دمشق – «القدس العربي»: حرك النائب العام السوري، حسان التربة، دعوى الحق العام بحق أربعة من رموز نظام بشار الأسد وتمت إحالتهم إلى قاضي التحقيق المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية، فيما قالت وزارة العدل إنها ستعمل على ضمان محاكمات عادلة مع احترام حقوق الموقوفين وتحقيق مبدأ سيادة القانون، مشددة على التزام الحكومة بنهج المساءلة وتعزيز الثقة بالنظام القضائي وحماية حقوق الإنسان.
ووفق بيان صدر مساء الأربعاء عن التربة أنه «في إطار الجهود المستمرة لمحاكمة مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري وانطلاقاً من تطبيق العدالة الانتقالية، وبعد إحالة وزارة الداخلية عدداً من ملفات المدعى عليهم بارتكاب انتهاكات، قمنا بدراسة الضبوط والوثائق القدمة، وبناء عليه، ثم تحريك دعوى الحق العام بحق كل من (رئيس فرع الأمن السياسي في درعا عام 2011 العميد) عاطف نجيب، و(مفتي سوريا السابق) أحمد محمد أديب بدر الدين حسون، و(وزير الداخلية الأسبق ونائب رئيس الجبهة الوطنية اللواء) محمد إبراهيم الشعار، و(مدير إدارة المخابرات الجوية الأسبق اللواء) إبراهيم علي الحويجة.
وأحيل المدعى عليهم إلى قاضي التحقيق المختص لمباشرة التحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية أصولاً، وفق بيان النائب العام الذي طلب من جميع المتضررين وأسرهم، أو من لديهم شهادات أو معلومات حول انتهاكات إلى تقديم ما لديهم لضمها إلى ملف التحقيق. كما حثّ المنظمات الحقوقية والإنسانية المعنية، على تقديم ما لديهم من ملفات ووثائق، يمكن أن تسهم في كشف الحقيقة.
وأكد البيان أن النيابة العامة ملتزمة بتحقيق العدالة، وبذل كل الجهود اللازمة لملاحقة المتورطين في هذه الجرائم ومحاسبتهم، لضمان حقوق الضحايا وأسرهم.
نهج المساءلة
وقبل بيان النائب العام، كانت وزارة العدل أصدرت بيانا تحدثت فيه عن الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها خلال الفترة الماضية. وقالت إنها عملت على بناء أرضية مؤسساتية ملائمة لإصلاح القضاء، واتخذت خطوات حاسمة لاستبعاد القضاة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وبذلت قصارى جهدها لتهيئة الظروف المناسبة لإنفاذ العدالة.
وفي خطوة منسقة مع وزارة الداخلية، و»ضمن ما لا يتعارض مع مهام الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية واختصاصها»، بدأت الوزارة بـ «استلام ملفات بعض الموقوفين على خلفية ارتكاب جرائم وانتهاكات بحق الشعب السوري، ومن ثم باشر النائب العام بتحريك الدعوى العامة بحقهم».
وستعمل الوزارة على «ضمان محاكمات عادلة وفق القانون السوري، مع احترام حقوق الموقوفين وضمان قانونية الإجراءات، وتحقيق مبدأ سيادة القانون»، حسب ما أكدت في بيانها، معتبرة أن هذه الخطوات «تؤكد التزام الحكومة السورية بنهج المساءلة، وتعزيز الثقة بالنظام القضائي، وحماية حقوق الإنسان».
وأثار الإعلان عن تحويل الدفعة الأولى من المتهمين من رموز النظام السابق إلى القضاء لغطاً بين النشطاء، وفسره البعض على أنه قفز على ما جاء في الإعلان الدستوري وخرق لمبدأ العدالة الانتقالية وتقويض لها، ما دفع رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية عبد الباسط عبد اللطيف إلى نشر توضيح عبر صفحته على «أكس» أكد فيه أن تحريك الدعوى العامة بحق بعض مرتكبي الانتهاكات تمّ بالتشاور معه.
