مصائر المخفيّين قسراً في سوريا، تحوّلت من قضيّة إنسانية وجريمة دولية إلى ملفّ سياسي، خصوصاً بعد وصول “هيئة تحرير الشام” سابقاً إلى الحكم، ومحاولة حصر الانتهاكات التي شهدتها سوريا بجرائم نظام الأسد، حسب الإعلان الدستوري الجديد.
آلاف السوريين مخفيّون قسراً في سوريا منذ العام 2011، مصائرهم ما زالت مجهولة إلى الآن، حتى بعد سقوط نظام الأسد وتأسيس الحكومة الانتقالية.
لكنّ جريمة الإخفاء القسري ليست حكراً على النظام السوري وحده، فأطراف الصراع والجماعات الإسلامية المتطرّفة في سوريا، مثل “هيئة تحرير الشام” سابقاً، وفصائل “الجيش الوطني”، و”قوّات سوريا الديموقراطية”، متّهمة بالممارسة ذاتها أيضاً، وفقاً لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
مصائر المخفيّين قسراً في سوريا، تحوّلت من قضيّة إنسانية وجريمة دولية إلى ملفّ سياسي، خصوصاً بعد وصول “هيئة تحرير الشام” سابقاً إلى الحكم، ومحاولة حصر الانتهاكات التي شهدتها سوريا بجرائم نظام الأسد، حسب الإعلان الدستوري الجديد.

بعد سقوط “تنظيم الدولة”، لا تزال ملفّات الآلاف من المخفّيين قسراً مفتوحة دون إجابات، وتعيش عائلاتهم في دوّامة أمل وألم، بين البحث عن معلومة أو رفات، أو حتى الحصول على ما يُثبت وفاتهم.
واحد من هؤلاء، هو شقيق المصوّر الصحافي آراس حمّو، فرهاد حمّو مراسل محطّة “روداو” الإخبارية، الذي اختفى بتاريخ 15/12/2014 في ريف القامشلي الشرقي على الطريق الدولي، وكان حينها في طريقه لإعداد تقارير صحافية في منطقة تلّ كوجر/ اليعربية.
يقول حمّو: “حاجز تابع لتنظيم داعش أوقفه، ومن ذلك الحين لم تصلنا أيّ معلومات مؤكّدة عنه، ولم نحصل على أيّ معلومة عن مكان وجوده، وما زال مصيره مجهولاً حتى اليوم”.
ويصف حمّو مشوار العائلة الطويل للبحث عن شقيقه قائلاً: “منذ اليوم الأوّل لاختفائه بدأنا بالبحث عنه بكلّ السبل. تواصلنا مع ناشطين، ومنظّمات حقوقية، وعشائر عربية في تلّ براك وتلّ حميس والهول والشدادي والرقّة، وقمنا بتقديم بلاغات وشهادات لأكثر من جهة محلّية ودولية. كما حاولنا الوصول إلى شهود عيان، أو أيّ شخص يمكن أن يكون لديه معلومة عن مصيره، لكن دون جدوى”.
كما شمل البحث وفقاً لحمّو الأمم المتّحدة نفسها “أرسلنا بيانات إلى لجان التحقيق التابعة للأمم المتّحدة، وإلى جهات معنيّة بملفّ المفقودين، لكنّ الاستجابة كانت محدودة جدّاً”.
وعن الأدوار الحكومية يوضح ” تواصلنا بشكل مباشر مع الكثير من الجهات الحكومية، لكن لم نتلقَّ أيّ ردّ واضح أو تعاون حقيقي”.
استمرّت جهود البحث بعد سقوط النظام، يقول حمّو: “حتى اللحظة، لم تقدِّم أيّ من الجهات الرسمية خدمة فعلية أو معلومة دقيقة تساعد في معرفة مصير أخي ومن معه”، خاتماً حديثه: “العدالة لا تكون فقط بكشف مصير أحبائنا، بل بمحاسبة كلّ من تورّط في إخفائهم، مهما كانت الجهة”.
شهد ريف كوباني أيضاً خطف العشرات من أبنائه على يد تنظيم “داعش”، في حديثه مع موقع “درج”، قال بوزان كرعو: “خلال اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مدينة كوباني، بتاريخ 20-9-2014، اعتُقل 11 شخصاً من قريتنا إيتويران، التي تبعد 27 كيلومتراً جنوب كوباني. وقد جرى تحذير النساء من التوجّه نحو القرى والمناطق الكردية، وتوجيههن صوب القرى العربية، حيث مكثن لدى إحدى العائلات العربية قرابة 20 يوماً، قبل أن يعدن إلى منزل أحد الوجهاء الكرد في ريف كوباني”.
من جهته، قال درويش محمّد كرعو، أحد أبناء القرية الذين خطفهم “داعش”، وأُطلق سراحه فيما بعد: “تمّ نقل المخطوفين إلى ناحية صرين التابعة لكوباني، وبعد 6 أيّام جرى نقلهم إلى منبج وتسليمهم لقسم الأمنيات، الذي كان يتّخذ من فندق منبج مقرّاً له. وبعد قرابة شهرين ونصف، نُقلوا إلى مدينة الباب لإخضاعهم لدورة شرعية، واعتبارهم من رعايا ما يسمّى بالدولة الإسلامية”.
