- أمجد آل فخري
لعلّ أكثر ما يستدعي إمعان النظر، كثرة المؤتمرات والاجتماعات، التي انطلقت حول سورية قبل سقوط الأسدية بيومين، وما زالت تتوالى بعد شهرين من الانهيار والهروب المذلّ، لتعقّد الوضع السوري الداخلي، وتداخل المصالح وتغيّر التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة.
فما إن انفضّ اجتماع ضامني أستانا على هامش منتدى الدوحة في 7-8/12/2024، حتى قام اجتماع حضرته السعودية ومصر والعراق ولأردن وقطر، وبيدرسون المبعوث الأممي، إذ تسارع تراجع النظام أمام قوات ( عملية ردع العدوان )، وصولاً إلى دمشق. وهو ما يترجم عملياً انهيار التوافقات بين أركان أستانا، بفعل ديناميات عسكرية وسياسية واقتصادية عانَت منها أطراف أستانا، فبالإضافة لحرب روسيا في أوكرانيا، ثمة حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، وأخرى على ما سُمّي محور المقاومة، عبر حربي غزة ولبنان، ومخرجات وآثار كل ذلك على منطقة الشرق الأوسط عامة، وسورية على وجه الخصوص، وكذلك تحوّل موازين القوى والنفوذ وتغيّرها بين مختلف الأطراف على الأرض، بسبب خلط الأوراق في التحالفات والاصطفافات الجديدة لاعتبارات جيوسياسية دولية مستجدّة في المنطقة.
ففي الدوحة تمّ نفضّ يد حلفاء النظام من بيدقهم الفار، وقامت إسرائيل بتدمير أغلب بنية جيش النظام، وأضحى فلولاً تتقاذفها المدن والقرى بعيدة وقريبة في الداخل، وأما الخارج فكان من نصيب عتاة المجرمين. ولم يخرج بيان الدوحة عن تمسّكه بتنفيذ ما يتوافق مع القرار الأمميّ 2254.
لتصل التطورات السورية إلى مؤتمر العقبة 14/12/2025 ذي البيانين، وأوّلهما عن اجتماع لجنة الاتصال العربية، والآخر عربي أوروبي، اعتمد ذات المخرجات مع التأكيد على دور المجتمع الدولي في إنجاز ما يتوافق مع 2254، وعُدّ باباً للتدخّل في إنجاز الشعب السوري، لينقسم الرأي العام السوري بعده حول القرار المذكور، بين مطالب باستبداله أو تعديله أو تنفيذ ما يتوافق معه!
واحتضنت روما في 21/12/2024 اجتماعاً أميركياً أوروبياً، يهدف لتقييم الوضع، وتنسيق التحرّك بعد توحيد الرؤى الضامنة للمصالح الغربية في إطار سورية موحّدة مستقرّة، ودعم الانتقال السياسي الشامل الذي يواجه تحدّيات كبيرة عبر 2254، وصياغة الدستور، وإنعاش الاقتصاد، ورهَنَ رفع العقوبات وإعادة الإعمار بالتقدّم في إجراءات الحلّ السياسي، ومغادرة المقاتلين الأجانب، وتوفير بيئة آمنة لانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، تضمن تمثيل كل المكوّنات السورية. وبهذه الاشتراطات تكتمل الوصائية الغربية ويتجلّى الابتزاز في التعامل مع لحظة مفصلية في صيرورة الوضع الجديد، وإجلاء لما ورد في بيان العقبة قبل أسبوع!
ليأتي الردّ في مؤتمر الرياض 12/1/2025 بمشاركة سورية، مؤكّداً على ضرورة الدعم الإنساني والاقتصادي، والسعي لرفع العقوبات المفروضة عليها، ولم يذكر بيانه الختامي القرار 2254، إلا أنه ذكر محتواه، وأقرّ بأن مؤتمر الرياض متابعة واستكمال لما قُرّر في العقبة! وبذلك تتموضع الإدارة الجديدة جزءاً في المشهد العام، بما يتوافق و2254!
وبما أن ملفّ العقوبات تجاه سورية، هو المزمع أن يتناوله وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماع بروكسل اليوم 27/1/2025، فسيكون علامة فارقة في الوضع السوري الراهن والمستقبلي معاً، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، إن خلا من الاشتراطات المعقّدة التي تحتاج لمفاوضات ومراجعات مستمرة، كإنهاء وجود القواعد الروسية، ودفع بعض المكوّنات الإثنية والطائفية والفصائلية لعدم تسليم السلاح والاندماج؛ أداة للضغط والابتزاز، تعرقل سير التحوّلات الجارية في سورية، فيرسم خارطة طريق للتخفيف من عقوبات، أو استثناء أو تعليق بعضها أو إلغائها، وبذل المزيد من التسهيلات للقطاعات الحيوية والمصرفية، والمساهمة في العمل على رفع العقوبات الأممية والدولية الأخرى. ما قد يساعد في تحقيق عملية انتقال سلمي يحقّق الاستقرار المنشود، عبر ضبط السلاح، وإطلاق حوار وطني سوري شامل، يكفل تنفيذ المطلوب وطنياً وعربياً ودولياً، ممّا يعيد الثقة بالدولة السورية، وينهض بمؤسساتها الاقتصادية والسياسية والقانونية والتعليمية، واعتماد تدابير المساءلة، والدفع بالمصالحة والإصلاح، ويؤّهل بنى الدولة المتهالكة ويطوّرها، بعد عقود من الاستبداد والفوات والنهب.
فإن كان المأمول من بروكسل بهذه الأهمية في آثاره وانعكاساته، فما المراد من عزم فرنسا عقد مؤتمر باريس منتصف شباط القادم، وسورية في لحظة تاريخية مفصلية، بين رهانات الوحدة والإعمار والاستقرار، أو الغرق في الفوضى التي ستنعكس آثارها على المنطقة برمّتها؟ تأكيد لنفوذ أوروبا في المنطقة، عبر سورية، وفرضهم رؤيتهم لمستقبلها، والسعي للعب ما يرونه دوراً تاريخياً في حماية ( الأقليات )، بل الوصاية عليها، والناطق بلا تفويض بما يجب أن تكون، وبالتالي قد يكون دورهم في العرقلة والمشاغلة أرجح مما أظهروا من تضامن مع السوريين، بالعمل على رفع العقوبات والمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار واستعادة التعافي والاستقرار لكل المكوّنات السورية. إن كان الأمر كذلك، فلن يكون مؤتمر باريس غير مسايرٍ لبيان العقبة، خطوة بخطوة، أو مكمّلاً كأداة ضغط قصوى على الإدارة السورية الجديدة.
لم تتمكّن الأسدية من ترويض السوريين، على الرغم من كل المعاناة، فهل تفعلها كثرة المؤتمرات العربية والغربية، أو التهديد بها، وتحصل على الجائزة الكبرى؟
- كاتب سوري