– 2 –
وتأتي حرب غزة ( طوفان الأقصى )، واستمرارها على موجة إيران في ( وحدة الساحات )، ويدخل حزب الله فيما أسماها ( حرب المساندة )، وبعد أكثر من عام لم تحقّق إسرائيل أهدافها كاملة، فقامت بفتح معركة ضروس في لبنان، نقلتها من إشغال حزب الله لها إلى إشعاله، وبدأتها إعلامياً فاستخبارياً ثم عسكرياً، حيث أجهزت على أكثر قيادات الحزب وأنفاقه ومستودعات عتاده، بينما كانت سماء سورية ملعباً لطيران الصهاينة، يصطاد ما يريد من بنك أهداف إيرانية أو تابعة لحزب الله. وكان لابدّ من الردود العسكرية المتبادلة مباشرة بين إسرائيل وإيران، فما عادت الأذرع فاعلة، ممّا استوجب المواجهة المباشرة، وكانت ضربات مؤلمة لإيران المجروحة كرامتها بمقتل إسماعيل هنيّة قائد حماس على أرضها، وقصف قنصليّتها في دمشق ومقتل عدد من قادة الحرس الثوري وقنص الإيرانيين أينما وجدوا، حتى وصل الأمر للقيام بإنزال على مركز للبحوث في مصياف وتدميره.
ما حدث ليس صدفة بالتأكيد، لأن المخرجات السياسية تبلورت حقائق سياسية، سعت إلى تحقيقها إسرائيل، وتمكّن نتنياهو من توظيف قدرات أمريكا والغرب، لتحقيق حلم ناور ليصبح واقعاً، بعد أن تأكّد وحلفاؤه، أن قراءة المستقبل تقف إلى جانب تغيير خرائط المنطقة كاملة وفقَ ما تمليه مقتضيات مصالحه ومصالح رعاته وداعميه ممّن يرون في جسارته مخرجاً لتردّدهم، فكان أن جرّهم حيث يريد ويتمنّون، فاستعادوا المنطقة كاملة، وقاموا باستعراضات لقواهم العسكرية وتكتيكاتهم الإستراتيجية وصولاً لإفهام كل من يقف في وجه ما تريده، إن القوة الساحقة التي لا يمكن قهرها بالمرصاد.
ولأن البدء بتنفيذ ” المشاريع ” في المنطقة، يقتضي أن يكون القلب حيّاً تحت السيطرة، فكان لا بدّ من النفوذ إلى سورية برفع اليد عن النظام الأسدي، بعد أن فقد الكثير من مزايا دوره الوظيفي بالنسبة لإسرائيل، وأمريكا والغرب والعرب والجوار، وصار عبئاً على حلفائه روساً وإيرانيين، ومن قبل على السوريين، وانتفَت الحاجة إليه، وحال دون احتوائه غضّ الطرف عمّا فعله تجاه السوريين منذ 2011، وجرائمه ضد الإنسانية، واستخدامه الأسلحة الكيميائية ضدّ شعبه، وأخيراً تزعمه لجمهورية الكبتاغون المدمّرة لمحيطه والعالم. وبعجزه عن النهوض بالشروط العربية، وبفشل مهمّته في منع التمدّد الإيراني بعد إنهاء قدرات حماس وحزب الله، وبقاء فاعليته الوحيدة المتجلّية بالإمداد للطرفين، أو كان الأوكسجين الذي يبقيهما على قيد الحياة.
اقتنص السوريون لحظة تأزّم المنطقة عسكرياً وسياسياً، ووضع النظام المنهك وعجزه داخلياً، وانتكاسات داعميه، وانشغال الجميع بمعاركهم وملفاتهم المتشابكة في صراعاتهم خارجياً، في الوقت الذي تشتدّ فيه معاناة السوريين من كل مناحي الحياة، وتتعاظم الضغوط على النظام من كل حدب وصوب، كانت عملية ( ردع العدوان ) بهدف تحرير إدلب وحلب، وإذا النظام وحش من ورق! تهاوى طغيانه بانكفاء روسيا وانسحاب إيران، وانهارت قوته في ريف إدلب ثم انسحب من حلب وتابع بأوامر انسحابه من حماة، وتبعها تسليمه حمص، لينكفئ إلى دمشق، وإذا بقطعات جيشه تنهار وتتشتّت قبل وصول الثوار ساحة الأمويين، ويولّي هارباً مع أركان عصابته في شتى بقاع الأرض، بينما تتكشّف جرائمه يوماً بعد يوم، وتظهر للعالم وحشية سجونه وسجّانيه، ويتأكّد العالم من خداعه وفساده وحاشيته وفشلهم.
انكشفت استباحة سورية من العصابات الأسدية المتحكّمة برقاب الشعب، وحلفائها الممسكين بقرارها سلباً لسيادتها، والداعين لاستمرارها استفادةً من تخادمها ووظيفيّة دورها في عجلة ما يُراد للمنطقة جيوسياسياً، لتتسارع التطورات وتتشابك التنافسات الدولية للحصول على نفوذ في سورية نظراً لموقعها الجيوسياسي أولاً، وثانياً لما يمكن أن تكون عليها من مشاريع إعمار ضخمة مديدة واستثمارات عظيمة في مواردها ومكامنها الاقتصادية ومشاريعها المستقبلية المربحة.
وانتصر السوريون.. انتصرت العين على المخرز، وأبى قمح الأرض إلا أن تعلو سنابله على الرغم من عتوّ الريح.
- كاتب سوري