للنظام. ومع تزايد التدخلات الإقليمية والدولية في سورية في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه المعابر نقاطًا محورية في الصفقات السياسية أيضًا، مثل تلك التي كانت تجري في آستانة، حيث كان ملف المعابر محورًا أساسيًا في المفاوضات بين الأطراف، وقد ظهرت مساع لفتحها، وكان آخرها محاولات إعادة افتتاح معبر “أبو الزندين”، الذي يقع في شرق حلب، ويربط مناطق سيطرة الجيش الوطني بمناطق سيطرة النظام، ويمثّل المعبر نموذجًا لتلك المعابر التي تُستخدم كأداة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها.
معبر أبو الزندين
أنشِئ المعبر عام 2017، بعد هزيمة تنظيم (داعش) في ريف حلب، وهو يقع على الطريق الواصل بين مدينة حلب ومدينة الباب، وتحوّل بعد ذلك إلى ممرٍّ إنساني تجري فيه عمليات تبادل للأسرى والمعتقلين، بإشراف كل من تركيا وروسيا، وصار واحدًا من المعابر الحيوية التي تربط مناطق سيطرة المعارضة بمناطق سيطرة النظام السوري، وأشرف عليه فصيل “السلطان مراد” بشكل أساسي، مع دور شكليّ للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة، وظلّ المعبر مفتوحًا حتى صدر قرار بإغلاقه بسبب جائحة كوفيد 19، ثم أُعيد فتحه في أيلول/ سبتمبر 2022، ساعات قليلة، إذ أعيد إغلاقه مرة أخرى بسبب الاحتجاجات الشعبية ضد فتحه.
عاد الحديث عن فتح المعبر في الأشهر الماضية، بالتزامن مع الحديث عن التطبيع بين النظام السوري وتركيا، وطلبت تركيا من الحكومة المؤقتة والفصائل إعادة فتحه، بعد التفاهم مع الجانب الروسي في تموز/ يوليو 2024، مع حديث عن وضع المعبر تحت إدارة مدنية، وتخصيص جزء من وارداته لإعادة إعمار البنية المدمرة في المنطقة. وهذا يعني أن المعبر لم يعُد مجرد نقطة عبور للبضائع والأفراد، بل هو جزء من الصراع الكبير بين المعارضة والنظام، وجزء من التنافس بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في سورية؛ وقد جاء قرار إعادة افتتاحه نتيجة تفاهمات سياسية كبيرة بين تركيا وروسيا، لتحقيق جملة من الأهداف في سورية؛ حيث إن تركيا تريد التقدّم بمسار التطبيع مع النظام، والضغط على (قسد) في شرق الفرات، وبالمقابل تسعى روسيا إلى دعم النظام السوري اقتصاديًا وسياسيًا.
ومع إعلان إعادة افتتاح المعبر، ومرور بعض الشاحنات في اليوم الأول لفتحه؛ تجمّع عدد من الأهالي ونظموا اعتصامًا بالقرب من المعبر مطالبين بإغلاقه، ووضعوا خيمة اعتصام بالقرب منه، وتعرّض المعبر لقصف بقذائف الهاون، ووجّهت أصابع الاتهام إلى ميلشيات موالية لإيران أو إلى (قسد) بالوقوف خلف هذا القصف. ونتيجة هذه الأحداث، أُعيد إغلاق المعبر، وأرسلت الشرطة العسكرية تعزيزات إليه تجنّبًا للتصعيد، وما زال الجدل دائرًا حول فتحه، حيث انقسم المجتمع في مناطق سيطرة الجيش الوطني إلى مؤيدٍ لفتحه ومعارض له.
