ملخص
يقف لبنان عند مفترق طرق خطر، فإما أن يتم التوصل إلى صفقة دولية جديدة تعيد رسم خطوط النفوذ وتبقي البلد بعيداً من أتون الحرب، وإما يتدحرج المشهد إلى صدام إقليمي مفتوح تكون بيروت أولى ضحاياه.
في تقرير لها بعنوان “إيران تتجه لإعادة تسليح ميليشياتها الحليفة”، نشر في الـ17 من يوليو (تموز) الجاري، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إن إيران تعرضت لانتكاسة كبيرة عندما قتلت إسرائيل كبار القادة العسكريين، وضربت الولايات المتحدة منشآتها النووية، لكن نمطاً من عمليات “ضبط الأسلحة الثمينة”، يظهر أن طهران تبذل جهوداً حثيثة لتسليح حلفائها من الميليشيات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن إيران كثفت عمليات تهريب الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان عبر العراق وسوريا، وإلى الحوثيين في اليمن، في محاولة لتعويض مخزونات السلاح التي فقدها الحوثيون جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية. وأوضح مايكل نايتس المتخصص في شؤون الميليشيات الإيرانية والزميل البارز في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، أن طهران تعمل على “إعادة بناء وجودها في بلاد الشام من خلال إرسال صواريخ إلى ’حزب الله‘ وتهريب أسلحة من العراق إلى سوريا”.
اعتراض شحنات لـ”حزب الله”
وكانت الحكومة السورية أعلنت ضبطها عدداً من شحنات الأسلحة على حدودها مع العراق ولبنان، من بينها صواريخ “غراد” المخصصة لأنظمة الإطلاق المتعددة المحمولة على شاحنات. ووفق الصحيفة نفسها، فقد لجأت إيران، أخيراً، إلى استخدام سيارات صغيرة لنقل الأسلحة إلى “حزب الله” عبر الأراضي السورية بعدما كانت تعتمد سابقاً على شاحنات ضخمة.
وفي سياق متصل، كشف الجيش اللبناني عن ضبط شحنات سلاح على الحدود مع سوريا، تضمنت صواريخ روسية مضادة للدبابات يفضل “حزب الله” استخدامها.
تابعت الصحيفة، في تقريرها، أن إيران تسعى بوتيرة متسارعة إلى إعادة تزويد الحوثيين بالسلاح عقب الضربات الأخيرة. فقد اعترضت “المقاومة الوطنية اليمنية” هذا الأسبوع (بتاريخ كتابة تقرير الصحيفة) شحنة كبيرة على ساحل البحر الأحمر، تضم صواريخ، وقطع غيار لطائرات مسيرة، ومعدات عسكرية أخرى.
ووفقاً للقيادة المركزية الأميركية، تعد هذه الشحنة أكبر عملية ضبط حتى الآن، إذ بلغت 750 طناً من الأسلحة النوعية، شملت صواريخ “كروز”، وصواريخ مضادة للسفن والطائرات، ورؤوساً حربية، ومكونات استهداف، ومحركات لطائرات من دون طيار، وجرى إخفاء هذه الأسلحة في سفينة تحت شحنات وهمية من أجهزة التكييف.
وكانت المصادرات السابقة تقتصر غالباً على أسلحة خفيفة أو أجزاء منفصلة، بينما تضمنت هذه الشحنة صواريخ كاملة، منها صواريخ “قادر” الإيرانية المضادة للسفن، ومكونات لنظام الدفاع الجوي “صقر” الذي استخدمه الحوثيون لإسقاط طائرات أميركية مسيرة من طراز “أم كيو-9 ريبر”.
السياق الإقليمي
جاءت هذه التطورات بعد أسابيع من وقف إطلاق النار الذي أنهى حملة جوية إسرائيلية استمرت 12 يوماً ضد أهداف إيرانية، أعقبها قصف أميركي لمواقع نووية رئيسة في إيران. وفي وقت سابق من هذا العام، نفذت الولايات المتحدة ضربات متواصلة، استمرت شهرين، على مواقع الحوثيين، مما استنزف ترسانتهم ودفعهم إلى البحث عن إمدادات جديدة.
