بدا الرئيس السوري أحمد الشرع متفائلاً جداً في اللقاء الذي أجراه على هامش مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، وأظهر سعادةً زائدة، وهو يقول إن اليوم كان عيد ميلاده، وربما من المصادفات الحسنة أنه ولد في الرياض تحديداً. ذكر الشرع أن وقائع مالية ظهرت على الأرض، وأكّد أن سورية استقطبت حوالى 28 مليار دولار، بينما لم تمضِ سنة على تسلّمه زمام الأمور في سورية. لا يبدو الرقم كبيراً في ميزان الاحتياجات السورية، فهناك نقص شديد في كل شيء تقريباً، وزادت الحكومة من سعر الكهرباء في الأيام الماضية، وهو مؤشّر ذو دلالة، ولكن التدفق الاستثماري الذي يأمل الشرع أن تستقطبه سورية قد بدأ، والمليارات التي تحدّث عنها تُعتبر البداية في مسيرة التعافي الاقتصادي. بملاحظة سلوكه، يبدو الاقتصاد دافع الرئيس الشرع الأساسي، فمعظم تحرّكاته تصبّ في هذا، بما في ذلك رحلته إلى السعودية، وحضوره فيها مؤتمراً استثمارياً، في مشهد يفصح عن النيات المأمولة لسورية التي يقودها.
تسهم تطلعات الشرع وتفاؤله في دعم نهجه الاقتصادي، واستمرار ظهوره بهذا الشكل يشجّع المبادرات الاستثمارية الدولية والفردية، ولكن يجب الاعتراف بأن الجبهة السورية تواجه استعصاءً سياسياً واسعاً في الجنوب والشرق، وهي بقع توتر تؤثر سلباً في الزخم الذي يطلقه خلال تحرّكه الاقتصادي، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على أكثر من ربع مساحة البلاد، ويدلي قادتها بتصريحاتٍ متضاربةٍ بشأن مسألة الانضمام إلى الحكومة المركزية في دمشق، وما زالت تُحكم قبضتها على ثلاث محافظات على درجة كبيرة من الأهمية، وكان الشرع قد تحدّث عن وفرة في الغاز والنفط في البلاد، ولكن “قسد” تسيطر حالياً على معظم هذه الثروة، وهي لا تستثمرها بالشكل الصحيح لدفع الاقتصاد المنهار. وحتى اللحظة، يبدو أفق التحركات “القسدية” غير واضح، وموعد تنفيذ الاتفاق معها في نهاية العام يقترب من دون أي بوادر تُحسب لصالح الحل النهائي، باستثناء تصريحات غائمة لا يُفهم منها الكثير. وكان الشرع قد اختار طريق التفاوض مع “قسد”، معتبراً هذا أسلوب حل واقعي، منحياً الاحتكام إلى السلاح، في خطوة يمكن أن تؤخّر الحل، ولكنها أضفت مناخاً هادئاً، وإن مؤقتاً، سهّلت استقطاب المليارات التي دخلت السوق السورية بالفعل.
بالإضافة إلى واقع شرق البلاد، هناك أيضاً عقدة السويداء في الجنوب. ورغم الرقعة الضيقة التي تحتلها هذه المحافظة، إلا أن حالتها السياسية تبدو أكثر تعقيداً من الحالة “القسدية”. فعلى مقربة منها تتموضع إسرائيل التي تتدخل بطريقة استفزازية، ناشرةً في الجو حالة من عدم الاستقرار، يستمد منها انفصاليون في السويداء قوةً تحريضيةً كبيرةً تشعل المنطقة. وهنا أيضاً اختار الشرع أسلوباً سلمياً بعد فترة قصيرة سادتها مواجهات دامية، وتبعتها تجاوزات خطرة من إسرائيل، ساد بعدها بعض الهدوء في المنطقة، واقتصر الأمر على حوادث معزولة هنا وهناك… لا بد أن الشرع يسعى لأن يستقر الأمر هناك، وينسحب على عموم القطر، تمهيداً لعملية ضخ استثمارية كبيرة تنعش السوق، وتساهم في حلحلة الاستعصاء السياسي المخيم.
يلجأ الشرع إلى محاولة إنعاش الاقتصاد وتطوير الحالة الاستثمارية في سورية من خلال المساهمة شخصياً في كل فعاليات المنطقة الاقتصادية، منطلقاً من الإقليم الذي تأتي منه الاستثمارات بشكل رئيسي، وهو منطقة الخليج، ليستطيع الانتقال إلى محاولة ترميم سياسية، باعتبار أن الرافعة الفعلية للسياسة هي الاقتصاد، وحوار سوري بوجود اقتصاد نشط ومتطوّر، ومؤشّرات تنمية إيجابية، يختلف عن محاورة في بلد يقبع تحت خط الفقر بعدة طوابق. سيسهم تحسين الموارد المالية في تخفيف التوتر في المنطقتين المستعصيتين، تمهيداً لحل نهائي ضمن الـ185 ألف كيلومتر مربع، مساحة سورية الفعلية، بعاصمة واحدة هي دمشق.
- العربي الجديد























