في ذروة مأساوية لعملية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة قرر أئمة «يمثّلون الجاليات المسلمة في أوروبا»، كما عرّفوا عن أنفسهم، «الحج» إلى إسرائيل ولقاء رئيسها اسحق هيرتزوغ وزيارة متحف الهولوكوست في القدس إضافة إلى فعاليات أخرى تضامنية مع إسرائيل (منها، على سبيل المثال، إلقاء نشيد دينيّ إسلامي على إيقاع هاتيكفاه، نشيد إسرائيل!).
قاد الوفد الإمام الفرنسي (من أصول تونسية) حسن الشلغومي، وضمت المجموعة أئمة آخرين من أصول مغاربية، وقال مكتب هرتزوغ في بيان له، الاثنين الماضي إنه استقبل في مكتبه في القدس «أئمة وقادة في الجالية المسلمة من فرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة» جاءت «لنشر رسالة السلام والتعايش والشراكة بين المسلمين واليهود، وبين إسرائيل والعالم الإسلامي».
تبع الزيارة تنديد من «المجلس الأوروبي للأئمة» ـ مقره العاصمة الفرنسية باريس ـ شخّص التناقض بين زيارة دولة الاحتلال ممن سمّاهم «أئمة مزعومين» للقاء «رموزها المجرمة»، معتبرا ذلك «يتنافى مع أي حس إنساني أو أخلاقي» و«يتعارض مع أبسط المبادئ الإسلامية الداعية إلى نصرة الحق».
بعد «الزيارة» الآنفة ذكر موقع عبري أن إعلاميا سعوديا يدعى عبد العزيز الخميس، و«ناشطا سياسيا سوريا» يدعى شادي مارتيني، حضرا مناقشات «اللوبي المؤيد لترتيب أمني إقليمي» في جلسة للكنيست الإسرائيلي الأربعاء الماضي. ألقى الخميس كلمة في الجلسة ذكر فيها أن «رؤية السعودية ليست محلية بل إقليمية»، وأنه «إذا انتهزت إسرائيل الفرصة لتعميق الاحتلال وإذلال غزة، فإنها ستخسر ليس فقط المملكة العربية السعودية، بل العالم بأسره».
أثارت جلسة الكنيست جدلا في السعودية فالصحافي المذكور الذي غادر بلاده عام 1995، وقدّم نفسه لعدة سنوات كمعارض للمملكة، وحظي بحضور إعلاميّ ضمن منصّات إعلامية إماراتية، ظهر في الكنيست بثوب وغترة سعودية، وبدا الأمر، للعديد من السعوديين وغير السعوديين، محاولة لإحراج المملكة عبر اختيار توقيت الزيارة البائس في ظل المهلكة الفلسطينية الدائرة، كما كان الحال في زيارة الأئمة التطبيعيين، أو عبر الإيحاء غير المباشر بأنه يتحدّث باسمها، أو يعبّر عن مصالحها.
لا يفيد بأي حال هنا تحليل مضمون الكلمة التي ألقاها الصحافي، من قبيل القول إن «القوة التي لا تستخدم من أجل السلام غير فعالة»، وأنه «يجب ترجمة النصر في ساحة المعركة إلى رؤية»، ومطالبته بـ«التزام إسرائيلي واضح ليس فقط بالأمن، بل أيضا بالتعايش» الخ فالواضح أن هذه الأقوال ليست غير ترجمة لآراء الجهات العربية الراعية للزيارة، والأكثر وضوحا أن المبتغى من الزيارة ليس بث دعوة السلام والعدالة بين نواب الكنيست )الذين صوّتوا قبل أيام من كلمة الصحافي المذكور لفصل النائب الفلسطيني أيمن عودة، وناصروا خطوات الإبادة والتطهير العرقي أولا بأول) بل إحراج السعودية، وإرباك الجبهة الفلسطينية، المشتتة أصلا، وتقديم مادة للجدل في وسائل الإعلام ووسائل التواصل حول دهاء «الجهات المانحة» لهذه التحركات.
من يريد أن يعرف بعض آراء الصحافي المذكور غير المخصصة لاستهلاك الكنيست فما عليه إلا الرجوع إلى صفحة «إسرائيل تتكلم بالعربية» على فيسبوك، ومنها قوله إن «ما تفعله حماس بأهلها جرائم غير مسبوقة، استخدام المدنيين كتغطية لأفعالها» وهي الحجة نفسها التي لم تكفّ إسرائيل عن استخدامها لتدمير غزة فوق سكان أهلها، وقتل النساء والأطفال باعتبارهم «عناصر حماس»، أو مطالبته المجتمع الدولي بحماية الغزاويين «من ظلم الإرهابيين»، وبالإرهابيين يقصد الصحافي طبعا عناصر حركة «حماس» وليس مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما هو حال بنيامين نتنياهو وشركائه في الحكومة والجيش.
- القدس العربي