دمشق ـ «القدس العربي»: أعلن وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، من دمشق أمس الخميس، توقيع بلاده 47 اتفاقية مع سوريا بقيمة 6.4 مليار دولار، منها ما يعادل نحو ثلاثة مليارات دولار في مجالات التنمية العقارية.
وبحضور رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، عقدت في قصر الشعب أعمال المنتدى الاستثماري السوري السعودي بمشاركة أكثر من 20 جهة حكومية سعودية، إضافة إلى أكثر من 100 من شركات القطاع الخاص الرائدة في المملكة، إلى جانب معظم أعضاء الحكومة السورية والإدارة السورية الجديدة وعدد كبير من رجال الأعمال السوريين المقيمين والمغتربين.
وفي كلمة خلال المنتدى، الذي نقلت وقائعه على الهواء مباشرة فضائية «الإخبارية» السورية، اعتبر وزير الاقتصاد والصناعة السوري محمد نضال الشعار، المنتدى «محطة تاريخية في مسيرة العلاقات بين بلدينا الشقيقين، فما يجمعنا من روابط الأخوة ووحدة المصير يشكل أساساً متيناً لشراكات استراتيجية تخدم مصالح شعبينا».
وأضاف: «أن سوريا تشهد تحركاً حقيقياً نحو النمو والازدهار ونؤكد التزامنا الكامل بتقديم كل أوجه الدعم لنجاح هذا المنتدى بما يحقق الخير للشعبين السوري والسعودي».
في السياق قال معاون محافظ دمشق: لدينا خطط استثمارية في 3 مسارات هي المناطق المتضررة والمناطق المنظمة والمناطق الجاهزة للبناء، وتتضمن هذه الخطط إعادة إعمار المناطق المدمرة وبناء منشآت سياحية منها أبراج دمشق في منطقة البرامكة بقيمة 400 مليون دولار، إلى جانب إقامة مدينة ثقافية بقيمة 300 مليون دولار، ومدينة طبية في ضاحية قدسيا بقيمة 900 مليون دولار ومدينة ترفيهية في منطقة العدوي بقيمة 500 مليون دولار.
مطار المزّة
رئيس الهيئة العامة للطيران المدني في سوريا عمر الحصري فاجأ الحضور باتخاذ قرار بتحويل مطار المزة العسكري في غرب العاصمة دمشق إلى مطار مدني.
وقال إن «قطاع الطيران في سوريا متهالك ونحتاج إعادة تأهيل المطارات الخمسة الموجودة عندنا، كما نخطط لبناء مطار جديد في دمشق يتسع لـ30 مليون مسافر بالتوازي مع تأهيل مطار دمشق الحالي ليصل إلى 5 ملايين مسافر سنوياً، وكذلك تأهيل مطار حلب الدولي ليصل إلى 2 مليون مسافر سنوياً وهذه فرص استثمارية واعدة». وتابع: «قررنا استثمار مطار لبمزة العسكري وتحويله إلى مطار مدني».
دعم سعودي
في كلمته المسهبة أكد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، أن توجيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالتوجّه إلى سوريا، يأتي تأكيداً لموقف المملكة الراسخ والداعم لسوريا في مسيرتها المباركة نحو النمو والازدهار الاقتصادي، والتنمية الشاملة المستدامة.
وقال: «نحن في هذا المنتدى، لا نعمل على بناء جسورٍ جديدة، أو تطوير علاقات حديثةٍ بين بلدينا، لأن العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، الوثيقة والمتبادلة والمتكاملة، جمعت بينهما منذ أزمنةٍ بعيدة»، وأضاف: «في العقود الماضية، ظلت المملكة العربية السعودية وسوريا وجهين لعملة اجتماعية واقتصادية وسياسية واحدة».
وبيّن الفالح أن المنتدى يحضره من المملكة أكثر من 20 جهةً حكومية، وأكثر من 100 من شركات القطاع الخاص الرائدة، وتستثمر دولياً في قطاعات عديدة، وأضاف: «سنشهد في المنتدى 47 اتفاقية، بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال، تشمل المجالات العقارية والبنية التحتية والمالية والاتصالات وتقنية المعلومات والطاقة والصناعة والسياحة والتجارة والاستثمار والصحة، وغيرها».
وأوضح أنه في قطاع البنية التحتية والتطوير العقاري سيتم توقيع عددٍ من الاتفاقيات بقيمة إجمالية تتجاوز 11 مليار ريال، منها إنشاء أكثر من ثلاثة مصانع جديدة للإسمنت، لمستثمرين سعوديين؛ بهدف تأمين المواد الأساس اللازمة للبناء، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في هذا المجال الحيوي.
