- أمجد آل فخري
كثرت وتعدّدت وتتالت المؤتمرات، وبالمقابل قلّت وانخفضت وتباطأت ترجمتها وقائع على أرض الواقع، وفي كل مؤتمر تُعاد الواجبات، وتتتالى الشروط مشفوعة بضيق الحال السوريّ وصعوباته، متبوعة بالترويع من ضياع الفرصة النادرة!
فمن مؤتمرَي العقبة فمؤتمر الرياض ثم مؤتمر باريس، وهو النسخة الأكثر وضوحاً من
سابقيه؛ إذ شدّد مؤتمِرو العقبة في بيانَيهم، وأكّدوا على ” تنفيذ ” القرار الأممي 2254، واكتفى بيان الرياض –بحضور السوريين- بذكر ما يتماشى ومضمونه، بينما أشار بيان باريس للأخذ بروحه بما يتعلّق بالانتقال السياسي المطلوب دولياً! وربما يكون ذلك مقدّمة لقرار أمميّ جديد تُنفَخ فيه روح2254 ! فقد سُبقت هذه المؤتمرات- وما بينها، وما سيتلوها – باجتماعات ومناقشات دولية كثيرة ( اجتماع الدوحة-مؤتمر أستانا الأخير-منتدى دافوس الاقتصادي-مؤتمر بروكسل للاتحاد الأوروبي-مؤتمر ميونخ61-مجموعة الدول السبع-منتدى العُلا الاقتصادي…- وسيلحقها مؤتمر بروكسل للمانحين )، وكان الجانب السياسي طاغياً على غيره، مزيّناً ومطرّزاً بشروط وتمنّيات، ومرفقاً بوعود اقتصادية سخيّة، ودعمٍ في كل المجالات، وعملٍ على تجميد ورفع العقوبات التي أثقلت كاهل السوريين، في الوقت الذي يعرف كلّ المؤتمِرين سابقاً ولاحقاً، ألّا معنى لاشتراطات سياسية دون أوكسجين الاقتصاد الذي يبعث الحياة في سورية، ويتباهون، أن العقوبات التي كالوها للنظام لإضعافه، أودت به، ولا يُقرّون أنها صارت أدواء، أنهكت أغلبية السوريين وحطّمت، بل أنهت-بالإضافة لفساد الأسدية واستغلالها وابتزازها- البنية التحتية وشروط الحياة الآدمية!
إن تعقيد الوضع السوري المركّب ” داخلياً وخارجياً “، يدفع لأن يكون علاجه شاملاً لا محالة، ولا يمكن تناوله مجزّأً؛ ولا يمكن إخضاعه للانتقائية في تقديم حلّ على غيره أو إرجائه-وهذا ما فعله ديمستورا، وتبعه خَلَفه بيدرسون- لأن ذلك لن يقود لتفجير الجغرافيا السورية وتقسيمها، وفق المشروع الذي تفعّله إسرائيل وحسب، بل مقدّمة للعصف بالمنطقة، وهي الموعودة بشرق أوسط جديد، بعد تغيّر معادلات وتحالفات القوى، واختلال الأوزان والموازين بعد حرب غزة وإنهاء قوة حزب الله، وانسحاب إيران بأذرعها من سورية. وما زال الغرب يتمسّك بثلاثة اللاءات، على الرغم من تغيّر الحال. فبينما يزداد الوضع الاقتصادي تدهوراً، يجعله الغرب شمّاعة لتحقيق شروطه السياسية، وبينما تتصاعد التحديات المختلفة في وجه الإدارة السورية الجديدة، يدعو الغرب لخطوات تضمن الأمن والاستقرار، وعدم الاعتداء على الجوار! وزيادة الضغط على بلد محطّم، ليست بعيدة عن ضمان حقوق الأقليات والاستعداد للمساعدة في الخبرات الدستورية والحقوقية، والتعهّد بالعمل على رفع العقوبات جزئياً أو كلّياً، عبر الالتزام بدعم الانتقال السياسي ” العادل والشامل ” الذي يحترم حقوق جميع السوريين، وعودة اللاجئين، والمشاركة في استثمارات إعادة الإعمار، والتعافي، بالإضافة لضمان الأمن، ومكافحة الإرهاب، وتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية، والمحافظة على وحدة سورية، وإقرار حقوق المرأة والقوميات والأديان والأقليات والطوائف، والدستور، والانتخابات، وضمان مشاركة المكوّنات السورية بلا استثناء في بناء سورية، وهي أنغام قديمة، تتجدّد تبعاً لتوظيفها في تحقيق أهداف إستراتيجية سياسية واقتصادية، وهو ما يدفع لأن تكون أوروبا لاعباً أساسياً ذا نفوذ في موقع جيوسياسي مؤثّر-عبر التاريخ- في الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً.
إن 13سنة من التدمير والقتل والتهجير والاعتقال والتعذيب والإخفاء، وتحت سمع العالم وبصره، تلخيصُها عبارة:( تواطؤوا إذ تباطؤوا!)، لأنهم بعد رؤيتهم انتهاء صلاحية الأسدية وتحقيقاً لمصالحهم وحلفائهم، أغمضوا عيونهم وصمّوا آذانهم عمّا حدث في 12 يوماً، وكأنما صحوة وجدان طرأت، فأغدقوا الوعود، وأنعشوا الآمال، ولكن بشروط جليّة، وربما موثّقة بقرار أمميّ جديد، يثبت غسيل الأخلاق الدولية، ولكنه لن يُمهَر بكلمة اعتذار عمّا لحق بسورية وشعبها، ولن يتحمّلوا مسؤولية استمرار أبشع مقتلة في عصر تقدّم تقنيات النقل المباشر للأحداث، وربّما سيفرضون مزيداً من خرائط الطرق مزمّنة التنفيذ؛ تسهيلاً للابتزاز، وسترتقي بلاغتهم في عدّ كثير من القيود على سورية لإطلاقها من جهة، وولوجهم عتبة التطهُّر من خطايا، هم أربابُها ورسلُها منذ أزيد من خمسة عقود!
- كاتب سوري