• الرئيسية
  • رأي الرأي
  • سياسة
    • سورية
    • العرب
    • العالم
  • مقالات
  • تحليلات ودراسات
  • حوارات
  • ترجمات
  • ثقافة وفكر
  • منتدى الرأي
الجمعة, نوفمبر 28, 2025
موقع الرأي
  • Login
  • الرئيسية
  • رأي الرأي
    الساحل يرفض “وصاية قسد” و “رهان الفلول.”

    الساحل يرفض “وصاية قسد” و “رهان الفلول.”

  • سياسة
    • سورية
    • العرب
    • العالم
  • مقالات
    الكبتاغون والمخدرات المخلقة: إعادة التموضع بعد سقوط بشار الأسد

    الكبتاغون والمخدرات المخلقة: إعادة التموضع بعد سقوط بشار الأسد

    ما يمكن البناء عليه في تجربة تظاهرات الساحل

    ما يمكن البناء عليه في تجربة تظاهرات الساحل

    ذكرى سقوط النظام: مهام الثورة في عامها الثاني

    ذكرى سقوط النظام: مهام الثورة في عامها الثاني

    من «الطوفان» إلى «ردع العدوان»: أي دروس؟

    من «الطوفان» إلى «ردع العدوان»: أي دروس؟

  • تحليلات ودراسات
    الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد: المقاربات الدولية وإعادة تشكيل السيادة والأمن المحلي

    الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد: المقاربات الدولية وإعادة تشكيل السيادة والأمن المحلي

    عملية بيت جن… هل التصعيد الإسرائيلي مرتبط برفض دمشق التنازل عن مناطق محتلة؟ تل أبيب عرضت في المفاوضات اتفاق تفاهمات أمنية مع بقاء احتلالها لـ10 مواقع… أو اتفاق سلام من دون الجولان

    عملية بيت جن… هل التصعيد الإسرائيلي مرتبط برفض دمشق التنازل عن مناطق محتلة؟ تل أبيب عرضت في المفاوضات اتفاق تفاهمات أمنية مع بقاء احتلالها لـ10 مواقع… أو اتفاق سلام من دون الجولان

    المسيحيون الأميركيون وسوريا… وتحول تاكر كارلسون

    المسيحيون الأميركيون وسوريا… وتحول تاكر كارلسون

    عن حيثيات الدرس العراقي للسوريين مثلا

    عن حيثيات الدرس العراقي للسوريين مثلا

  • حوارات
    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: لن نوقع اتفاقا مع إسرائيل دون الانسحاب إلى خط 7 ديسمبر… وهذا تصورنا للتفاهم مع “قسد” (2 من 2)

    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: لن نوقع اتفاقا مع إسرائيل دون الانسحاب إلى خط 7 ديسمبر… وهذا تصورنا للتفاهم مع “قسد” (2 من 2)

    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: رؤيتنا لسوريا كانت واضحة لدينا قبل إسقاط الأسد… وهكذا فككنا “العقدة الروسية” (1 من 2)

    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: رؤيتنا لسوريا كانت واضحة لدينا قبل إسقاط الأسد… وهكذا فككنا “العقدة الروسية” (1 من 2)

    بابرا ليف لـ”المجلة”: كنت أول مسؤول أميركي يلتقي الشرع… وهذه “أسرار” ما قلته وسمعته

    بابرا ليف لـ”المجلة”: كنت أول مسؤول أميركي يلتقي الشرع… وهذه “أسرار” ما قلته وسمعته

    “حفيد بلفور” يتحدث لـ “المجلة” عن أسرار الوعد الشهير و”حل الدولتين”… وعلاقته بـ “لورانس العرب”

    “حفيد بلفور” يتحدث لـ “المجلة” عن أسرار الوعد الشهير و”حل الدولتين”… وعلاقته بـ “لورانس العرب”

  • ترجمات
    كاتب تركي: تحولات بوسائل النفوذ والهيمنة في القرن الـ21

    كاتب تركي: تحولات بوسائل النفوذ والهيمنة في القرن الـ21

    توماس فريدمان: إسرائيل في خطر من الداخل

    توماس فريدمان: إسرائيل في خطر من الداخل

    مسار جديد نحو أمن الشرق الأوسط  –  كيف يمكن للالتزامات الأميركية في الخليج أن تعيد بناء النظام الإقليمي؟

    مسار جديد نحو أمن الشرق الأوسط – كيف يمكن للالتزامات الأميركية في الخليج أن تعيد بناء النظام الإقليمي؟

    فريدمان: مرحباً بكم في عصرنا الجديد

    فريدمان: مرحباً بكم في عصرنا الجديد

  • ثقافة وفكر
    • All
    • خواطر سوريّة
    في الحاجة إلى مقاربات جديدة للهُويَّة الوطنية السورية

    في الحاجة إلى مقاربات جديدة للهُويَّة الوطنية السورية

    هل يستطيع أحمد الشرع التأسيس لمرحلة جديدة من التاريخ السوري؟

    هل يستطيع أحمد الشرع التأسيس لمرحلة جديدة من التاريخ السوري؟

    في نسبية التحوّل عن السلفية الجهادية  –  مراجعة لكتاب «التحول من قِبَلِ الشعب؛ طريق هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم في سورية»

    في نسبية التحوّل عن السلفية الجهادية – مراجعة لكتاب «التحول من قِبَلِ الشعب؛ طريق هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم في سورية»

    اختلاط الحدود ما بين أدب جيد وآخر رديء

    اختلاط الحدود ما بين أدب جيد وآخر رديء

  • منتدى الرأي
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • رأي الرأي
    الساحل يرفض “وصاية قسد” و “رهان الفلول.”