الفالح: الرياض ودمشق وجهان لعملة سياسية واقتصادية واجتماعية واحدة
وفيما يتعلق بقطاع الاتصالات قال الفالح إن المنتدى شهد انطلاق التعاون بين وزارة الاتصالات والتقنية السورية والشركات التقنية السورية، من جهة، ونخبة من الشركات السعودية الرائدة مثل: عِلم، وشركة الاتصالات السعودية، وشركة قو للاتصالات، وسايفر، وشركة كلاسيرا وغيرها؛ بهدف تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز قدرات الأمن السيبراني، وبناء منظومات متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات، وأكاديميات تعليمية، وتقدر الاتفاقيات في هذا المجال بقيمة إجمالية تقارب 4 مليارات ريال.
صناديق استثمارية
وعن الاتفاقية التي تم توقيعها في قطاع الخدمات المالية والتمويل، قال الفالح إنها بين شركة مجموعة «تداول» السعودية، التي تدير أكبر سوق للأموال والأوراق المالية في الشرق الأوسط وتاسع أكبر سوق في العالم، وسوق دمشق للأوراق المالية، مشيراً إلى أن الاتفاقية تهدف لتعزيز التعاون المشترك في مجال التقنيات المالية والإدراج المزدوج وتبادل البيانات المالية، وإطلاق صناديق استثمارية وتمويلية سيكون لها أثر تحفيزي قوي للاستثمار في سوريا.
وأشاد الفالح بالدور الإيجابي والفاعل الذي ينهض به أكثر من 2600 من رواد الأعمال السوريين في المملكة، لافتا إلى أن رصيد الاستثمارات المباشرة للمستثمرين السوريين في المملكة وصل إلى ما يقارب 10 مليارات ريال، وسيكون لهم دور كبير في بناء سوريا الجديدة واقتصادها المتنامي، مشيراً إلى أن شركة «بيت الإباء»، ستوقّع اتفاقية مليارية لبناء مشروعٍ سكني تجاري متميز في مدينة حمص، عادا هذه الشركة ومثيلاتها، نموذجا يُقتدى به للتكامل بين رأس المال السعودي والخبرة المحلية السورية؛ لتحقيق أهداف اجتماعية وتجارية مستدامة.
وأشاد بالخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية لتحسين مناخ الاستثمار، وعلى رأسها تعديل قانون الاستثمار في 24 حزيران/ يونيو الماضي، الذي جاء ليمنح المستثمرين مزيدا من الضمانات والحوافز، ويُسهم في تسهيل الإجراءات وتعزيز الشفافية.
تحالفات عالمية
وخلال جلسة حوارية شارك فيها وزيرا الاقتصاد والسياحة السوريان إلى جانب وزير الاستثمار السعودي، كشف رئيس مجلس الأعمال السعودي السوري ورئيس مجلس إدارة شركة «أكوا باور»، محمد بن عبدالله أبونيان، أن المملكة ستقود تحالفات عالمية للاستثمار في سوريا، وقال: «سنمكن شراكات عالمية مع المملكة ومع السوريين للاستثمار في سوريا، ولن يكون الاستثمار سعوديا سوريا فقط وإنما سيكون استثمارا سعوديا عالميا في سوريا»، مشيراً إلى أن «سوريا أصبحت لديها قيادة حكيمة ومتمكنة وقادرة لنظرة شمولية اقتصادية بنموذج سوريا الجديدة الاقتصادي».
وتابع: «ولي العهد وجّه قطاع رجال الأعمال قائلا إن سوريا هي المملكة العربية السعودية، وإن كان العالم يعتبر أن سوريا فيها مخاطر وعدم استقرار، لكن المملكة لا ترى هذه الأشياء، وستقدم إلى سوريا ليس بالكلام وإنما بالأفعال.
وأكد أبونيان أن ما تم إعلانه حاليا عن استثمارات بقيمة 24 مليار ريال إنما هي حزمة بسيطة جدا من القادم، والسعودية ترغب في شراكات في جميع القطاعات مع الإخوة السوريين، ونحن شركاء ولسنا تجارا وننظر لشراكة استراتيجية دائمة، إلى جانب تحقيق شراكات مع رجال الأعمال السوريين الذي سيستفيدون ويحققون الأرباح على المدى القصير، فالنموذج السعودي لا يأتي ليأخذ وإنما ليعطي ويحقق العائد، مشدداً على ضرورة التركيز اليوم على البنية التحتية في سوريا ولا سيما الكهرباء والماء لأنها أساس كل شيء.
9 اتفاقيات
وخلال الجلسة العامة لمنتدى الاستثماري السوري السعودي تم الإعلان عن التوصل إلى 47 اتفاقية في مجالات مختلفة، لكنه جرى التوقيع على عجل على 9 اتفاقيات على أن يتم التوقيع على أخريات لاحقا.