وأكد مؤسس شركة “باشا ريبورت” الأميركية للاستشارات الأمنية، محمد الباشا، أن “حجم الشحنة الأخيرة وتوقيتها يبرزان سعي إيران السريع إلى إعادة بناء قوة الحوثيين التي تضررت جراء الغارات الأميركية”. وأضاف أن طهران “تسعى إلى الحفاظ على مستوى عالٍ من العمليات التي تستهدف إسرائيل والملاحة التجارية”.
وعلى رغم نفي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إرسال أسلحة إلى اليمن، فإن مؤشرات ميدانية تؤكد استمرار عمليات الإمداد. ففي الأسبوع الماضي استخدم الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ لإغراق سفينتين تجاريتين في البحر الأحمر، مما أدى إلى مقتل ثلاثة من أفراد طاقمها واحتجاز آخرين، وأطلق الحوثيون صواريخ باليستية على إسرائيل خلال الأسابيع الماضية، على رغم اعتراض معظمها.
وثائق إيرانية
وأثناء مرور الشحنة المضبوطة عبر جيبوتي، عثر على وثائق فارسية تثبت مصدرها الإيراني، منها كتيبات لتشغيل كاميرات توجيه الصواريخ المضادة للطائرات، وشهادات جودة لزعانف صاروخية صادرة عن شركة تصنيع إيرانية.
وقال نائب رئيس قسم تفكيك المتفجرات السابق في الشرطة الإسرائيلية، المسؤول الآن عن أبحاث المتفجرات في إحدى شركات الاستشارات الأمنية الإسرائيلية، مايكل كارداش، إن الأشهر الأخيرة شهدت “زيادة واضحة في محاولات تهريب الأسلحة عبر سوريا أو منها إلى ’حزب الله‘”. وأكد أن سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، حليف إيران التقليدي، وتولي حكومة معادية للسلطة، عطل خطوط الإمداد الرئيسة، مما أجبر المهربين على اللجوء إلى شحنات صغيرة بدلاً من قوافل الشاحنات السابقة.
وفي مثال بارز على ذلك، أعلنت وزارة الداخلية السورية في يونيو (حزيران) الماضي، عن ضبط صواريخ “كورنيت” روسية مضادة للدبابات كانت مخبأة في شاحنة تنقل الخيار إلى لبنان. وفي مايو (أيار) الماضي اعترض الأمن العام السوري شحنة من صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية الصنع قرب الحدود اللبنانية.
وعلى رغم القيود الكبيرة المفروضة، تمكن “حزب الله”، على غرار الحوثيين، من إعادة بناء جزء من ترسانته. وأفاد مصدر مطلع بأن الجماعة باتت تصنع بعض طائراتها المسيرة وصواريخها متوسطة المدى محلياً، وأعادت هيكلة شبكات تهريبها بحيث تمكنت من إدخال شحنات متطورة، بما في ذلك صواريخ “كورنيت”، وهذا بحسب تقرير الصحيفة الأميركية.
إيران تعود إلى سياسة “الممرات المسلحة”
يأتي تقرير “وول ستريت جورنال” ليس كمجرد استعراض معلوماتي، بل بمثابة إنذار مبكر بأن إيران تعود تدريجاً إلى سياسة “الممرات المسلحة” التي شكلت أساس نفوذها منذ ثمانينيات القرن الماضي. فبعد فترة من الضغوط الإسرائيلية والأميركية، والهجمات التي استهدفت مخازن السلاح في سوريا والعراق ولبنان، تبين أن طهران لم تتراجع عن استراتيجيتها القديمة بل أعادت تطويرها بأساليب أكثر مرونة وسرية، مع إدخال تقنيات متقدمة لتجاوز الرصد الجوي والاستخباري.