فوائد فتح المعبر من وجهة نظر المدافعين عن فتحه
يرى المدافعون عن فتح المعبر أن فتحه يقدّم فوائد متعددة اقتصادية وسياسية واجتماعية، حيث إنه سيُسهم في تسهيل تدفق السلع والبضائع بين مناطق المعارضة ومناطق النظام، وسيؤدي ذلك إلى تنشيط الأسواق المحلية وزيادة حركة التجارة، ويرون أن ذلك سيُسهم في خفض أسعار بعض السلع التي كانت تعتمد سابقًا على شبكات التهريب المكلفة. ويتوقعون أن زيادة حركة التجارة والنشاط الاقتصادي ستخلق فرص عمل جديدة، في مجالات النقل والتجارة والأنشطة المرتبطة بالخدمات اللوجستية للمعبر، وأن هذا سيُسهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين، فضلًا عن توفير سلع أساسية مثل الأدوية أو قطع الغيار التي قد تكون نادرة أو مفقودة، إذ إن فتح المعبر يتيح وصول هذه السلع بأسعار أقلّ من خلال التجارة الرسمية، بدلًا من التهريب، ويرون أن فرض الرسوم الجمركية على البضائع التي تمرّ عبر المعبر سيُعزز موارد المجالس المحلية في مناطق المعارضة، ومن ثم ستزداد إمكانية تمويل الخدمات والمشاريع التنموية في المنطقة. ومن جانب آخر، سيوسّع فتح المعبر سوق تصريف منتجات مناطق سيطرة الجيش الوطني، حيث تتوفر قدرات صناعية كبيرة تفيض عن احتياجات أسواق مناطقها، وتواجه تعقيدات في التصدير إلى تركيا أو عبرها.
وهم يرون أيضًا أن فتح المعابر قد يساعد في تقليل حدة التوترات الميدانية، مما يتيح فرصة لبدء حوارات سياسية أكثر فعالية، فتبادل السلع قد يكون بداية لبناء ثقة تساعد في تهدئة الجبهات، وفتح قنوات اتصال غير مباشرة، والنجاح في إدارة هذا المعبر قد يُعزز ثقة الأطراف الدولية في قدرة المعارضة وتركيا على ضبط الأمور في الشمال السوري، مما يفتح الباب أمام مزيد من التعاون، ويرون أيضًا أن لفتح المعبر دلالة سياسية ومعنوية، تفيد بأن سورية واحدة، ويجب أن تعود دولة واحدة، وهذا يقلل من مخاوف تكريس الانقسام.
أهم الجهات المؤيدة لفتح المعبر
1- تركيا
تؤدي تركيا دورًا رئيسًا في دفع عملية فتح معبر “أبو الزندين”، وينبع هذا الدور من استراتيجيتها الإقليمية الجديدة التي تهدف إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وذلك ضمن إطار أوسع يشمل تطبيع العلاقات الإقليمية، واستجابة لمطالب روسية متعلقة بالأمر، ويُعدّ فتح المعبر خطوة أساسية في هذه العملية، حيث تسعى أنقرة إلى تخفيف التوترات مع نظام الأسد، وتهيئة الأرضية لحوار سياسي، وتبرر تركيا أيضًا موقفها بأن فتح المعبر سيُسهم في تحسين الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة المعارضة، ويعزز استقرارها، ويقلل من الضغوط على تركيا نفسها، سواء في ما يتعلق باللاجئين أو ما يتعلق بالأمن على حدودها، وتريد تركيا أيضًا أن تثبت للأطراف الأخرى أنها هي صاحبة الكلمة في الشمال السوري، وأنها قادرة على تطبيق أي اتفاقات مستقبلية.
2- روسيا والنظام السوري
تدعم روسيا عملية فتح المعبر، كجزء من استراتيجيتها لدعم النظام السوري وإعادة تأهيله دوليًا، لأن فتحه يسهم في دعم الاقتصاد في مناطق النظام، ويخفف الضغط الاقتصادي الذي يعانيه، ولا سيما أنه سيستفيد من الضرائب الجمركية، ومن توفير العديد من المواد التي تحتاج إليها مناطقه، ويسهم أيضًا في تعزيز شرعية النظام على المستوى الداخلي والخارجي، حيث إن فتح المعابر يُعدّ خطوة نحو إعادة بسط سيطرته على كامل سورية، ولأن الوضع الحالي يهدد بتكريس التقسيم، ترى روسيا أن فتح المعابر خطوة نحو تهدئة الأوضاع الميدانية، وفتح المجال أمام عملية سياسية أوسع تشمل جميع الأطراف، وهذا يتماشى مع رؤيتها لحل سياسي يشمل الجميع ويحافظ على وحدة سورية، ويُبقي النظامَ في السلطة.