    الساحل يرفض “وصاية قسد” و “رهان الفلول.”

  • سياسة
    • سورية
    • العرب
    • العالم
  • مقالات
    الكبتاغون والمخدرات المخلقة: إعادة التموضع بعد سقوط بشار الأسد

    الكبتاغون والمخدرات المخلقة: إعادة التموضع بعد سقوط بشار الأسد

    ما يمكن البناء عليه في تجربة تظاهرات الساحل

    ما يمكن البناء عليه في تجربة تظاهرات الساحل

    ذكرى سقوط النظام: مهام الثورة في عامها الثاني

    ذكرى سقوط النظام: مهام الثورة في عامها الثاني

    من «الطوفان» إلى «ردع العدوان»: أي دروس؟

    من «الطوفان» إلى «ردع العدوان»: أي دروس؟

  • تحليلات ودراسات
    الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد: المقاربات الدولية وإعادة تشكيل السيادة والأمن المحلي

    الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد: المقاربات الدولية وإعادة تشكيل السيادة والأمن المحلي

    عملية بيت جن… هل التصعيد الإسرائيلي مرتبط برفض دمشق التنازل عن مناطق محتلة؟ تل أبيب عرضت في المفاوضات اتفاق تفاهمات أمنية مع بقاء احتلالها لـ10 مواقع… أو اتفاق سلام من دون الجولان

    عملية بيت جن… هل التصعيد الإسرائيلي مرتبط برفض دمشق التنازل عن مناطق محتلة؟ تل أبيب عرضت في المفاوضات اتفاق تفاهمات أمنية مع بقاء احتلالها لـ10 مواقع… أو اتفاق سلام من دون الجولان

    المسيحيون الأميركيون وسوريا… وتحول تاكر كارلسون

    المسيحيون الأميركيون وسوريا… وتحول تاكر كارلسون

    عن حيثيات الدرس العراقي للسوريين مثلا

    عن حيثيات الدرس العراقي للسوريين مثلا

  • حوارات
    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: لن نوقع اتفاقا مع إسرائيل دون الانسحاب إلى خط 7 ديسمبر… وهذا تصورنا للتفاهم مع “قسد” (2 من 2)

    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: لن نوقع اتفاقا مع إسرائيل دون الانسحاب إلى خط 7 ديسمبر… وهذا تصورنا للتفاهم مع “قسد” (2 من 2)

    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: رؤيتنا لسوريا كانت واضحة لدينا قبل إسقاط الأسد… وهكذا فككنا “العقدة الروسية” (1 من 2)

    أسعد الشيباني لـ”المجلة”: رؤيتنا لسوريا كانت واضحة لدينا قبل إسقاط الأسد… وهكذا فككنا “العقدة الروسية” (1 من 2)

    بابرا ليف لـ”المجلة”: كنت أول مسؤول أميركي يلتقي الشرع… وهذه “أسرار” ما قلته وسمعته

    بابرا ليف لـ”المجلة”: كنت أول مسؤول أميركي يلتقي الشرع… وهذه “أسرار” ما قلته وسمعته

    “حفيد بلفور” يتحدث لـ “المجلة” عن أسرار الوعد الشهير و”حل الدولتين”… وعلاقته بـ “لورانس العرب”

    “حفيد بلفور” يتحدث لـ “المجلة” عن أسرار الوعد الشهير و”حل الدولتين”… وعلاقته بـ “لورانس العرب”

  • ترجمات
    كاتب تركي: تحولات بوسائل النفوذ والهيمنة في القرن الـ21

    كاتب تركي: تحولات بوسائل النفوذ والهيمنة في القرن الـ21

    توماس فريدمان: إسرائيل في خطر من الداخل

    توماس فريدمان: إسرائيل في خطر من الداخل

    مسار جديد نحو أمن الشرق الأوسط  –  كيف يمكن للالتزامات الأميركية في الخليج أن تعيد بناء النظام الإقليمي؟

    مسار جديد نحو أمن الشرق الأوسط – كيف يمكن للالتزامات الأميركية في الخليج أن تعيد بناء النظام الإقليمي؟

    فريدمان: مرحباً بكم في عصرنا الجديد

    فريدمان: مرحباً بكم في عصرنا الجديد

  • ثقافة وفكر
    • All
    • خواطر سوريّة
    في الحاجة إلى مقاربات جديدة للهُويَّة الوطنية السورية

    في الحاجة إلى مقاربات جديدة للهُويَّة الوطنية السورية

    هل يستطيع أحمد الشرع التأسيس لمرحلة جديدة من التاريخ السوري؟

    هل يستطيع أحمد الشرع التأسيس لمرحلة جديدة من التاريخ السوري؟

    في نسبية التحوّل عن السلفية الجهادية  –  مراجعة لكتاب «التحول من قِبَلِ الشعب؛ طريق هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم في سورية»