تزامناً، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن هناك احتمالاً لتجدد الحملة على إيران. وجاءت تصريحات كاتس خلال تقييم شامل للوضع مع عدد من كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الأركان. وشدد، في بيان صادر عن مكتبه، على ضرورة إعداد خطة فعالة للمستقبل لضمان عدم استئناف إيران برنامجها النووي.
وكانت وسائل إعلام رسمية قد أفادت بأن استخبارات “الحرس الثوري الإيراني” حذرت المواطنين الإيرانيين من تزايد محاولات التجنيد من جانب أجهزة استخبارات “دول معادية”.
وتتخوف إيران من التعرض لاختراق من جانب جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” بعدما تمكنت تل أبيب من اغتيال عدد كبير من القادة العسكريين والعلماء النوويين، خلال الحرب بينهما الشهر الماضي.
يقرأ الأكاديمي المتخصص في الحركات الإسلامية قاسم قصير في هذه التطورات ويعتبر أنه “لا توجد معلومات دقيقة حول عودة إيران لتسليح حلفائها نظراً إلى المتغيرات التي حصلت، وأصبح كل حليف يعمل لذاته وفقاً للمتغيرات وحسب كل ساحة وظروفها”. وبخصوص رد “حزب الله” على الورقة الأميركية، أشار قاسم إلى أنه “لا يوجد تواصل بين الحزب وباراك (المبعوث الأميركي توم براك)، لذا لا يمكن أن نقول إن الحزب أبلغ باراك موقفه، إذ إن للحزب مواقف معلنة، لا بحث في السلاح قبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعادة الأسرى وبدء الإعمار”.
سلاح الحزب جزء من التوازن الإقليمي الذي تبنيه إيران
في السياق جاء تصريح “حزب الله” الأخير بأنه “لن يسلم السلاح” ليعكس واقعاً أعمق من مجرد تمسكه بترسانة عسكرية. فالحزب يدرك أن سلاحه لم يعد فقط أداة ردع ضد إسرائيل، بل صار جزءاً من التوازن الإقليمي الذي تبنيه إيران في مواجهة التحالفات الغربية والعربية. وحذر الأمين العام للحزب نعيم قاسم من أن “لبنان ومقاومته أمام تهديد وجودي هو أكبر خطر يهدد البلاد”، معرباً عن رفض الحزب تسليم سلاحه لإسرائيل. وتساءل “لماذا تريدون نزع سلاح ’حزب الله‘؟ حتى تطمئن إسرائيل، لأن هذا مطلب إسرائيلي. ضعوها في بالكم، نزع سلاح ’حزب الله‘ هو مطلب إسرائيلي”. وأوضح قاسم أن نصوص الاتفاق الجديد الذي قدمته أميركا “تضم مطالب بنزع سلاح الحزب مقابل بعض الانسحابات الجزئية الإسرائيلية وفي أوقات متفاوتة”، وأضاف “لا استسلام لدينا وإسرائيل لن تتسلم السلاح منا”. وعليه، فإن أي محاولة داخلية أو خارجية لإجباره على التخلي عن السلاح ستواجه بردود سياسية وربما ميدانية عنيفة، لأنه يرى في هذا السلاح خط الدفاع الأخير عن نفوذه في لبنان، بل وعن بقاء لبنان في (محور الممانعة) الذي تقوده طهران.
تحذيرات براك
في السياق لا يمكن قراءة التحذيرات التي أطلقها الموفد الأميركي إلى المنطقة توم براك بمعزل عن الضغوط السياسية الأميركية المتصاعدة. براك الذي شدد على أن استمرار “حزب الله” في تسليح نفسه خارج إطار الدولة اللبنانية سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من الثقة الدولية بلبنان، ومن ثم تجميد أي مساعدات اقتصادية أو خطط إنقاذ مالية.
