يحلو لأساتذة الاتصال والإعلام في بريطانيا أن يحكوا لطلابهم الجدد حكاية الملكة إليزابيث واللورد التيرينشام لإعمال الحس النقدي في كتاباتهم. حكاية راسخة أفرد لها المسلسل الشهير The Crown مساحة كبيرة في موسمه الرابع كجزء من حدث مؤثر في أرشيف الملكية والعائلة المالكة في بريطانيا.
تعود الحكاية إلى عام 1953 حيث انتقد اللورد ألتيرينشام (الذي عُرف لاحقًا باسم John Grigg بعد أن تخلى عن لقبه في عام 1963) الملكة الشابة آنذاك، صاحبة الشعبية الكبيرة، محاججا أنها وبلاطها بعيدون عن الشعب، وقد ذهب في نقدها موضعا شخصيا قائلا إنها تبدو في خطاباتها التي تبثها على الإذاعة مثل “فتاة مدرسة متزمتة”.
لم يكن هذا الأسلوب مستساغا من أنصار الملكية والامبراطورية في فترتها، الأمر الذي عرضه لانتقادات وشتائم كثيرة أقلها إنه ” قليل أدب واحترام” وتم التشكيك به فوصف بأنه جمهوري يسعى لقلب النظام الحاكم وتأليب المجتمع عليه ما عرضه للضرب المباشر من أحد أعضاء رابطة الموالين للإمبراطورية.
في عام 1957، حصلت تغيرات سياسية في العالم بأفول الأنظمة الملكية وما رافقها من تغير في المزاج الشعبي داخل بريطانيا بعد أزمة السويس وحصل أيضا تطور تكنولوجي جديد حيث ظهرت في بريطانيا أول شبكة تلفزيونية خاصة لتكسر احتكار هيئة الإذاعة البريطانية BBC حيث منحت اللورد مساحة لعرض أفكاره وحججه.
في عام 1957، حصلت تغيرات سياسية في العالم بأفول الأنظمة الملكية وما رافقها من تغير في المزاج الشعبي داخل بريطانيا بعد أزمة السويس وحصل أيضا تطور تكنولوجي جديد حيث ظهرت في بريطانيا أول شبكة تلفزيونية خاصة لتكسر احتكار هيئة الإذاعة البريطانية BBC حيث منحت اللورد مساحة لعرض أفكاره وحججه.
وأمام سيل الغاضبين من الرجل كان على الملكة أن تتخذ قرارها بشأنه، وقد جاء مفاجئا لأنصارها بالإنصات إليه ومراجعة بعض تصوراتها وأسلوبها لتواكب التطور التكنولوجي حيث بثت رسالة عيد الميلاد لأول مرة عبر التلفزيون وبأسلوب شائق يجيب في طياته على الانتقادات التي توجه لها، وهو ما آمن لها مجددا شعبية عارمة حافظت عليه بتفاوت لمدة ناهزت 71 عام.
يجمع الخبراء على أن اللورد ألتيرينشام لم يكن جمهوريا عندما انتقد الملكة ويصفه الكثير منهم بأنه كان “ملكيا عظيما” لأن نقده ساهم في استدامة الملكية.
للحكاية عبر كثيرة يترك للطلاب عادة استنباطها حسب السياقات التي يعيشون فيها وخصوصيات مجتمعاتهم، لكن ثمة إجماع على أن النقد يعود بالفائدة أكثر من التبجيل. لذلك تحفل الممارسة الإعلامية الغربية ببرامج مختلفة تجري حوارات تدار بطريقة الخطاب المباشر والقاسي الذي يتخلله أدوات مختلفة مثل المقاطعة والمحاججة والتركيز على الشخصي وخلطه بالاعتباري وغيره.
في العالم العربي ومع التطور التقني وبروز المحطات التلفزيونية خارج الدولة برزت بعض البرامج التي حققت حضورا وانتشارا كبيرا لكن تأثيرها الإيجابي ما يزال محدودا لأسباب عدة لعل أبرزها سلوكها منحى شعبويا يغازل الجمهور وحماستهم على حساب المحتوى نفسه الأمر الذي حاد بها على نماذج النقاش الصعب أو القاسي “Hard Talk” السائدة حيث يأخذ المقدم دور الخصم العتيد والعنيد للمحاور دون أن يحمل الأخير في قلبه ضغينة.
نماذج مختلفة قد لا يكون واقعنا العربي والسوري على وجه التحديد جاهزا لها كما أبرزته انتقادات طالت نبرة نقدية أظهرها مقدمي تلفزيون سوريا في لقائهم من الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. وعلى الرغم من عدم اعتراض الأخير واختياره تقبل النقد أو مواجهته فإن الأنصار الجدد، ربما بعضهم تحول بالمناصرة من النظام القديم إلى الجديد، لم يعجبهم ذلك ووصف في بعض الأحيان بأنه “قلة أدب أو احترام”. بالنهاية، تبقى المحاولات دائمة مطلوبة خاصة في مراحل التغيير الكبرى التي تحدث فيها الانتقالات سريعا بين التأييد والمعارضة ليس بناء على المبادئ الناظمة للتحول الديمقراطي، بل الصراع على السلطة.
- تلفزيون سوريا