شقّ موكب الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع طريقه من أرض مطار موسكو نحوَ الكرملين للقاء الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين. في تلكَ الأثناء تغيّر الكثير. كانت وسائل الإعلام تتناقل أخباراً تُفيد أنّ بشّار الأسد يقضي أكثر أوقاتهِ أمام شاشات ألعاب الفيديو وتطبيق واتساب.
ربّما شاهدَ الأسد موكبَ الشّرع يسير في شوارعِ موسكو عبر البثّ المُباشر. ربّما شاهده من شرفةِ أو شبّاك المنزل الذي يقطنُ فيه في العاصمة الرّوسيّة. لا أحدَ يعرف.
حفاوة لم يحظَ بها الأسد
لكنّ الأكيد أنّ زيارة أحمد الشّرع لروسيا، حليفة الأسد سابقاً، لم تُشبه أيّاً من زيارات بشّار للكرملين. لم يأتِ لطلبِ التدخّل العسكريّ، ولا لسَماعِ ما لدى بوتين من عروضِ وساطةٍ مع الرّئيس التّركي رجب طيّب إردوغان. لم يمنعهُ ضابطٌ من الجيش الرّوسيّ من السّير كتفاً إلى كتفٍ مع “القيْصر” كما حصلَ مع بشّار الأسد في اللقطةِ الشّهيرة في مطار حميْمم. على العكس تماماً، حرصَ الرّوس على استقبال الشّرع بحفاوةٍ لم يسبق أن استُقبِلَ بها الأسد طوال السّنوات الـ15 الأخيرة.
كانت زيارة الشّرع للعاصمةِ الرّوسيّة زيارة رئيسِ دولةٍ. كثيرةً كانت ملفّات البحثِ بين الرّئيسيْن والوفديْن الرّسميَّيْن. حضرَ على طاولةِ المباحثات الرّوسيّة – السّوريّة، التي سعَت إلى عقدها أنامل تُركيّة، ملفّ الجنوب السّوريّ والسّاحل ومناطق الأكراد.
حضرَ أيضاً دور موسكو في مجلس الأمن الدّوليّ، بالإضافةِ إلى دورِها في سوريا، الذي يمتدّ إلى 80 سنةً مضت، كما صرّحَ بذلك فلاديمير بوتين أثناء لقائه الشّرع.
تكشفُ معلومات “أساس” أنّ الشّرعَ طلبَ من الرّئيس الرّوسيّ ألّا تلجأ روسيا إلى استعمال “الفيتو” في مجلس الأمن
مواجهة مشروع التّقسيم الإسرائيليّ
الأصلُ في زيارة الشّرع هو إدراكُ القيادة في دمشق أنّ إسرائيل ماضيةٌ في مشروعها لتقسيم سوريا انطلاقاً من الجنوبِ السّوريّ. هذا الاستنتاج يتشاطره المسؤولون الأتراك مع نظرائهم السّوريّين. هذا ما دفعَ أنقرة إلى العمل على ترتيب زيارة الشّرع لموسكو، انطلاقاً من قناعةٍ لدى الأتراك أساسها أنّ الدّور الرّوسيّ لا غنى عنه لإرساء التّوازن ومنع إسرائيل من تقسيم سوريا.
تُعتبر مسألةُ وحدة الأراضي السّوريّة أساسيّة بالنّسبةِ للقيادة في دمشق، وما أجّل بتّ توقيعِ الاتّفاق الأمنيّ بين سوريا وإسرائيل في شهر أيلول الماضي هو تمسّك إسرائيل بالسّيطرة الأمنيّة على الجنوب السّوريّ وجبل الشّيخ والسّماء السّوريّة وصولاً إلى العاصمة دمشق. وهذا ما ترفضه دمشق بالمُطلق.
يُفنّد مصدرٌ من الكرملين لـ”أساس” الأسباب التي تجعل روسيا لاعباً أساسيّاً في منعِ تقسيم سوريا كما يلي:
1- تتمتّع روسيا بعلاقةٍ جيّدة مع أبناء الطّائفة الدّرزيّة في جنوب سوريا. عمِلَت موسكو طوال العاميْن الأخيرَيْن من عمرِ نظام بشّار الأسد على كبحِ جماحه إلى اقتحامِ محافظة السّويداء بعد التظاهرات التي خرجَت ضدّ النّظام حينذاك. ويكشف المصدر أنّ الزّعيم الدّرزيّ وليد جنبلاط لعبَ دوراً أساسيّاً في تلكَ المرحلة عبر تواصلهِ مع الرّوس لمنع الأسد من اقتحام السّويداء.

2- تتمتّع روسيا أيضاً بعلاقاتٍ جيّدة مع أبناء الجنوب السّوريّ من السّنّة انطلاقاً من تجربة “المصالحات” التي كانت أثناء حكم الأسد، والتي سمَحَت ببقاء نسبة كبيرة من أبناء درعا ومناطق الجنوب في المنطقة وعدم تسليم سلاحهم، ووطّدت علاقاتها معهم.