هذه التحذيرات تأتي في وقت يعاني فيه لبنان أزمة مالية خانقة وانهيار القطاع المصرفي، مما يجعل أي تهديد بالعزلة الدولية بمثابة ضربة قاضية لأي محاولة للتعافي الاقتصادي. وبراك، الذي يعد من أبرز الشخصيات المؤثرة في دوائر القرار الأميركي والخليجي، يدرك أن المعركة مع إيران لم تعد عسكرية فحسب، بل أصبحت اقتصادية ومالية بامتياز، لذا فإن الضغط على “حزب الله” من خلال الاقتصاد اللبناني يعتبر أحد أكثر الأسلحة فعالية في المرحلة الراهنة، بخاصة مع تراجع قدرة الحزب على تمويل نفسه بفعل العقوبات وتقلص الدعم النقدي الإيراني بسبب الأزمات الداخلية في طهران، والحرب الإسرائيلية الأخيرة، والتشديد الدولي على تجفيف طرق الإمداد.
وكان براك قد أشار، عقب لقائه رئيسي الجمهورية والحكومة جوزاف عون ونواف سلام، إلى أن “أن التركيز اليوم لتأمين الاستقرار وقادتكم متجاوبون”، مضيفاً “نريد تأمين الأمن مع التقدم الاقتصادي”، وتابع المبعوث الأميركي أن “نزع سلاح ’حزب الله‘ مسألة داخلية ونناقش مع الدولة كيفية المساعدة على تأمين المطلوب. نقدم الأفكار والمساعدة للعودة إلى النموذج اللبناني الذي تريدون. نحن هنا للمساعدة على الوصول إلى نتائج مع جيرانكم ولا نجبر أحداً على القيام بأي شيء بل نحاول المساعدة”. ولم يخف براك ما عده “خيبة لواشنطن” إذا لم يتوصل إلى اتفاق حول السلاح، ولم ينجح اتفاق وقف إطلاق النار. ولدى سؤاله عن تبعات عدم نزع السلاح قال “إن لم ينزع سلاح ’حزب الله‘ فلن تكون هناك تبعات مباشرة أو أي تهديد، غير أن ذلك سيمثل خيبة أمل”.
واشنطن لا يمكنها إرغام إسرائيل على فعل أي شيء
الإعلام اللبناني بدوره كان تداول أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيقدم ورقة جانبية للموفد الأميركي، ولكن لم يسلم بري أي ورقة جانبية غير تلك الرسمية التي قدمت، إلا أن البحث تناول خطوات إجرائية للحل من ضمنها أن تخطو إسرائيل خطوة تجاه لبنان بوقف الاعتداءات وبعد 15 يوماً تبدأ مرحلة نزع السلاح.
يقول الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية العميد المتقاعد خالد حمادة، بهذا الخصوص، “ما يدعو إلى التفكير ملياً في ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تداعيات. واعتبار الموفد الأميركي أن مسألة نزع سلاح الحزب هي مسألة داخلية تجد تفسيرها في تحميل الدولة مسؤولية عدم المبادرة إلى ذلك وبالسرعة القصوى، وتقطع الطريق على أي تفاوض يتعلق بالسلاح بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع واشنطن، ويبقى الوجه الخطر لتصنيف السلاح كمسألة داخلية لبنانية في تأكيد براك أن ’حزب الله‘ بالنسبة إلى واشنطن هو منظمة إرهابية لا يمكن التفاوض معها، وذلك من قبيل عدم مناقشة أي شأن لا ينبغي على الحكومة اللبنانية مناقشته. أما التحدي المبطن الذي أطلقه براك فيكمن في إعلانه أنه لا يمكن لواشنطن إرغام إسرائيل على فعل أي شيء، نافياً أن يكون هناك أي نوع من الضمانات”، وتابع العميد حمادة، “ما يمكن أن يحمله رد بري من اقتراحات بإدخال بعض المهل إلى مراحل التنفيذ، وفقاً لبعض المصادر الإعلامية، يراد منها إدخال ’حزب الله‘ بصورة غير مباشرة إلى ميدان التفاوض لدى واشنطن بعد الفشل في تسويق الحوار المزعوم كوسيلة لنزع السلاح. إن التفاوض الثلاثي المرجعية الذي تتمسك به الرئاسات الثلاث خلافاً للدستور أفضى إلى فقدانها الصدقية المطلوبة، وإلى تفاوض مفتوح متعدد الأطراف يعقده الموفد الأميركي بصورة روتينية مع عدد كبير من المرجعيات السياسية والقادة الروحيين سواء في السفارة الأميركية أو في الصالونات السياسية المفتوحة على مصراعيها”.
