ملخص
تتجه الأنظار إلى سوريا، حيث يترقب لبنان مآلات المشهد السياسي هناك، فالوحدة السورية تعيد إحياء “اتفاق الطائف” وتثبت التوازنات الإقليمية، بينما التقسيم أو الفوضى يهددان بخلط النظام والحدود معاً. وفيما تتراجع موسكو خلف الحرب الأوكرانية، تتحرك الرياض لترميم الموقف العربي وتحصين استقرار المشرق.
لا يمكن للبنان أن ينام إذا كانت سوريا تحلم، ولا يمكنه أن يحلم إذا كانت سوريا تنزف. فالبلدان على رغم الحدود والاختلافات محكومان بقدر واحد، إذا اشتعلت دمشق ترتجف بيروت، وإذا انطفأت الفوضى في حلب يهدأ الجنوب اللبناني، كأن التاريخ كتب عليهما أن يتنفسا الهواء نفسه، وأن يدفعا الثمن نفسه. ومنذ أكثر من عقد تتقلب سوريا بين رماد الحرب وخرائط القوى، فيما يراقب لبنان المشهد كمن يقرأ نجاته أو سقوطه في عيون الآخرين.
تتوحد سوريا… أو تتفكك؟ سؤال يتجاوز حدودها لأن إجابته قد تعيد رسم وجه لبنان ونظامه ومعادلاته الطائفية والسياسية، فالوحدة السورية تعني استقراراً عربياً يعيد “الطائف” إلى الحياة، أما التقسيم فيعني زلازل جديدة تضعف الحدود وتغري الجغرافيا بالانتقام.
هنا، في هذه المسافة الخطرة بين الوحدة والانقسام، وبين “الطائف” والسيادة، تتقاطع مصالح الدول، وتتحرك روسيا وتركيا، فيما تقف إسرائيل على التل تراقب وتخطط.
وحدة سوريا مفتاح استقرار لبنان
في السياق كشف مصدر أمني مطلع لـ”اندبندنت عربية” عن أن “مستقبل سوريا سينعكس تلقائياً على لبنان وواقعه السياسي”، وفي رأيه فإن “أي تطور في سوريا سيرتد على لبنان، فإذا بقيت سوريا موحدة سيبقى لبنان موحداً، وسيطبق اتفاق الطائف، أما في حال الوصول إلى تقسيم أو نظام فيدرالي فسيتغير النظام في لبنان تبعاً لذلك”. ورأى المصدر أن “روسيا قد تؤدي دوراً محورياً سواء على صعيد ضمان الأمن والاستقرار الميداني أو رعاية تسوية محتملة بين القوى الإقليمية المتصارعة على الأرض السورية. وفي أي سيناريو يتجه نحو التقسيم أو الفيدرالية، لا يمكن إغفال الدورين الإسرائيلي والتركي، سواء عبر الوجود العسكري المباشر أو النفوذ السياسي والأمني الذي يحدد خرائط السيطرة والتوازنات على الأرض”. واعتبر أن “الموقف السعودي يبقى أساسياً، فعندما ترغب السعودية برؤية سوريا موحدة وتؤمن مطالب تركيا وإسرائيل الأمنية، سينعكس ذلك طبيعياً على لبنان، إذ ترى الرياض أن نجاح التسوية في سوريا يعني تعزيز نفوذها في لبنان، بالتالي الدفع بتطبيق الطائف برعاية سعودية”. وبحسب المصدر نفسه فإن “أي تحول سوري سينعكس على لبنان بتداعيات متفاوتة، سلبية على بعض الأطراف وإيجابية على أخرى. ففي حال تحققت وحدة سوريا ولبنان سيكون (حزب الله) والبيئة الشيعية أكبر الخاسرين، لأن الحزب بنى استراتيجيته على كونه حلقة وصل بين إيران ولبنان وفلسطين ضمن مشروع ذي طابع عسكري في مواجهة إسرائيل. وإذا حلت أزمة غزة وقطعت الصلة الجغرافية بين إيران ولبنان عبر سوريا، تسقط الركيزة الاستراتيجية للمشروع الإيراني بين طهران وفلسطين، ويبقى للبنان دور الورقة الأخيرة، خصوصاً إذا فرض القرار 1701 جنوب الليطاني، حيث سيجد الحزب نفسه مضطراً إلى لتشدد داخلياً شمال الليطاني استعداداً للمرحلة المقبلة”. ووضع المصدر مسارين أمام لبنان “وحدة سوريا ولبنان، أي تطبيق (الطائف) كاملاً، توزيع الأدوار بين القوى، وإجبار (حزب الله) على التراجع، بما يفرض على إيران الرضوخ للتوجهات الإقليمية، تنسيقاً مع السعودية أو تحت ضغطها. أما السيناريو الثاني، انقسام سوريا ينعكس مباشرة على لبنان، الحدود اللبنانية – السورية تتحول إلى مسرح للتوتر، ولن يقبل النظام السوري بوجود مناطق معادية له في البقاع الشرقي أو شمال الهرمل، مما قد يفتح الباب أمام عمليات عسكرية حدودية”.