    في نسبية التحوّل عن السلفية الجهادية – مراجعة لكتاب «التحول من قِبَلِ الشعب؛ طريق هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم في سورية»

    اختلاط الحدود ما بين أدب جيد وآخر رديء

    اختلاط الحدود ما بين أدب جيد وآخر رديء

  • منتدى الرأي
No Result
View All Result
موقع الرأي
No Result
View All Result

الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد: المقاربات الدولية وإعادة تشكيل السيادة والأمن المحلي

نوار جبّور

28/11/2025
A A
الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد: المقاربات الدولية وإعادة تشكيل السيادة والأمن المحلي
0
SHARES
0
VIEWS
Share on FacebookShare on Twitter

مقدمة

يشهد الجنوب السوري، في مرحلة ما بعد سقوط النظام أواخر عام 2024، عملية إعادة تموضع داخل المشهد السياسي والأمني لسورية الجديدة، إذ أدّى الفراغ الذي نتج عن انهيار الهياكل السلطوية القديمة إلى جعل هذه الجغرافيا نقطة اختبار مبكرة، لمدى قدرة الحكومة الانتقالية على بسط سيادتها الفعلية. ومع بدء المشروع المؤسسي لإعادة بناء الدولة، برز الجنوب السوري، ولا سيّما محافظتَي القنيطرة والسويداء، بوصفه مجالًا تتقاطع فيه اعتبارات الأمن الإقليمي مع مساعي القوى الدولية لإعادة توزيع النفوذ وصياغة ترتيبات تتجاوز ما استقرّ عليه اتفاق فك الاشتباك الموقّع عام 1974. وفي هذا السياق، لم تعد التحركات الخارجية في الجنوب مجرّد زيارات رمزية، بل تحوّلت إلى أدوات فعّالة داخل سباق متسارع لفرض وقائع سياسية وأمنية جديدة، قبل نضوج ترتيبات أوسع بين الحكومة الانتقالية والفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين، حول شكل إدارة الجنوب ومستوى الضمانات الأمنية وحدود التدخل الخارجي.

يأتي هذا التقييم في لحظة مفصلية من مسار التحوّل السوري، حيث يشهد الجنوب حالة تراكب نادرة بين تحولات السلطة في الداخل، وإعادة هندسة الخرائط الأمنية من الخارج. فمنذ سقوط النظام القديم لم يعد الجنوب مجرّد هامش جغرافي بعيد عن مركز القرار، بل تحوّل إلى مجال اختبار رئيسي لمعادلات السيادة الجديدة في الدولة السورية، وإلى ساحة تتقاطع فيها مقاربات أربع لقوى دولية وإقليمية فاعلة، هي روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل. وفي هذا السياق، لم تعد التحركات العسكرية والدبلوماسية والإغاثية في الجنوب السوري مجرد وقائع متفرقة، بل باتت حلقات متداخلة ضمن مشروع أوسع لإعادة تعريف وظيفة الجنوب وحدود دوره في منظومة الأمن الإقليمي.

تستند هذه الورقة إلى مقاربة ترصد مشهد التحركات الدولية، بوصفه مشهدًا مركبًا من مسارات متوازية ومتعارضة في آن واحد، فالجولة الروسية في محيط القنيطرة تعبّر عن محاولةٍ لتثبيت إرث عسكري قديم داخل جغرافيا سياسية جديدة، في حين يعكس الحضور الأميركي المتجدد في دمشق توجّهًا نحو ربط تخفيف العقوبات وإعادة الإعمار، بتعديل قواعد الأمن الحدودي مع إسرائيل. في الوقت ذاته، تعمل تركيا على توسيع حضورها المدني في القنيطرة، عبر الأذرع الإغاثية، ضمن استراتيجية ناعمة لبناء نفوذ مجتمعي طويل الأمد، في حين تسعى إسرائيل إلى تكريس واقع ميداني جديد في الجولان والمنطقة العازلة يرسّخ مفهوم الهندسة الأمنية للحدود، ويحوّل الجنوب إلى نطاق أمني خاص محكوم باعتبارات الاحتلال أكثر مما هو خاضع لاعتبارات الدولة السورية.

ولا يمكن فهم هذه التحركات بعيدًا عن المشهد الداخلي المتحوّل في الجنوب، حيث تتشكّل سلطات محلية، وتتقاطع مطالب الفاعلين الاجتماعيين مع حسابات القوى الخارجية الساعية إلى استثمار الفراغات الأمنية والإدارية. من هنا، لا يكتفي هذا التقييم بوصف التحركات الدولية في بعدها الظرفي، بل يسعى إلى تحليل ما تكشفه من تحولات أعمق في مفهوم السيادة في الدولة الانتقالية، وقراءة كيفية إعادة تشكيل السلطة المحلية في الجنوب، واستشراف مآلات الوجود الدولي في هذه المنطقة الحساسة. وترتكز الورقة على ثلاثة محاور مترابطة: رصد المقاربات الدولية الأربع المتنافسة على الجنوب، تحليل أثر هذه المقاربات في بنية السيادة ووحدة الإقليم، ثم تفكيك المشهد الداخلي بما يحمله من ديناميات تفاوض وضغط ومقاومة، وصولًا إلى بلورة استنتاجات وتوصيات عملية.