الترويكا الرئاسية
وأفادت مصادر سياسية مطلعة، وفقاً لصحف لبنانية، بأنه ما من معطيات حول إمكان بدء مجلس الوزراء مناقشة الجدول الزمني لتسليم السلاح.
في هذا المجال، اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن ما يحصل في هذا المجال “ضرب للدستور والمؤسسات اللبنانية بعرض الحائط، فلا شيء في الدستور اسمه الرؤساء الثلاثة”، مشدداً على أن “مركز القرار التنفيذي في الدستور هو في الحكومة، والمركز التشريعي هو في المجلس النيابي”.
في حين أشار النائب غسان سكاف إلى أن “حال الانتظار في لبنان مستمرة إلى ما شاء الله، فنحن في انتظارات لم تكن موفقة في الماضي القريب أي منذ ستة أشهر، فنحن على حافة القطار بدءاً من هوكشتاين (الوسيط الأميركي السابق آموس هوكشتاين) وصولاً إلى براك، ولم نركب القطار حتى الآن ولست متفائلاً”. وأضاف سكاف في حديث إلى “إذاعة لبنان الحر” (إذاعة محلية لبنانية تابعة لحزب القوات اللبنانية)، “علينا ألا نبقى على قارعة الطريق، وعدم التقدم في ملف ’حزب الله‘ سيدفعنا إلى الجلوس مجدداً في مقاعد الانتظار بينما الدول المجاورة ستسبقنا وتركب القطار، الأمر يتطلب حكماً وحكمة وحكومة”. وتابع “نتحدث عن السلاح وكأنه المشكلة الوحيدة في البلد، ودفتر الشروط الموضوع للبنان لتسليم السلاح والشروط الاقتصادية مفروضة على لبنان وليس على سوريا، علينا أن نقرأ التحولات الكبرى التي حصلت في المنطقة في الأشهر الماضية من تركيا إلى سوريا، فلبنان برعاية السعودية، والدور التركي مهم اليوم في تسهيل التفاوض الإسرائيلي – السوري، وبعث رسالة إلى إيران من خلال اختيار أذربيجان كموقع للمفاوضات”، مردفاً أن “كل ما نطالب به أن نصعد مع كل التحولات في منطقة الشرق الأوسط بأحد القطارات لنصل إلى بر الأمان، ونرفض أن نكون البادئين بسلام مع إسرائيل، والمطلوب أن توجد الحكومة حلاً وليس الموفد الأميركي توم براك”.
المعادلة الإقليمية: لبنان ساحة تصفية الحسابات
وتزامنت زيارة براك مع تقارير الاستخبارات الغربية التي تحدثت عن زيادة ملحوظة في وتيرة شحنات الأسلحة عبر الأراضي السورية باتجاه لبنان، بما في ذلك معدات اتصالات متقدمة وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، مما يعزز المخاوف من أن أي تصعيد على الحدود الجنوبية مع إسرائيل قد يتحول إلى حرب أوسع، بخاصة في ظل تعثر الجهود الدبلوماسية الدولية لإرساء هدنة طويلة الأمد بين الحزب وتل أبيب.