توحيد الموقفين العربي والإسلامي
من جهته رأى المحلل السياسي سام منسى أن “مستقبل لبنان يجب ألا يبقى رهينة لما يجري في سوريا، إذ لدى لبنان مشكلاته البنيوية الخاصة المرتبطة بالنظام الطائفي والعلاقات الداخلية والإقليمية المعقدة”. ولفت إلى أن “الحديث عن تقسيم سوريا أو فدرلتها لا يبدو مطروحاً فعلياً الآن، في ظل عودة الاهتمام العربي والدولي بالحفاظ على وحدة الدولة السورية”، مضيفاً “ليس من مصلحة أي قوة إقليمية الذهاب إلى التقسيم، باستثناء أطراف ترى فيه منفعة فئوية أو طائفية، كإيران التي قد تسعى إلى الاحتفاظ بمنطقة نفوذ في المشرق”، وأشار منسي إلى أن “لبنان يمكنه التحصن من انعكاسات الأزمة السورية إذا تعامل مع استحقاقاته الداخلية بجدية، تطبيق الطائف، معالجة السلاح غير الشرعي، وضبط العلاقة المتوترة مع إسرائيل”، مؤكداً أن “من الخطأ ربط مصير لبنان مباشرة بما قد يجري في سوريا لأن ذلك يعمق التبعية بدلاً من أن يؤسس لاستقلال القرار اللبناني”.
وعن احتمال فرض القرار 1701 جنوب الليطاني مع تراجع الصلة الجغرافية بين إيران ولبنان عبر سوريا، قال منسي إن “(حزب الله) ما زال يعد شريانه الحيوي يمر عبر سوريا، ويعمل للحفاظ عليه لوجيستياً وسياسياً، لكنه يبدو في حال تكيف داخلي أمام عزلة لبنانية متزايدة وضغوط داخل بيئته الشيعية، مع إعادة تموضع شمالاً وشرقاً تحسباً لأي تفلت ميداني”.
وفي ملف الأدوار الخارجية رأى منسي أن “روسيا باتت غائبة إقليمياً بفعل انشغالها بالحرب الأوكرانية وتراجع حضورها في الشرق الأوسط، وإن بقيت حاضرة عسكرياً داخل سوريا، فيما تتحرك السعودية ضمن مشروع عربي أوسع لتوحيد الموقفين العربي والإسلامي وتثبيت الاستقرار عبر مقاربة شاملة تنهي الأزمات المفتوحة في سوريا ولبنان واليمن”، مؤكداً أن “مستقبل لبنان مرهون بقدرته على تحصين ذاته وإعادة بناء مؤسساته”، داعياً إلى “فصل المسارين السوري واللبناني لضمان الاستقرار واستعادة السيادة”.
التقسيم مشروع إسرائيلي واستقرار سوريا مصلحة لبنانية مباشرة
بدوره قال المتخصص العسكري والاستراتيجي العميد أكرم سريوي إن “أي استقرار أو فوضى في سوريا ينعكس مباشرة على لبنان”، مشيراً إلى تنسيق أمني متزايد بين بيروت ودمشق لضبط الحدود ومكافحة التهريب. ولفت إلى أن زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى لبنان “ركزت على ملف الموقوفين السوريين وضبط الحدود، عبر سلسلة اجتماعات بين مديري الأمن العام ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدين، وناقشت آليات مكافحة التهريب من السلاح والمخدرات إلى السلع الغذائية”. وأوضح أن “الحدود تضم أكثر من 112 معبراً غير شرعي، أقفل الجيش اللبناني عدداً كبيراً منها، فيما لا يزال بعضها ناشطاً خصوصاً شمالاً”. ووصف سريوي أزمة النزوح بأنها “قضية وطنية شائكة، إذ يقارب عدد النازحين السوريين في لبنان المليونين وسط غياب حلول عملية للعودة وضعف تدخل المجتمع الدولي، في وقت لا تزال المنازل مدمرة والأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا غير مهيأة لاستقبال العائدين”، وفي رأيه فإن “استقرار سوريا يفتح الحركة التجارية عبر المعبر البري الوحيد للبنان نحو الدول العربية، ويمنح بيروت دوراً مركزياً في إعادة الإعمار كمركز مالي ولوجيستي، مما ينعكس انتعاشاً اقتصادياً”، وحذر سريوي من أن “مشروع تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية ودرزية وعلوية وسنية وكردية مشروع إسرائيلي بامتياز يهدف إلى خلق محيط متجانس مع هوية إسرائيل كدولة يهودية”، معتبراً أن “نجاحه سينقل العدوى المذهبية إلى لبنان ويضعف كيانه الديموغرافي، خصوصاً مع وجود قرابة مليوني نازح سوري ونحو نصف مليون لاجئ فلسطيني مقابل تراجع أعداد المقيمين اللبنانيين”.
“حزب الله” بين القرار 1701 وضغوط الداخل
وفي توازن الردع رأى سريوي أن “سوريا لم تعد قاعدة خلفية لإمداد ’حزب الله‘ بالسلاح كما في السابق بعد انقطاع خطوط الإمداد، لكن الحزب طور قدراته الذاتية في التصنيع والتمويل، على غرار تجربة ’حماس‘ في غزة”، وأكد أن “الجيش اللبناني يعمل على منع تهريب السلاح والأموال غير الشرعية ويطبق القرار 1701 تدريجاً، وقد تسلم أكثر من 300 موقع جنوب الليطاني كانت للحزب وأخليت بالكامل”. وعلى رغم الضربات الإسرائيلية رأى سريوي أن “قدرات الحزب الأساسية لا تزال محصنة تحت الأرض في مناطق جبلية ووعرة، مما يجعل نزع السلاح بالقوة مهمة معقدة، لذا تضغط إسرائيل سياسياً ودولياً”، وختم بأن “الحزب لا يبدو ذاهباً إلى حرب، بل يربط سلاحه بـاستراتيجية الأمن القومي اللبناني وبـضمانات دولية تشمل عودة السكان وتنفيذ القرارات الدولية ومنع منطقة عازلة إسرائيلية في الجنوب”.
- إندبندنت


