خريطة تحليلية للجنوب السوري – 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025

أولًا: مشهد التحركات الدولية – أربع مقاربات متنافسة على جنوب واحد

المقاربة الروسية: تثبيت الإرث القديم داخل جغرافيا جديدة

شهد السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 حدثًا لافتًا، تمثّل في إجراء جولة ميدانية مشتركة لوفد عسكري روسي-سوري في محيط القنيطرة[1]. جاءت الجولة مفاجئة، وأضفى ذلك عليها طابعًا استكشافيًا أقرب إلى إعادة تقييم جغرافي-عسكري لمواقع كانت قد تمركزت فيها روسيا في عهد النظام السابق. وشملت الجولة الوقوف في محيط تل النصرية الذي شكّل قاعدة روسية مهمة، في سنوات ما قبل سقوط نظام الأسد، وزيارة منطقة حيران التي كانت مقرًا لضباط روس خلال مرحلة العمليات المشتركة. وامتدّت الجولة أيضًا إلى ثكنة صافر في تل الأحمر، إضافة إلى مراقبة تلال الزنيري وتل الجموع المطلة مباشرة على خطوط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي[2].

ويعكس هذا النشاط الروسي محاولات موسكو الاستمرار في الانخراط في ملفات الجنوب، رغم التحولات العميقة التي طرأت على السلطة في دمشق. فالمواقع التي شملتها الجولة ليست مجرد نقاط انتشار سابقة، بل تمثّل عقدًا استراتيجية ترتبط بمصادر المياه، وشبكات السيطرة القريبة من الحدود، ومواقع الإشراف على الحوض الجغرافي الممتد حتى خط وقف إطلاق النار. ويشير اختيار هذه النقاط تحديدًا إلى رغبة روسيا في إعادة رسم صورة الحضور العسكري في الجنوب، وتحديد ما يجب تثبيته أو إعادة هندسته ضمن ترتيبات ما بعد الأسد.

وتشير هذه الجولة إلى أنّ موسكو ما تزال ترى في الجنوب السوري ملفًّا ذا أهمية إستراتيجية، من دون أن تنفرد بإدارته أو تعتبره مجالًا حصريًا لها، إذ أسهم تزايد التقاطعات الدولية في هذه الجغرافيا في إعادة تنشيط اهتمامها بالمنطقة. وكانت روسيا قد دفعت باتجاه صياغة “نظام أمني”، يقوم على ضبط التوازنات جنوب سورية، ومنحها ذلك مجالًا تفاوضيًا ضمِن لها استمرار دورها كوسيط أساسي في الترتيبات الحدودية والتفاهمات العسكرية في الجنوب السوري، إبّان عهد النظام السابق. وتأتي الجولة الحالية لتؤكد سعيها للمحافظة على هذا الدور في لحظة انتقال سياسي معقدة، ويميل هذا التحرّك إلى إظهار رغبة روسيا في منع تشكّل فراغ أمني، يمكن أن تستثمره إسرائيل التي وسّعت تدخلها العسكري بعد سقوط النظام، أو الولايات المتحدة التي كثّفت من حضورها الدبلوماسي والأمني في الجنوب. ومن خلال إعادة تفعيل قنوات التنسيق مع الجانب السوري الجديد، تسعى موسكو إلى تثبيت موقعها في المعادلة الأمنية المقبلة، بغية الحفاظ على الحدّ الأدنى من مصالحها الاستراتيجية، وعلى قدرتها على التأثير في مخرجات أي تسوية محتملة تخصّ الحدود، والمياه، وانتشار قوى الفصل الدولية.

التحرك الأميركي في دمشق: نحو مقاربة أمنية واقتصادية جديدة

شهد منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 وصول وفد أميركي رفيع من الكونغرس إلى دمشق، في زيارة حملت طابعًا تفاوضيًا واضحًا، إذ ركّزت الزيارة على الملفات الأمنية والاقتصادية المرتبطة بمرحلة ما بعد سقوط النظام. وقد ضم الوفد أعضاء من لجان برلمانية معنية بالسياسة الخارجية والأمن القومي، الأمر الذي يعكس حجم الاهتمام المؤسسي في واشنطن بمسار إعادة هيكلة الدولة السورية وتحديد موقعها داخل منظومة الترتيبات الإقليمية الجديدة. وتناولت الاجتماعات مع القيادة السورية الانتقالية عددًا من المحاور الحساسة، أبرزها آليات التعامل مع العقوبات الأميركية، وخاصة قانون قيصر، وتأثيراته المباشرة على البنية الاقتصادية الناشئة وعلى القدرة الحكومية على ضبط الأمن الداخلي[3].