والاتفاقات التي تم تبادل الأوراق حولها كانت في القطاع المالي بين مجموعة التداول السعودية وسوق دمشق للأوراق المالية، وبين بنك التصدير والاستيراد السعودية مع بنك البركة سوريا ومجموعة البركة المصرفية، وفي القطاع السياحي بين شركة بن داوود للاستثمار في المملكة وزارة السياحية السورية، وفي القطاع العقاري بين شركة «بيت الإباء» السعودية ومحافظة حمص، واتفاقيتين منفصلتين لوزارة الإسكان السورية مع كل من شركة «العوالي» وشركة «زود» العقارية.
وفي قطاع الاتصالات تم التوقيع على اتفاق بين شركة «النصر المشفر للأمن السيبراني» ووزارة الاتصالات وتقانة المعلومات السورية، إلى جانب اتفاقية ثانية بين شركة «غو للاتصالات» ووزارة الاتصالات السورية، والاتفاقية التاسعة والأخيرة كانت في قطاع الطيران والملاحة بين شركة «المطارات القابضة» وهيئة الطيران المدني السورية.
برج الجوهرة
وعلى هامش المنتدى، وضع الوزيران الشعار والفالح حجر الأساس لمشروع برج الجوهرة في حي البحصة وسط دمشق. وأكدت وزارة الاستثمار السعودية في بيان أن المشروع واحد من أبرز المشاريع العقارية في المنطقة، وسيكون انطلاقة نحو شراكات إقليمية واستثمارات واعدة.
وأوضحت أن المشروع استثمار سعودي سوري متكامل يجمع الأعمال والضيافة والتجزئة في وجهة واحدة، ويمتد على مساحة تتجاوز 25 ألف متر مربع وبتكلفة استثمارية تبلغ 375 مليون ريال.
وأشارت إلى أن البرج يتضمن 32 طابقاً، ستشمل مكاتب إدارية على مساحة 6500 متر و15 طابقاً مخصصة للأعمال، ومواقف سيارات على مساحة 4200 متر مربع، ومحلات تجارية على مساحة 1300 متر مربع مخصصة للبيع بالتجزئة، كما سيتضمن وحدات فندقية على مساحة 6500 متر مربع و15 طابقاً تقدم خدمات ضيافة بمعايير عالية، إضافة إلى مطعم بانورامي يطل على دمشق.
جذب استثمارات
وفي تصريح خص به «القدس العربي»، اعتبر عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق علي كنعان، أن المنتدى السوري السعودي سيشكل نقلة نوعية في جذب استثمارات عربية أخرى بما يشكل تطورا في البنية التحتية السورية التي سوف تمهد لمشاريع استثمارية، وبالتالي تشغيل العمالة السورية، وهذا ما يحقق نمواً ملحوظاً في السنوات المقبلة، متوقعاً أن يتم العمل بشكل فعلي في المشاريع التي تم الاتفاق عليها في بداية العام المقبل.
ورأى أن الاقتصاد السوري في حاجة إلى استثمارات كبيرة جداً وخاصة في مجال البنية التحتية باعتبار أنها هذه أصبحت متهالكة لما تعرضت له البلاد من دمار في السنوات الأخيرة.
وحول تأثير العقوبات الأمريكية على سير عمل هذه المشاريع قال كنعان: إنها تؤثر بشكل واضح وخصوصاً فيما يتعلق بالتحويلات المالية، ولكن في المقابل أعتقد أن السعودية ستعمل على إيجاد حلول لهذه المسألة ولا سيما فيما يتعلق بطريقة التحويلات المالية.
رسالة
فيما اعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري أن المنتدى له مدلولات سياسية قبل الحديث عن مدلولاته الاقتصادية لأصدقاء وأعداء سوريا في آن واحد، مشيراً إلى أهمية التوقيت الذي عقد فيه المؤتمر، فهو ترافق مع أحداث محافظة السويداء ليعطي رسالة أن سوريا دولة لا يمكن تقسيمها، وأن المشروع الإسرائيلي في تقسيم هذه البلاد، لن يمر.
وفي تصريح لـ «القدس العربي» أعرب عن أمله بأن يتم تنفيذ المشاريع التي تم الاتفاق عليها في أسرع وقت ممكن، وخصوصاً أنه تم أمس الأول وضع حجر الأساس على بعض المشاريع بانتظار وضع حجر الأساس على المشاريع الأخرى، مشيداً بالدور التي تقوم به السعودية في دعم سوريا، وهذا ما يساعدها حتى على تجاوز العقوبات الأمريكية.
- القدس العربي