من هنا، فإن من الواضح أن لبنان عاد مجدداً ليكون ساحة رئيسة للصراع بين محورين، المحور الإيراني الذي يسعى إلى الحفاظ على وجوده العسكري والسياسي عبر “حزب الله”، وأذرعه في المنطقة. والمحور الأميركي – العربي – الإسرائيلي الذي يحاول تقليص هذا النفوذ وتحييد الحزب عن أي دور إقليمي. والمنطقة الجنوبية من لبنان هي المرآة الأوضح لهذا الصراع، خصوصاً بعد التصعيد الأخير بين الحزب وإسرائيل على خلفية حرب غزة. وفي ظل تراخي الدولة اللبنانية، يبدو أن القرارات الكبرى تتخذ من خارج مؤسسات الدولة، مما يعمق من هشاشتها ويجعلها رهينة أجندات خارجية متضاربة. وفي هذا الخصوص، قال رئيس الجمهورية جوزاف عون إنه أجرى شخصياً اتصالات مع “حزب الله” لحل مسألة السلاح، موضحاً أن “المفاوضات تتقدم ولو ببطء”، وأن هناك تجاوباً حول الأفكار المطروحة في هذا المجال.
هل تغيرت استراتيجية إيران تجاه لبنان؟
وفقاً للمعطيات الحالية لم تتخل إيران أبداً عن استراتيجيتها القديمة، لكنها أدركت أن أسلوب الدعم المكشوف لحلفائها لم يعد فعالاً في ظل التفوق الاستخباري الإسرائيلي، ولهذا لجأت إلى تعزيز الصناعات المحلية في لبنان وسوريا، مثل ورش تصنيع الطائرات المسيرة والصواريخ، وزيادة الاعتماد على التهريب البري عبر الحدود العراقية – السورية، وتجنب النقل الجوي قدر الإمكان، ووسعت شبكة الحلفاء المحليين عبر دعم مجموعات مسلحة في المخيمات الفلسطينية وبعض العشائر الحدودية. هذه المقاربة الجديدة تجعل من الصعب على المجتمع الدولي كبح تدفق الأسلحة، وتزيد من تعقيد أي مفاوضات مستقبلية في شأن سلاح “حزب الله”.
هل سنشهد تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً ضد لبنان؟
في حال رصدت إسرائيل نقل أسلحة استراتيجية إلى الحزب، قد تقدم على عمليات عسكرية نوعية داخل لبنان، وهو ما قد يجر البلاد إلى مواجهة شاملة، بخاصة أن تل أبيب ترى أن “النافذة الزمنية” لاحتواء الحزب تضيق. ومن الطبيعي أن الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، ستتضاعف، إذ قد تعمد واشنطن وحلفاؤها لاستخدام ورقة العقوبات بصورة أشد على بيئة الحزب المالية ومؤسساته، وربما يتوسع الضغط ليطاول قطاعات اقتصادية لبنانية حساسة، مما قد يعمق الأزمة الاقتصادية.
كما قد تحاول بعض القوى السياسية في لبنان فتح ملف “الاستراتيجية الدفاعية” مجدداً، لكن أي حوار من هذا النوع سيكون مجرد مناورة، وهرباً للأمام، إذا لم يدمج في إطار تسوية شاملة مع إيران نفسها، ضمن صفقة إقليمية أوسع، وذلك عبر ربط ملف سلاح الحزب بمحادثات دولية أوسع تشمل النووي الإيراني والملف السوري، بحيث يتم التوصل إلى صيغة تهدئة شاملة في المنطقة مقابل تنازلات سياسية أو اقتصادية لطهران.
وحتى ذلك الحين، يقف لبنان عند مفترق طرق خطر، فإما أن يتم التوصل إلى صفقة دولية جديدة تعيد رسم خطوط النفوذ وتبقي البلد بعيداً من أتون الحرب، وإما يتدحرج المشهد إلى صدام إقليمي مفتوح تكون بيروت أولى ضحاياه.
- إندبندنت