يتّضح من طبيعة الملفات المطروحة أن واشنطن تتحرك باتجاه إدماج دمشق ضمن مبادرات التهدئة الإقليمية، في سياق يتشابك فيه الأمن الحدودي مع إسرائيل مع مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة[4]. وتراهن الإدارة الأميركية على ربط أي تخفيف للعقوبات بجملة من الالتزامات الأمنية والسياسية، ومن ضمن ذلك ضبط الحدود الجنوبية، والتعامل مع التحديات المتصلة بانتشار السلاح، وتثبيت استقرار محافظات الجنوب. ويبدو أن تعليق أجزاء من عقوبات قيصر خلال الفترة الأخيرة يرتبط مباشرة بتقييم واشنطن لمدى استعداد الحكومة الانتقالية لتنفيذ خطوات إصلاحية، تتيح تحريك الاقتصاد وتسهيل عمل مؤسسات الدولة من دون الإخلال بالمسار الأمني الجاري رسمه.

وتتزامن هذه المقاربة مع سياسة أميركية أوسع، تقوم على إعادة إدراج سورية ضمن شبكات التطبيع الإقليمي، في إطار مقايضات متعددة المستويات تشمل ملفات تتجاوز الساحة السورية نفسها. وتتبلور هذه السياسة في مقاربة ترتبط بإعادة صياغة التحالفات في شرقي المتوسط وإعادة تشكيل منطلقات العلاقة بين تل أبيب وأنقرة، وربط ذلك بمسار أمني مزمع في الجنوب السوري، يقوم على إعادة تفعيل اتفاق فك الاشتباك المؤطر عام 1974 بصيغة معدّلة تتناسب مع الظروف الجديدة. وفي هذا السياق، تحمل الزيارة الأميركية إلى دمشق رسالة واضحة، مفادها أن الانخراط السوري في ترتيبات أمنية جديدة مع إسرائيل سيُواجَه بخطوات اقتصادية مشجّعة، من قبيل التخفيف التدريجي للعقوبات، ومنح تسهيلات تنموية تساعد الحكومة الانتقالية في تجاوز أعباء المرحلة الأولى من إعادة الهيكلة.

وتكشف هذه التطورات أن واشنطن لم تعد تتعامل مع دمشق بوصفها ملفًا معزولًا، بل كحلقة مهمة في معادلة إقليمية تهدف إلى إنتاج توازنات مستقرة بعد عقد من الصراع. فالمعادلة الأميركية الحالية تقوم على صيغة مزدوجة: دعم الاستقرار الداخلي عبر أدوات هجينة، وضبط الأمن الحدودي عبر ترتيبات تفاوضية، مع الإبقاء على النفوذ الأميركي في جنوب سورية ضمن إطار تفاهمات مرنة قابلة للتطوير. وبذلك، تتشكل ملامح سياسة جديدة تتجاوز منطق العزلة والعقوبات المفتوحة نحو إدارة مشروطة تهدف إلى إدماج سورية تدريجيًا، ولكن وفق شروط تحددها واشنطن وتحرص على ربطها بالتسوية الأمنية في الجنوب. وتبرز أهمية هذه الزيارة عند النظر إلى انعكاساتها على الجنوب السوري تحديدًا، إذ تسعى واشنطن إلى جعل هذا الإقليم مساحة اختبار أولى لجدوى المقاربة الجديدة التي تربط بين تخفيف العقوبات وبين قدرة الحكومة الانتقالية على تثبيت الاستقرار في مناطق التماس وضبط الحدود ومنع تشكل فراغ أمني قد تستثمره أطراف إقليمية أخرى. ويظهر أن الجنوب بات يمثل لدى الولايات المتحدة مؤشرًا تشغيليًا لقياس مدى قدرة الدولة الناشئة على إدارة الملف الأمني بحساسية عالية، تراعي الاعتبارات الإسرائيلية من جهة، وتستجيب لمتطلبات بسط السلطة المركزية من جهة أخرى. وبذلك تتحول المقاربة الأميركية من متابعة عامة لمسار التحول السياسي، إلى متابعة مركزة على الجنوب بوصفه الحلقة التي تتقاطع فيها المصالح الدولية، وتُختَبر فيها فعالية سياسات إعادة الهيكلة، الأمر الذي يجعل تأثيرات الزيارة أبعد من بعدها الدبلوماسي، لتغدو عاملًا مباشرًا في رسم معادلات الاستقرار ومستويات الحضور الأمني وشروط التنمية في محافظات الجنوب خلال المرحلة المقبلة.

الحضور التركي المدني في القنيطرة: إعادة تشكيل النفوذ عبر مسارات الإغاثة

على خطٍ موازٍ للتحركات العسكرية والسياسية الدولية في الجنوب السوري، برز في الأسابيع الأخيرة تصاعد ملموس في حضور المنظمات الإغاثية التركية، ولا سيما هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH)، داخل عدد من بلدات وقرى القنيطرة؛ حيث نفّذت الهيئة برامج دعم إنساني شملت توزيع مساعدات غذائية على مئات العائلات ذات الاحتياجات المباشرة، إلى جانب تنظيم أنشطة إضافية في القرى الجنوبية ركّزت على تقديم السلال الغذائية ووجبات الضيافة والمساعدات الطارئة، في خطوةٍ هدفت إلى معالجة الفجوات المتزايدة في الاستجابة الإنسانية بالمنطقة[5]. والجدير بالذكر أن هذا ليس النشاط الأول لهيئة الإغاثة، حيث سبق أن قامت بنشاطات مماثلة منذ بضعة أشهر، في عدة بلدات بمحافظة القنيطرة [6].