ووصف كرعو الخطف حينها قائلاً: “بعد مضيّ شهرين، أُطلق سراح والدي المسنّ الذي كان معنا، ثم أُطلق سراح ثلاثة من أبناء عمّي. وبعد ثلاثة أشهر، أُطلق سراحي مع شقيقي الأصغر، وذلك بعد نقلنا إلى مدينة الباب لاتّباع الدورة الشرعية”، وأضاف: ” بقي خمسة أشخاص في منبج، من بينهم شقيقي الأكبر”.
وأوضح كرعو أن “إطلاق سراح المخطوفين كان يتمّ بشكل مزاجي لدى داعش؛ فكلّ أمير كان مسؤولاً عن عدد من الأشخاص، ويتصرّف بمصيرهم كما يشاء، دون أن يحقّ لغيره التدخّل”، وقال: “التهم والأسئلة التي وُجهت إلينا، كانت حول العلاقة مع قوّات الحماية الشعبية، والتحالف الدولي، والأحزاب الكردية”.
وأكّد “لا يزال مصير 13 فرداً من عائلتي مجهولاً، من بينهم شقيقي، وخمسة من أبناء عمّي، وابن خالي، والبقيّة من أقاربي”.
وأشار كرعو، الذي يشغل منصب عضو رابطة “مشته نور” لأهالي المخطوفين لدى “داعش” في كوباني، إلى أنهم تواصلوا عدّة مرّات مع النظام السوري السابق، دون أيّ نتيجة أو اعتراف بوجود مخفيين على يد “داعش”.
وقال: “الإدارة الذاتية تعاونت معنا لفترة، وسمحت لنا بلقاء بعض أمراء داعش داخل سجونها. كما تواصلنا مع الحكومة السورية الحالية عبر رابطة عائلات قيصر، لكن دون الحصول على أيّ جواب. كذلك راسلنا المؤسّسة المستقلّة المعنيّة بالمفقودين في سوريا، من دون نتيجة حتى اليوم”.
“مستمرّون في البحث عن مصيرهم”
المحامي الكردي (ك.ن) قال لـ”درج”: “كثيرون اختفوا على أيدي العديد من الجهات، التي كانت مسيطرة على طول الجغرافيا السورية، لهذا تواصلت اللجنة المخصّصة لمتابعة شؤون المفقودين مع الحكومة السورية المؤقّتة، التي ليس لديها رؤية وعمل منظم واضح”.
وأضاف أنه خلال الشهر السابع “تمّ تشكيل هيئة خاصّة بالمفقودين، فنحن نرغب في لفت انتباه العالم كلّه إلى مأساة هذه الشريحة من الشعب، التي يتوجّب على حكومة دمشق والأمم المتّحدة إيجاد حلول لها، فإمّا البحث عن المخطوفين وإمّا اعتبارهم شهداء وإصدار شهادات وفاة، لإن الكثير من القضايا عالقة بسبب اختفائهم”.
وثّقت رابطة “مشته نور” لأهالي المخطوفين لدى “داعش” اختفاء أكثر من 500 شخص على يد هذا التنظيم، الذي تنتشر أخبار متناقضة عن عودته إلى النشاط في سوريا، واستهداف قياداته من قِبل قوّات التحالف.
وختم المحامي حديثه قائلاً: “الجماعات الراديكالية مثل داعش وغيرها، كثيراً ما خطفت أبرياء، بخاصة من أبناء الشعب الكردي، إضافة إلى بعض الفصائل المسلّحة التي كانت لا تعوزها الأسباب لممارسة الخطف، كما أنه في قضيّة المغيّبين قسراً، ليس هناك تمييز بين جهة متّهمة عن أخرى، وقسد لن تكون الاستثناء في القاعدة، هي أيضاً متّهمة ولديها مخطوفون، ولم تعلن عن مصيرهم شيئاً”.
تواصلنا من “الهيئة الوطنية للمفقودين”، ووجّهنا لها عدّة أسئلة بخصوص المخفيّيين قسراً على يد تنظيم “داعش”، فأجابت زينة شهلا المستشارة الإعلامية، إن “الهيئة المشكّلة بمرسوم رئاسي، تعمل لصالح جميع السوريين دون تمييز، وتتعاون مع كافّة الأطراف ذات الصلة بملفّ المفقودين، سواء داخل سوريا أو خارجها، للكشف عن مصيرهم، وتقديم الدعم اللازم لعائلاتهم، وقالت إن الهيئة ما زالت “في مرحلة تطوير النظام الداخلي، وتنظيم طرق الإبلاغ وبناء قاعدة البيانات”.
-كاتب سوري
- درج
