3– بعض الفصائل المعارضة
تؤيد بعض الفصائل فتح المعبر، وهي السلطان مراد وسليمان شاه والحمزات، وتعدّ ذلك فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية، من خلال السيطرة على العوائد الجمركية المفروضة على البضائع المارة عبر المعبر، وتعزيز مواردها المالية، ولا سيما في ظل غياب الشفافية، كما يحصل في المعابر الأخرى مع تركيا، إضافة إلى أن فتح المعبر يُتيح لها الحفاظ على نفوذها في المنطقة، ولذلك تجد تلك الفصائل نفسها مضطرة إلى التماشي مع السياسات التركية، ومن ضمنها فتح المعابر.
4- بعض التجار المحليين
يعتبر البعض أن التجار المحليين هم من أكبر المستفيدين من فتح المعبر، لأن ذلك يوسع نطاق التجارة، حيث يتيح للتجار توسيع أعمالهم والوصول إلى أسواق جديدة، وهذا يقلل من تكاليف التهريب، ويتيح لهم تحقيق أرباح أكبر، ويسهم في وصول سلع أساسية قد تكون مفقودة في مناطق المعارضة، ما ينعش السوق المحلي ويعزز النشاط الاقتصادي، والأمر ذاته ينطبق على الصناعيين، ففي المنطقة مناطق صناعية عدة وطاقات إنتاجية تفيض كثيرًا عن حاجة المنطقة، حيث إن هناك 6 مدن صناعية في المنطقة، ويعمل فيها نحو (12400) عامل، وتعاني بسبب ضيق الأسواق وصعوبة التصدير.
5- المدنيون المتضررون من التهريب
يجد المستهلكون الذين يحتاجون إلى السلع المهرّبة في فتح المعبر فرصةً لتحسين أوضاعهم، إذ إن فتح المعبر بشكل رسمي يُقلل من تكاليف التهريب، ويساعد المدنيين في الحصول على السلع بأسعار أقلّ.
أخطار فتح المعبر من وجهة نظر المعارضين له
ينطوي فتح المعبر على العديد من المخاطر التي يمكن أن تؤثر سلبيًا في الوضع في مناطق المعارضة، وفي مستقبل الثورة السورية من وجهة نظرهم، ومنها تزايد تهريب الكبتاغون والمخدرات، حيث هناك مخاوف جدية من أن يؤدي فتح المعبر إلى زيادة تهريب المخدرات، مثل الكبتاغون، إلى مناطق المعارضة، والنظام وحلفاؤه متهمون باستخدام تجارة المخدرات لتمويل عملياتهم، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار في المنطقة، وهناك خشية أيضًا من أن يؤدي تدفق البضائع من مناطق النظام إلى إغراق الأسواق المحلية في مناطق المعارضة بسلع ذات جودة رديئة، مما يؤثر سلبًا في الصناعات المحلية ويرفع الأسعار، وكذلك الأمر بالنسبة إلى انتقال البضائع من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام، وهذا قد يزيد من معاناة السكان المحليين الذين يعانون بالفعل ضغوطًا اقتصادية كبيرة، وخاصة بالنسبة للمواد الزراعية، أما انتقال بقية البضائع، فقد يشكل فائدة للمنطقة، لأنه يخلق فرص عمل ومردودًا أعلى، وقد يؤدي تدفق البضائع من مناطق النظام أيضًا إلى انتقال العملات الأجنبية من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام، مما يضعف القدرة الاقتصادية للمجتمعات المحلية المعارضة، ويزيد من اعتمادها على المساعدات الخارجية، وهناك رأي سائد لدى قسم من الأهالي في الشمال السوري بأنه إذا كان الهدف من فتح المعبر اقتصاديًا، فالفائدة تكون أكبر بفتح معبر مع (قسد).