يحمل هذا النشاط الإغاثي دلالات تتجاوز الإطار الخيري المباشر، إذ يُظهر توجّهًا تركيًا لإعادة إدماج وجودها المدني في الجنوب السوري بعد انهيار بنيات النظام السابق، وظهور احتياجات واسعة في المناطق التي استقبلت موجات نزوح من معاقل المعارضة السابقة. ويشكّل الجنوب، بتركيبته الاجتماعية المتنوعة وارتباطه الحدودي، مجالًا ملائمًا لمثل هذا النوع من التدخل الناعم الذي يتيح لأنقرة تعزيز حضورها المجتمعي من دون الانخراط في ترتيبات أمنية مباشرة، وفي الوقت نفسه يمنحها مساحة تنافسية مع القوى المتدخلة الأخرى، ولا سيما روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل.

ويكتسب هذا المسار أهمية أكبر في ضوء افتتاح IHH مكتبًا تمثيليًا في دمشق، في تشرين الأول/ أكتوبر 2025 [7]، وهو تطور يشير إلى مستوى غير مسبوق من التنسيق بين أنقرة والحكومة الانتقالية في ملفات الإغاثة وإعادة الإعمار المبكر. ويعكس هذا الافتتاح وجود توجّه تركي نحو توسيع قنوات التواصل مع المؤسسات السورية الجديدة، مستفيدًا من حاجة البلاد إلى دعم إنساني منظم، ومن رغبة السلطة الانتقالية في كسر جزء من العزلة الدولية التي رافقت مرحلة ما بعد سقوط النظام.

تُظهر مجمل هذه التحركات ملامح مقاربة تركية أكثر هدوءًا وأقلّ حضورًا ميدانيًا في الجنوب، بحكم غياب أدواتها العسكرية المباشرة في هذه الجغرافيا، الأمر الذي يدفعها إلى توظيف شبكاتها المدنية والإغاثية، بوصفها أدوات تأثير مهمة داخل بيئة تتداخل فيها الاعتبارات المحلية مع الحسابات الإسرائيلية. وتبدو أنقرة في هذا السياق كأنها تعوّل على نقل عناصر من تجربتها المدنية في شمال سورية ضمن الحدود التي تسمح بها الظروف الحالية، بما يتيح لها الحفاظ على موطئ قدم غير صدامي، ويمنحها قدرة نسبية على متابعة توازنات الجنوب ومخرجاتها، من دون الانخراط في منافسة مباشرة مع القوى الأكثر حضورًا في هذه الساحة. فمن خلال الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في القنيطرة، تعمل أنقرة على ترسيخ صورة فاعل إقليمي قادر على سدّ الفراغات الخدمية، في المناطق التي شهدت تبدلات ديموغرافية واجتماعية واسعة خلال السنوات الماضية.

الجولة الإسرائيلية في الجولان والمواقع الحدودية وردّ الخارجية السورية: تثبيت واقع جديد ومواجهة دبلوماسية

شهد الجنوب السوري في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 تحركًا إسرائيليًا لافتًا، تمثل في جولة ميدانية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داخل المستوطنات والمواقع السورية التي باتت تحت السيطرة الإسرائيلية بعد انهيار النظام السابق[8]. شملت الجولة نقاطًا ممتدة على طول السياج الأمني في الجولان المحتل، إضافة إلى مواقع داخل المنطقة العازلة التي وسّعت إسرائيل نطاق وجودها فيها منذ أواخر عام 2024. وأظهرت طبيعة الجولة أن تل أبيب تسعى إلى تثبيت حدود أمر واقع جديدة، تتجاوز نصوص اتفاق فكّ الاشتباك لعام 1974، مستفيدة من الهشاشة الأمنية التي رافقت مرحلة الانتقال السياسي في دمشق.

وتشير هذه الخطوة إلى استمرار مقاربة إسرائيلية تقوم على “الهندسة الأمنية للحدود”، وهي مقاربة تستهدف إعادة تعريف العمق الأمني الإسرائيلي، ليس عند حدود خط وقف إطلاق النار فحسب، بل داخل الجغرافيا السورية نفسها. فقد رفعت تل أبيب مستوى قواتها في الشريط الفاصل، وعززت بنيتها التحتية العسكرية، وأعادت توزيع نقاط المراقبة بما يمنحها قدرة أعلى على الرصد والسيطرة. وتواصل الإصرار على تحويل هذه المواقع إلى “مكتسبات أمنية”، ضمن أي تسوية قادمة، ولا تبدي استعدادًا للانسحاب الكامل منها إلا في إطار صفقة شاملة ترتبط بتسوية سياسية كبرى.

في مقابل ذلك، جاء ردّ دمشق سريعًا، عبر بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية السورية في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 [9]، وقد وصف البيان الزيارةَ بأنها زيارة غير شرعية، تشكّل اعتداءً صريحًا على سيادة البلاد وانتهاكًا مباشرًا لخطوط وقف إطلاق النار. وأعاد البيان تأكيد أن التحركات الإسرائيلية تمثّل محاولة لفرض أمر واقع جديد يتعارض مع قرارات مجلس الأمن، وأن الإجراءات المتخذة في الجنوب السوري تفتقر إلى أي أساس قانوني. وجددت دمشق مطالبتها بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي السورية كافة، مشيرة إلى أن استمرار الاحتلال في توسيع وجوده ضمن “المنطقة الصفراء” يهدف إلى فرض ترتيبات أمنية أحادية الجانب، وتكريس واقع احتلالي طويل الأمد.