3- تستطيع روسيا عبر علاقاتها مع أبناء الطّائفةِ العلويّة منع أيّ تكرارٍ لسيناريو السّويداء في السّاحل السّوريّ. إذ ترصدُ أكثر من جهةٍ فاعلةٍ في سوريا مؤشّرات إلى إمكان اندلاع “انتفاضةٍ علويّة” في المنطقة. مكمنُ الخطرِ في هذا السّيناريو أن يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو إلى تكرار تدخّلهِ في السّاحل على غرار السّويداء، تحت حجّة “حماية الأقلّيّة العلويّة”، وهو ما قد يتيحُ للعلويّين إقامة منطقة حكم ذاتيّ في السّاحل.
تضمّنت زيارة الشّرع لموسكو أيضاً طلبات سوريّة تتعلّق بقطاع الطّاقة والغذاء والدّواء وحتّى السّلاح
إنّ أكثر القيادات الأمنيّة والعسكريّة الأساسيّة للنّظام المخلوع تُقيم في روسيا. هذا ما يتيحُ أيضاً أن تلعبَ روسيا دوراً أساسيّاً في الحفاظ على وحدةِ الأراضي السّوريّة.
4- لا تزال روسيا تتمتّع بعلاقات متينةٍ مع كثيرٍ من الفصائل الكُرديّة المنضوية تحت لواء “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” المُنتشرة في شماليّ شرق سوريا.
5- بإمكان روسيا توسيع انتشارِ جنودها، خصوصاً من خلال تسيير دوريّات في جنوب سوريا، فتحدّ من حركة الطّائرات الإسرائيليّة. إذ إنّ تل أبيب وإن كانَ يُحتَملُ أن تقع في مواجهة محدودة مع تركيا، لكنّها قطعاً لا ترغب بأيّ مواجهةٍ مع روسيا.
لم تنحصر المباحثات في مسألة منع تقسيم سوريا والحفاظ على وحدتِها. إذ تكشفُ معلومات “أساس” أنّ الشّرعَ طلبَ من الرّئيس الرّوسيّ ألّا تلجأ روسيا إلى استعمال “الفيتو” في مجلس الأمن في وجهِ أيّ قرارٍ يدين الاعتداءات الإسرائيليّة على سوريا، أو يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من المناطق المُحتلّة في الجنوب السّوريّ. وتحرصُ موسكو على أن تكونَ على تناغم دبلوماسيّ مع الصّين في ما يخصّ هذه المسألة.
السّلاح والطّاقة…
تضمّنت زيارة الشّرع لموسكو أيضاً طلبات سوريّة تتعلّق بقطاع الطّاقة والغذاء والدّواء وحتّى السّلاح:
1- طلبَ الجانب السّوريّ من موسكو أن تعودَ الشّركات الرّوسيّة العاملة في مجال الطّاقة السّوريّ إلى العملِ في الحقول والآبار التي تلتزمها بحسب عقودٍ رسميّة مع الدّولة السّوريّة. في هذا الإطارِ أبلغَ الشّرع بوتين أنّ دمشق تحترمُ الاتّفاقات المُوقّعة بين موسكو ودمشق ما دامت لا تنتقصُ من السّيادة السّوريّة.
2- تخلّلَت مباحثات الفريقَيْن الرّوسيّ والسّوريّ مفاوضات تقنيّة في صيانة معامل الكهرباء والسّدود السّوريّة ومعامل النّسيج التي شُيّدَ أغلبها أيّام الاتّحاد السّوفيتيّ السّابق. إذ إنّ دمشق تلحظُ ضرورةً لصيانةِ هذه المعامل والمصانع بالشّراكة مع موسكو لأنّها شُيِّدَت بإشراف مهندسين روس وتعمل بتقنيّات روسيّة وتتوافر قطع غيارها لدى موسكو.
يُفنّد مصدرٌ من الكرملين لـ”أساس” الأسباب التي تجعل روسيا لاعباً أساسيّاً في منعِ تقسيم سوريا
3- بحثت الزّيارة أيضاً مساعدة روسيا في بناء الجيش السّوريّ الجديد، بخاصّة أنّ كثيراً من ضبّاط الجيش السّابق الذين لم يُدانوا بقتل الشّعب السّوريّ تلقّوا التدريبات في روسيا، وأغلبيّة قطع السّلاح التي كانت موجودة في مخازن جيش بشّار الأسد وانتقلت إلى الإدارة الجديدة هي من صناعةٍ روسيّة وتحتاج إلى صيانةٍ وقطعِ غيار.
4- طوال السّنوات الماضية كانت روسيا هي المُورّد الأساسيّ للقمح وبعض السّلع الغذائيّة والدّواء إلى سوريا. وهذا ما نوقِشَ أيضاً في زيارة الشّرع لموسكو، فأعربَ المسؤولون الرّوس عن استعدادهم لتزويد سوريا بما تحتاج إليه من قمحٍ وموادّ غذائيّة وطبيّة على أن يُفعَّل دور لجان التّواصل عبر الوزارات المعنيّة بين دمشق وموسكو في القريب العاجل.
أمّا عن مسألة تسليم بشّار الأسد لدمشق، فيقول المصدر إنّ الرّئيس الرّوسيّ لن يُسلِّمَ الأسد، لكن في الوقت عينه تتفهّم موسكو أنّ أيّ مسؤولٍ سوريّ يزورها سيكون من الطّبيعيّ أن يطلبَ تسليمَ بشّار على الرّغم من معرفتهم المُسبقة بموقف بوتين من ذلك.
- أساس ميديا


