وقال إنّ إجراء بدءِ إحالة بعض مرتكبي الانتهاكات إلى النيابة العامة، وتحريك الدعوى العامة بحقهم أمام قاضي التحقيق تم بالتشاور بينه وبين وزير العدل والنائب العام، موضحاً أن الهيئة لا تزال تحت التشكيل والتحضير لإطلاق أعمالها وتشكيل لجانها، ومنها لجنة المحاسبة والمساءلة التي ستتولّى إدارةَ ملفات الانتهاكات الجسيمة، ومساءلةَ ومحاسبةَ المسؤولين عنها.
وأشار إلى أن الهيئة ستعمل على بلورة الإطار القانوني بالتعاون مع وزارة العدل، ومجلس القضاء الأعلى فور انطلاق عملها لتتمّ مواكبته أصولاً.
وبيّن أن معالجة الوضع القانوني للموقوفين وولاية القضاء السوري ونفاذ القوانين الوطنية بموجب الإعلان الدستوري، يشكّل بدايةً مقبولةً يُبنى عليها ريثما يستكمل المسار لتحقيق العدالة الانتقالية.
واعتبر القانوني والحقوقي عارف الشعال في تصريح لـ»القدس العربي» أن ما تم إعلانه يؤشر على أن القضاء العادي في سوريا هو من سيحاكم أفراد النظام البائد الذين أُلقي القبض عليهم من المدنيين والعسكريين على حد سواء، معتبراً أنه لن تشكل محكمة خاصة لهم، وأنهم، وبعد انتهاء مرحلة التحقيق لدى قضاة التحقيق والإحالة، وهذه المرحلة سرّية بطبيعتها، سيحاكمون أمام محكمة الجنايات، وهي مشكلة من قضاة طبيعيين وسيتمتعون بكافة ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها بقانون أصول المحاكمات الجزائية مثل حق الدفاع والاستعانة بمحام، وجلسات علنية، وحق الطعن بالأحكام وغيرها، وهذه الضمانات التي طالما افتقدها المحالون لمحاكم النظام البائد القذرة. وفي السياق، رفض عضو «الجمعية السورية للقانون والعدالة» المحامي ميشال شماس، التوضيح الذي خرج به رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية وتحدث فيه عن تنسيق مسبق مع وزارة العدل والنائب العام.
وعبر عبر صفحته على «فيسبوك» عن قلق بالغ إزاء التنسيق الذي ينذر بتهميش فعلي للعدالة الانتقالية وانحراف عن نصوص الإعلان الدستوري ومرسوم تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، اللذين حصرا النظر في الانتهاكات الجسيمة بالهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، لا ضمن محاكم تشكّلت في عهد الانتهاكات ذاتها، وضمن قضاء يعاني من الترهل والفساد.
نصوص قانونية
وأكد أن إحالة الموقوفين إلى القضاء دون وجود نصوص قانونية تجرّم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، إنما يُشكل إخلالاً بالمبادئ القانونية ويفتح باباً واسعاً للطعن في الإجراءات، مشيرا إلى أن الدفاع عن المهتمين قد يعتمد على القاعدة القانونية «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، ما يُفضي إلى تبرئة الجناة، بغض النظر عن الأدلة، بسبب غياب النص القانوني.
ورأى أن التنسيق الثلاثي بين النائب العام ووزير العدل ورئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، يعتبر تجاوزاً لمبدأ استقلالية الهيئة، وتحييدا لصلاحياتها، وتفريغا لمشروع العدالة الانتقالية من محتواه، مطالبا بوقف أي إحالات قضائية إلى حين استكمال الهيئة وتشكيل لجانها، والإسراع في تشكيل المجلس التشريعي حتى يصار إلى إصدار قانون عدالة انتقالية يجرّم الانتهاكات الجسيمة وفق المعايير الدولية، وضمان استقلال الهيئة عن أي ضغوط سياسية أو مؤسسية.
- القدس العربي