ويكشف هذا التفاعل بين التحرك الميداني الإسرائيلي والموقف السياسي السوري عن مشهد أوسع يتّسم بتداخل الأجندات الإقليمية والدولية في الجنوب السوري؛ حيث تسعى تل أبيب إلى تثبيت معايير جديدة للحدود، في حين تحاول الحكومة السورية الانتقالية تأكيد حدود المقبول سياديًا، وتجنب تكريس أي واقع يمكن أن يقيد خياراتها التفاوضية في المستقبل. وتأتي هذه التطورات في لحظةٍ تتكثف فيها الضغوط الدولية والمسارات التفاوضية حول ترتيبات الأمن الحدودي، مما يجعل الجنوب ساحة لتقاطع الإرادات بين القوى الإقليمية والدولية، في مرحلة إعادة رسم التوازنات في المرحلة الانتقالية.

ثانيًا: تحليل العمق – ماذا تعني هذه التحركات لمفهوم السيادة في الدولة الانتقالية؟

تكشف التحركات الدولية المتسارعة في الجنوب السوري عن سباق إقليمي ودولي، لإرساء قواعد ما بعد الأسد، في لحظة يتراجع فيها مدى قدرة الدولة السورية على فرض رؤيتها السيادية على كامل الجغرافيا الجنوبية. فالتوسع الإسرائيلي داخل الشريط الممتد جنوب دمشق، مقرونًا بتعزيز وجود عسكري وبنية مراقبة متقدمة، يعيد إنتاج واقع تجزيئي يتجاوز ما فرضته دمشق في أي مرحلة سابقة. ويقف هذا التوسع على تماس مباشر مع مقترحات أمنية تهدف إلى إعادة رسم وضع الجنوب عبر تقسيمه إلى نطاقات متباينة من حيث الوضع القانوني، بين مناطق خاضعة لسيطرة إسرائيلية فعلية، وأخرى مقيدة بضوابط إشراف دولي، إضافة إلى مساحات يُفترض أن تكون منزوعة السلاح أو محظورة على الطيران. ويفضي هذا النمط من الطروحات إلى تقويض مبدأ السيادة الشاملة للدولة السورية، وتحويل الجنوب إلى فضاء تُدار فيه الترتيبات الأمنية من الخارج أكثر مما تُبنى داخليًا.

وفي موازاة الدور الإسرائيلي، تتحرك موسكو وواشنطن ضمن مسارات متقاطعة ذات طابع تفاوضي، ما يجعل الجنوب ساحة فرعية للمحادثات المتعلقة بهيكلة الأمن الإقليمي. فالجولات الدبلوماسية والعسكرية التي أطلقتها كل من روسيا والولايات المتحدة تأتي في سياق البحث عن ترتيبات تتيح تجميد التوتر، مع الحفاظ على هامش يسمح لكل طرف بتثبيت نفوذه في المرحلة الانتقالية. ويُضاف إلى ذلك الدور المتنامي الذي تمارسه تركيا عبر شبكاتها الإغاثية وتحالفاتها المحلية، حيث تعمل أنقرة على ترسيخ نفوذ مجتمعي، يضمن لها حضورًا ثابتًا في فضاء تعتبره امتدادًا لنفوذها السياسي والاجتماعي. ويمس هذا المسار بدوره جوهر قدرة دمشق على التحكم في معادلات إعادة الإعمار وتوزيع الموارد، لا سيما في المناطق التي شهدت تغيّرات سكانية واسعة خلال السنوات الماضية.

يؤدي هذا التشابك المتعدد المستويات إلى إعادة تشكيل الجنوب السوري، بوصفه مجالًا تتنافس فيه مشاريع النفوذ، أكثر من كونه فضاءً يخضع لتصور الدولة المركزية. فكل طرف يسعى إلى تثبيت مواضع قوته قبل انطلاق أي مسار تسوية سياسية، وتتبلور في الخلفية ترتيبات تُعيد تعريف الصلاحيات الأمنية والدور السيادي للدولة السورية. ومن شأن هذا التفاعل أن يؤسس لواقع جديد قد تنفصل فيه أجزاء من الجنوب وظيفيًا عن الحكومة المركزية، ما يهدد وحدة البلاد على المدى البعيد، ويجعل أي تسوية مستقبلية رهنًا بتفاهمات خارجية أكثر من كونها نتاج عملية سياسية داخلية.

ثالثًا: المشهد الداخلي في الجنوب – إعادة تشكّل السلطة المحلية بين تفكك المركز وتنافس الفاعلين

يشهد الجنوب السوري، بالتزامن مع التحركات الدولية المتسارعة، إعادة تشكّل داخلية تتسم بدرجة عالية من التعقيد؛ إذ يبرز المشهد المحلي اليوم بوصفه نتاجًا مباشرًا لانهيار منظومة الحكم السابقة وتراجع قدرة الدولة المركزية على فرض نموذج إداري-أمني موحّد. وقد أدّى هذا الانهيار إلى ظهور فواعل محلية جديدة، بعضها يمتلك شرعية اجتماعية متجذّرة، وبعضها تشكّل ضمن ظروف أمنية معقدة، في حين تحاول الحكومة الانتقالية بناء حضورها المؤسسي، في بيئةٍ يغلب عليها التنافس على السلطة والموارد، وليس الاندماج الطوعي ضمن مؤسسات الدولة الناشئة.

