وضع عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو هرمًا للاحتياجات الإنسانية يُعرف باسم نظرية هرم ماسلو للاحتياجات، وهي واحدة من أشهر نظريات علم النفس التي تشرح دوافع الإنسان.
تقوم نظرية ماسلو على أن الإنسان يسعى لإشباع احتياجاته وفق تسلسل هرمي، يبدأ من الاحتياجات الأساسية للبقاء، وينتقل تدريجيًا نحو الاحتياجات العليا، مثل تحقيق الذات. ويجب تلبية الاحتياجات من أسفل الهرم إلى أعلاه.
تنقسم الاحتياجات وفق هذا الهرم إلى نوعين:
•الخطوات الثلاث الأولى تتعلق باحتياجات النقص. إذا لم نلبِّ هذه الاحتياجات، فلن نتمكن من العمل بشكل صحيح، إذ يعمل النقص كقوة دافعة لإشباعها.
•الخطوتان الأخيرتان تتعلقان باحتياجات النمو، وهي ليست ضرورية للبقاء، ولكنها ضرورية لكي نكون سعداء وراضين عن أنفسنا.
تسلسل الاحتياجات في هرم ماسلو:
1.الاحتياجات الفيزيولوجية الأساسية: مثل الطعام، والماء، والنوم، والتنفس، والجنس.
2.احتياجات الأمان: مثل الأمان الجسدي، الأمان الوظيفي، والأمان الصحي، والاستقرار المالي.
3.الاحتياجات الاجتماعية (الحب والانتماء):
نحن البشر كائنات اجتماعية، نحتاج لأن نكون جزءًا من مجتمع، وأن نشعر بالانتماء. مثل الصداقات، والعلاقات العاطفية، والشعور بالانتماء. إذا لم تُلبَّ هذه الحاجة، فقد نشعر بالوحدة، ونعاني من القلق الاجتماعي أو الاكتئاب.
4.الحاجة إلى القبول والاحترام والتقدير: مثل احترام الذات، وتقدير الآخرين، والشعور بالنجاح والقيمة.
5.تحقيق الذات:
وهي قمة الهرم عند ماسلو، وتشير إلى تحقيق الإنسان لأقصى إمكاناته، كالإبداع، وحل المشكلات، والنمو الشخصي.
لا يمكن الانتقال إلى مستوى أعلى إلا بعد إشباع المستوى الأدنى بدرجة معقولة.
قراءة في المشهد السوري بعد الحرب وفقًا لنظرية ماسلو:
• الاحتياجات الفيزيولوجية الأساسية:
بعد انتهاء الحرب، فإن ملايين السوريين يفتقرون للطعام، والماء، والكهرباء، والمأوى، والخدمات الصحية. ناهيك عن مئات الآلاف من النازحين داخليًا، الذين يبحثون عن الحد الأدنى من مقومات البقاء. وبالتالي، فإن أي عملية إعادة بناء لا يمكن أن تبدأ قبل تأمين هذه الحاجات الأساسية للمواطنين.
• احتياجات الأمان:
بعد سقوط النظام، وانهيار مؤسسة الجيش، وحل جهاز الشرطة، وانتشار السلاح، بدأ الخوف من الانتقام الطائفي والتصفية الجسدية. بل إن جماعات عرقية وطائفية تسعى لحماية نفسها بطرق مسلّحة، مما يعمّق حالة انعدام الاستقرار والأمان.
لذا فإن إرساء دولة قانون شاملة للجميع ضرورة أساسية لتجاوز هذه المرحلة.
• العلاقات الاجتماعية والانتماء:
عمل النظام البائد على تفكيك المجتمع طائفيًا، وعرقيًا، وسياسيًا. الثقة الاجتماعية أصبحت مدمَّرة بين أبناء المجتمع الواحد، بسبب الانقسامات والجرائم التي ارتُكبت خلال فترة الثورة السورية.
وقد أدّى ذلك إلى أن يشعر الأفراد بأنهم غرباء في وطنهم، وجعل الطائفة أو العشيرة هي ملاذهم الوحيد.
وبناء عليه، فإن المصالحة الوطنية والمجتمعية، والعدالة الانتقالية، والاعتراف المتبادل بحقوق الجميع، ضرورية لبناء انتماء وطني جامع، وتعزيز الهوية السورية.
• احتياجات التقدير:
خلال فترة الثورة السورية والحرب، شعر كثير من السوريين بالهوان، نتيجة عمليات الاضطهاد والتعذيب الممنهج التي قامت بها سلطات النظام، ناهيك عن التهجير والنزوح، ومئات الآلاف ممن فقدوا أهلهم وأعمالهم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك جماعات وأفراد كانوا مهمَّشين سابقًا، يسعون اليوم إلى الانتقام أو فرض السيطرة.
على السوريين الاعتراف ببعضهم والقبول ايضًا ببعضهم على على الرغم من اختلافاتهم القومية، الدينية، العرقية والطائفية وعلى مستوى الريف والمدينة.
وهنا تأتي الحاجة إلى إعادة كرامة الإنسان السوري، من خلال المواطنة المتساوية، والتمكين الاجتماعي والاقتصادي.
• تحقيق الذات:
قد يصعب الحديث عن تحقيق الذات في بلد خرج للتو من حرب مدمّرة، أنهكت الإنسان والبنية والمجتمع، لكن السوريين قادرون على الإبداع والانخراط في بناء سوريا الجديدة، على أساس المواطنة، ودولة القانون، وتجاوز خطاب الكراهية.
إن قراءة المشهد السوري من خلال نظرية هرم ماسلو تبرز بوضوح أن إعادة بناء سورية لا يمكن أن تكون مجرد عملية إعمار للبنية التحتية، بل هي، أولًا وأخيرًا، عملية إعادة بناء الإنسان السوري على أسس جديدة من الكرامة، والأمان، والانتماء.
فإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين هو شرط ضروري لتحقيق الاستقرار، بينما العدالة والاعتراف المتبادل هما الطريق نحو مصالحة حقيقية.
أمّا تحقيق الذات، فهو الأمل الذي يلوح في الأفق لجيلٍ يتطلّع إلى مستقبل حر وعادل، في وطن يسوده القانون وتُصان فيه الكرامة الإنسانية.
فبقدر ما هُدِمَ هذا الهرم خلال سنوات الحرب، فإن إعادة بنائه تتطلب مشروعًا وطنيًا جامعًا، يضع الإنسان في المركز، ويؤسس لسوريا جديدة تسع جميع أبنائها دون إقصاء أو تمييز.
- كاتب سوري