ويرون أن مناطق النظام ستنافس مناطق المعارضة اقتصاديًا، لأن أجور اليد العاملة في مناطق النظام أقلّ، وهذا يعني أن التكاليف أقل، بالرغم من وجود ضرائب ورشاوى وغيرها. ومن جانب آخر، سيكون الشمال مصدرًا لكثيرٍ من السلع والمواد التي يصعب توفّرها في مناطق النظام، بسبب العقوبات أو بسبب سيطرة المافيات على طرق إدخالها وتحكمها في أسعارها. ويُتوقّع أن توفّرها سيؤدي إلى تخفيف الضغوط عن النظام.
وتكمن الخطورة أيضًا في أن فتح المعبر في هذا التوقيت قد يُعزز من شرعية النظام، ويُظهره بأنه قادر على إعادة السيطرة على مناطق المعارضة، وقد يُفسّر هذا على أنه انتصار سياسي للنظام، ويعزز من موقفه في المفاوضات، وقد يُعدّ خطوة نحو التطبيع مع النظام، مما يُضعف موقف الثورة.
ويتخوّف المعارضون لفتح المعبر من أن فتحه قد يكون مقدّمة لإغلاق المعابر مع تركيا التي تدخل عبرها المساعدات الإنسانية، بدعوى انتفاء الحاجة لوجودها لكون المعابر مع النظام مفتوحة، وستسقط تسمية المعابر بأنها معابر إنسانية، إذا وجد البديل “القانوني والشرعي”، وفي تلك الحالة، سيتحول الدعم الإنساني والإغاثي إلى النظام، وسيعزز شرعيته على حساب قوى الثورة، وقد يُحصر ملف مشاريع التعافي المبكر عبره أيضًا.
وثمة مخاوف أيضًا من أن غياب الحوكمة الحقيقية في مناطق المعارضة لن يُسهم في تحويل عائدات تلك المعابر إلى خدمة المنطقة، ففتح المعبر يُعزز من سيطرة الفصائل التي ستسيطر عليه -في حال عدم وجود إدارة مدنية عليه- وستستفيد من عوائده دون غيرها. وفي غياب صندوق موحد وهيئة رقابية، سيكون مصير واردات المعبر شبيهًا بواردات معبر باب السلامة، التي تغيب عنها الرقابة، مع أن المفترض أن تذهب إلى المجالس والفصائل ومشاريع البنية التحتية، ولا سيما بعد إلغاء هيئة الرقابة المركزية التي كانت تتبع للحكومة المؤقتة في 2019. وممّا يعزز تلك المخاوف غيابُ آليات الرقابة الأمنية والتجارية عليه، وغياب أجهزة الكشف عن المخدرات والمتفجرات، والرقابة على دخول الأشخاص وجودة البضائع.
أهم الجهات المعارضة لفتح المعبر
1-الفصائل الرافضة للتطبيع
هناك عدد من الفصائل التي ترى أن فتح المعبر هو خطوة نحو التطبيع مع النظام السوري، وتعدّ ذلك خيانة لمبادئ الثورة، وعلى رأسها “أحرار الشام” و”الجبهة الشامية” و”المعتصم”، حيث إنها تعدّ فتح المعبر تنازلًا عن أهداف الثورة، وتخشى أن يؤدي ذلك إلى تعزيز موقف النظام، وتقويض المكاسب التي حققتها المعارضة، وتعارض الفصائل فتح المعبر خشية تسلّل عناصر النظام، واستخدام المعبر كقناة لتهريب المخدرات والأسلحة، مما يهدد الأمن المحلي، ويعزز نفوذ النظام في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وترى أن فتح المعبر قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات بين الفصائل، فقد تدخل الفصائل التي تعارض فتح المعبر في صدام مع تلك التي تدعمه، مما يزيد من حدة الفوضى في المنطقة.
2- الفصائل التي تشرف على التهريب
هناك خطوط تهريب تُشرف عليها عددٌ من الفصائل، وهذه الفصائل تخشى من توقف خطوط التهريب في حال فتح المعبر وخسارتها لتلك الموارد، حيث هناك أكثر من 10 نقاط للتهريب مع النظام السوري، وأهمّها أبو الزندين وتادف والسكرية الكبيرة والسكرية الصغيرة والتفريعة والعمية، ومع (قسد) عون الدادات، معبرا الحمران والجطل وأم الجلود والعريمة.
