ملخص
لا شيء يوحي، كما تقول سوزان مالوني من مؤسسة “بروكنغز”، بأن إيران التي صارت “أضعف وأكثر عزلة عما كانت عليه في الماضي وما عادت قادرة على فرض إرادتها على المنطقة أو حتى الدفاع عن حدودها، توقفت عن كونها لاعباً خطراً ومصدراً قوياً لعدم الاستقرار”، فهي “تحت” لا “خارج” اللعبة، وهي راهنت على أن تكون “فوق”.
لا حدود للحجم المنفوخ الذي أعطي في إسرائيل وقمة شرم الشيخ للرئيس دونالد ترمب، وهو أصلاً نرجسي ممتلئ بنفسه يمارس ما وضع الآباء المؤسسون الضوابط لمنعه وما تعترض عليه النخبة: الرئاسة الملكية.
لعل الترجمة العملية لشعار “أميركا أولاً” هي “ترمب أولاً”، فالرجل الذي جاء إلى القمة كأنه “ملك أميركا” واحتشد حوله أكثر من 20 رئيساً أوروبياً وعربياً وإسلامياً عاد إلى بلاده كأنه “ملك العالم”، وما بدأ ضيقاً عليه ليس فقط البيت الأبيض بل أيضاً غزة وكل الشرق الأوسط وحروبه والسلام فيه.
المشهد يوحي في الشكل أن مفتاح اللعبة في المنطقة صار في يد الرئيس الأميركي، والكل معه على الموجة: تركيا وإسرائيل ومصر وقطر والسعودية والإمارات وباكستان وإندونيسيا والعراق وسوريا ولبنان والبقية. فلا تحرك نحو السلام إلا بإشرافه، حتى في إكمال حرب نتنياهو على غزة، إذا ماطلت “حماس” في تنفيذ التزاماتها وعلى لبنان إذا استمر “حزب الله” في رفضه تسليم السلاح، فإن ترمب يعلن أن القرار بيده، وإذا كان يغمغم في الجواب عن سؤال حول “حل الدولتين” ويتحمس في المطالبة بتوسيع “اتفاقات أبراهام”، فإن “الجائزة” التي يطمح إليها، إلى جانب الجوائز التي يراها على مقربة منه وجائزة نوبل للسلام التي لم يحصل عليها، هي صفقة مع إيران.
ذلك أن ترمب كان يريد رؤية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بين الرؤساء في قمة شرم الشيخ، لكنه رفض المشاركة بعدما وجه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي الدعوة، والمعادلة التي يضعها أمام الجمهورية الإسلامية هي: إما صفقة وإما حرب، لكن الصفقة التي يريدها صعبة على طهران، والحرب التي يلوح بها خطرة عليها، فما يطلبه في الصفقة، فوق إغلاق المشروع النووي ونسيان تخصيب اليورانيوم في الداخل، هو “أن تتخلى عن الإرهابيين وتتوقف عن تهديد جيرانها وتمويل أذراعها وتعترف بحق إسرائيل في الوجود”، وما يهدد به في الحرب ليس مجرد التدمير بل إسقاط النظام بعد إنهاء المشروع الإقليمي الإيراني.
في المقابل، تؤكد إيران أنها لن تتخلى عن مشروعها، ولا عن أذرعها، ولا عن برنامجها النووي، ولا عن تخصيب اليورانيوم، وهي توحي، لا فقط أنها مستمرة في تقوية أذرعها في العراق ولبنان واليمن بل أيضاً أنها تعمل على استعادة سوريا التي يقول مسؤول إيراني إن “خسارتها تتخطى ما لدينا في العراق ولبنان واليمن”، ولا أحد يعرف “كيف يمكن أن تصل إيران وأميركا إلى مصالحة” يدعو إليها ولي نصر أستاذ القضايا الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز، حين يكون قرار طهران هو “تخليص الشرق الأوسط، لا فقط إيران، من أميركا”، وطبعاً بعد إزالة إسرائيل “الغدة السرطانية”، كما وصفها الإمام الخميني.
ولا شيء يوحي، كما تقول سوزان مالوني من مؤسسة “بروكنغز” بأن إيران التي صارت “أضعف وأكثر عزلة عما كانت عليه في الماضي وما عادت قادرة على فرض إرادتها على المنطقة أو حتى الدفاع عن حدودها، توقفت عن كونها لاعباً خطراً ومصدراً قوياً لعدم الاستقرار”، فهي “تحت” لا “خارج” اللعبة، وهي راهنت على أن تكون “فوق”.
الانطباع السائد لدى المراقبين هو أن “قوة اليأس” بعد سقوط الأسد وضرب “حماس” و”حزب الله” ستدفع ملالي إيران إلى امتلاك السلاح النووي كخيار وحيد، وقائد الجيش الجنرال أمير حاتمي يرى أن حرب الـ12 يوماً التي شنتها إسرائيل وأميركا كانت “بالنسبة إلينا دروساً تعادل 12 عاماً”.
أما قادة الحرس الثوري، فإنهم يبالغون كالعادة في القدرة على إحراق إسرائيل والقواعد والمصالح الأميركية في المنطقة وإخراج واشنطن من الشرق الأوسط، وهم، كما يرى عباس ميلاني المتخصص في الشؤون الإيرانية في جامعة ستانفورد، “يظنون أنهم اشتروا الصين بالنفط وصفقات أخرى”، والواقع أن روسيا والصين لم تفعلا أكثر من الإدانة اللفظية لحرب إسرائيل وأميركا على إيران.
ولا مجال للهرب من صدام المشاريع والإستراتيجيات، فما بدأه ترمب بوقف الحرب في غزة لن يصمد من دون أن يكتمل بسلام في الشرق الأوسط، والسلام يبقى ناقصاً ومهدداً من دون إنهاء المشروع الإيراني المعاكس للمشروع الأميركي.
وما بدأته الجمهورية الإسلامية منذ أربعة عقود بتأسيس ميليشيات أيديولوجية مسلحة في المنطقة، وهو أمر لم تقم به أي قوة إقليمية أو دولية، لن تتخلى عنه لأن نهايته تعني نهاية دور الملالي وحتى النظام، وهي تعمل على خطين: أولهما الإصرار على استمرار الانتشار العسكري في المنطقة بالوكالة عبر أذرعها، أياً كانت قوة الضربات عليها، مع تفكيك النسيج الاجتماعي في البلدان العربية وفصل الشيعة عن بقية المكونات.
وثانيهما ما يمكن أن يسمى “إستراتيجية المسمار” أي الصمود، فالمرشد الأعلى علي خامنئي يردد دائماً قصيدة معبرة للشاعر الراحل محمد تقي بهار، جاء فيها: “صمود المسمار وثباته عبرة للبشر، كلما حاولوا تحطيم رأسه، بقي في مكانه واستمر”، لكن أميركا التي جربت دق المسمار واكتشفت أنه صامد في مكانه، تلجأ في هذه الأيام إلى إستراتيجية قلع المسمار لا دقه، وهذا هو التحدي الجديد أمام ملالي إيران، وهم ليسوا انتحاريين وإن كانوا يدفعون الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري إلى مغامرات قريبة من الانتحار السياسي.
وقديماً قال ماكيافيللي إن “القوة هي المحور الذي يدور حوله كل شيء”.
- إندبندنت



