3- قسم من الناشطين والسياسيين في المنطقة
وهم يعارضون فتح المعبر، بسبب المخاوف الاقتصادية والسياسية، فهم يخشون من أن يؤدي تدفق البضائع من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام إلى رفع الأسعار، وإغراق السوق المحلي بسلعٍ لا تلبّي احتياجاتهم الحقيقية، ويرون أن فتح المعبر يخدم النظام السوري أكثر مما يخدم المعارضة، وأن هذه الخطوة تشكّل تهديدًا لمستقبل الثورة وتضحياتها، ولا سيما مع غياب معرفة الخطوات التالية التابعة لفتح المعبر.
ومن جانب آخر، يأتي فتح المعبر بعد التصريحات التركية التي تبدو متسارعة وراغبة في إجراء تطبيع سريع مع النظام السوري، وهذا ما يثير مخاوف الناس، وهناك سخط شعبي لدى الأهالي من مؤسسات المعارضة وأدائها، وغياب مؤسسة واحدة تمثل المعارضة، ويرون أن فتح المعبر يعكس حالة التخبط والانقسام التي تعانيها المؤسسات السياسية والعسكرية المعارضة، وأنه سيضعف موقفها، ويزيد من حالة الفوضى داخل صفوفها، وهناك تخوف من أن يكون فتح المعبر مجرد خطوة أولى نحو تقديم تنازلات أكبر في إطار مفاوضات سياسية بين النظام والمعارضة، مما يعني أن المعارضة قد تخسر المزيد.
4- إيران والميلشيات الموالية لها
تعارض إيران وبعض الميلشيات التابعة للنظام فتح المعبر، لأسباب تتعلّق بالتنافس على النفوذ داخل سورية، فإيران ترى أن فتح المعبر يعزز دور روسيا وتركيا والنظام، على حساب نفوذها في المنطقة، ويهدد مصالحها الاستراتيجية داخل سورية، وتخشى أن يؤدي فتح المعابر إلى تقليص دورها لصالح روسيا وتركيا، خاصة في المناطق التي تعتبرها استراتيجية، ويضاف إلى ذلك أن إيران تعتمد بشكل كبير على شبكات تهريب الأسلحة والبضائع لتمويل عملياتها في سورية والمنطقة، وفتح معبر رسمي قد يُعطّل بعض هذه الشبكات ويقلل من أرباحها، ويجعلها تحت رقابة أكبر.
السيناريوهات المستقبلية
هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل معبر “أبو الزندين”، وهذه السيناريوهات تتوقف على تطورات الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي في سورية والمنطقة، ومستقبل مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا، ومواقف القوى الفاعلة في سورية.
السيناريو الأول: إعادة فتح المعبر
أي أن تنجح القوى المؤيدة لفتح المعبر في فتحه، وتفشل القوى المعارضة له، ويُفكّك الاعتصام الذي بدأه الأهالي بالقرب من المعبر، فقد تتمكن تركيا من فرض فتح المعبر، حيث تخشى العديد من الفصائل من الضغوط التي تتعرض لها في حال معارضتها لفتح المعبر، وهذا سيزيد من حالة الانقسام بين الفصائل والأهالي في المنطقة، وقد يؤدي إلى صدام بين بعض الفصائل.
السيناريو الثاني: إغلاق المعبر مجددًا
في حال تصاعدت التوترات الأمنية أو السياسية، ونجاح الفعاليات الشعبية التي بدأت الاعتصام بالقرب من المعبر في الحشد أكبر، قد يتم إغلاق المعبر مرة أخرى، هذا السيناريو قد يُهدئ الأمور مؤقتًا، لكنه قد يدفع الأطراف إلى العودة للاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، فتستمر الأوضاع الاقتصادية على حالها.
السيناريو الثالث: تحول المعبر إلى نقطة نزاع مسلح
في حال استمرار الانقسام بين الفصائل حول فتح المعبر، قد يتحوّل المعبر إلى نقطة نزاع مسلح بين هذه الفصائل، وخاصة في حالة إصرار تركيا وروسيا على فتح المعبر، وهذا السيناريو سيزيد من حالة الفوضى في المنطقة، وقد يؤدي إلى تدخلات عسكرية من تركيا لضبط الأوضاع وفتح المعبر.
خاتمة
عند النظر إلى معبر “أبو الزندين” من منظور أوسع، نجد أن أهمية هذا المعبر لا تقتصر فقط على دوره الاقتصادي في تبادل السلع والبضائع بين مناطق المعارضة والنظام السوري، بل تمتد إلى كونه جزءًا من المشهد السياسي والعسكري الأكبر في سورية، في ظل غياب قيادة ثورية موحدة، ووجود انقسامات مجتمعية وسياسية حول مؤسسات المعارضة، ويصبح قرار فتح المعبر خطوة محفوفة بالمخاطر، خصوصًا إذا ما تم دون النظر إلى العواقب طويلة الأمد.
ففتح المعبر يتماشى مع مسارات التطبيع التي تقودها تركيا مع النظام السوري، وهذا يثير مخاوف كبيرة لدى العديد من الأطراف، ليس فقط لدى المعارضين السوريين، ولكن أيضًا في المجتمع الدولي الذي يسعى من خلال العقوبات إلى الضغط على النظام السوري، وفتح المعبر من دون تحقيق مكاسب سياسية ملموسة للثورة قد يُضعف موقف المعارضة ويعزز من شرعية النظام. وإذا كان الهدف الأساسي من فتح المعبر هو تحقيق مكاسب اقتصادية، فإن هذه المكاسب لا ينبغي أن تأتي على حساب المواقف السياسية.
ولا يمكن تجاهل المخاطر الأمنية المرتبطة بفتح المعبر، حيث إن تدفق المخدرات والأسلحة من خلال المعبر قد يعزز من الفوضى ويهدد الاستقرار في مناطق المعارضة. وهذا يستدعي ضرورة تحسين آليات الرقابة الأمنية والتجارية بشكل فعال، مع وضع أنظمة تفتيش حديثة للكشف عن المخدرات والمتفجرات، ويوجب أن تكون هناك ضمانات حقيقية من الجانب التركي والدولي، بعدم تأثير فتح المعبر في مسألة المعابر مع تركيا، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا، وخاصة أن تركيا لم تستطع المحافظة أو الالتزام بضماناتها السابقة.
على المستوى الاستراتيجي، فإن نجاح عملية فتح المعبر يجب أن يرتبط بمكاسب سياسية ملموسة للثورة السورية، مثل إطلاق سراح المعتقلين، أو تحسين الخدمات الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كما يجب أن يرتبط ذلك بوقف القصف وضمان الأمن للمدنيين في تلك المناطق، وإذا لم تتحقق هذه المكاسب، فإن فتح المعبر قد يكون خطوة غير محسوبة العواقب، تزيد من الضغوط على المعارضة بدلًا من أن تخففها.
وبالمقابل، إن النجاح في إدارة المعبر يمكن أن يعزز من موقف المعارضة ويُسهم في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في مناطقها، ولكن هذا النجاح يتطلب إرادة سياسية قوية وتنسيقًا محكمًا بين جميع الأطراف المعنية، مع توفير ضمانات دولية لحماية المدنيين وضمان استمرار المساعدات الإنسانية.
في النهاية، يمكن القول إن معبر “أبو الزندين” يعكس بوضوح التحديات المعقدة التي تواجهها سورية في هذه المرحلة، ويجب أن يكون أي قرار بشأنه جزءًا من رؤية سياسية أوسع تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في سورية، وليس فقط صفقة اقتصادية أو عسكرية محدودة بين الأطراف، ففتح المعابر، مهما كانت ضرورته الاقتصادية، لا يمكن أن يكون حلًا مستدامًا إلا إذا جاء ضمن إطار حل سياسي شامل في سورية.
- مركزحرمون للدراسات المعاصرة