في السويداء، أفرزت التحولات ما بعد سقوط النظام حالة من “الاستعصاء الأمني”، قادتها تشكيلات محلية ذات امتداد اجتماعي واسع، أبرزها مجموعات “الحرس الوطني” واللجان العسكرية المرتبطة بالمرجعيات الدينية والاجتماعية. وقد استفادت هذه التشكيلات من تفكك أجهزة الأمن السابقة ومن انسحابها من المشهد، لتفرض أنماطًا من الضبط الذاتي تعتمد على شبكات النفوذ المحلي، وعلى مطالب سياسية ترتبط بإدارة الموارد، والحد من تغوّل السلطة المركزية، والحفاظ على خصوصية الهوية المحلية. وتُظهر أنماط انتشار هذه المجموعات، ومن ضمنها الحواجز المستجدة وخطوط السيطرة داخل المناطق الحضرية والريفية، أنّ السويداء دخلت مرحلة متقدمة من “اللامركزية الواقعية”، حيث تميل السلطة المحلية إلى التفاوض مع دمشق، لا الامتثال الكامل لقراراتها. ويأتي التصعيد المسلح الأخير، في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر[10] ، ليكشف حدود قدرة الحكومة الانتقالية على فرض نموذج أمني موحد من دون معالجة التوترات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة داخل المحافظة، إضافة إلى ضرورة إدماج الزعامات المحلية في ترتيبات الأمن القادمة تجنبًا لظهور جيوب نفوذ منفصلة.

أما القنيطرة، فيتشكّل مشهدها المحلي ضمن بيئة شديدة الحساسية، بحكم موقعها الحدودي وطبيعة التحولات التي رافقت مرحلة ما بعد سقوط النظام. فقد أدّى انهيار منظومات الأمن والإدارة السابقة إلى بروز ملامح فراغ مؤسسي ترتّبت عليه ديناميات محلية متسارعة، شملت لجانًا أهلية ومبادرات مدنية تسعى إلى تنظيم الشؤون اليومية للسكان في سياق انتقال لم تتبلور فيه بعد بنية حكومية متماسكة. وتتقاطع هذه التحولات الداخلية مع تأثيرات إقليمية مباشرة، أبرزها نشاط المنظمات الإنسانية التي تتحرك استجابة للاحتياجات المتزايدة في المنطقة، وكذلك الإجراءات الأمنية الإسرائيلية داخل الشريط الفاصل، وما تفرضه من واقع ميداني ضاغط على مسار تشكل السلطة المحلية[11].

وفي هذا الإطار، تعمل الحكومة السورية الانتقالية على تعزيز حضورها التدريجي عبر وحدات الشرطة المدنية الناشئة، بهدف إعادة بناء منظومة ضبط أمني، تعتمد على القنوات الرسمية وتستوعب المبادرات المحلية ضمن إطار مؤسسي واضح. وتنتج عن تداخل هذه العوامل بيئة معقدة، يتجاور فيها أكثرُ من مستوًى للسلطة، مبادرات اجتماعية محلية نشأت لسد الفجوات الخدمية، ومحاولات حكومية لترسيخ الهياكل الرسمية، إلى جانب تقييدات ميدانية مرتبطة بالواقع الحدودي مع إسرائيل. وتكشف هذه الصورة عن حاجة ملحّة لإعادة هندسة منظومة الحكم المحلي، بما يضمن دمج الجهود الأهلية مع مؤسسات الدولة الانتقالية، وتقليص أثر العوامل الخارجية على مسارات الاستقرار في المحافظة.

إن التفاعل بين هذه المستويات المتوازية يعيد تشكيل الجنوب، بوصفه فضًاء سياسيًا وأمنيًا متعدد العقد، لا يخضع لمنطق هرمي واضح، بل لمنطق التوازنات المتغيرة بين الفاعلين المحليين والدوليين. ويؤدي هذا التشظي البنيوي إلى تآكل قدرة الدولة الانتقالية على فرض مركزية القرار، خصوصًا في ظل تنافس القوى الإقليمية على تثبيت مواقع نفوذ طويلة الأمد قبل اكتمال مسار التسوية الشاملة. ويفتح استمرار هشاشة السلطة المحلية الباب أمام مشاريع خارجية تستند إلى فكرة “المنطقة العازلة”، أو “المنطقة المنزوعة السلاح”، أو “المنطقة المحمية دوليًا”، وهي مفاهيم بدأت بالظهور في الخطاب الدبلوماسي حول الجنوب السوري.

بذلك، يتّضح أن المشهد الداخلي لا يمثّل مجرد خلفية للتحركات الدولية، بل يشكّل عاملًا محددًا في مساراتها، إذ تسعى كل قوة خارجية إلى استثمار الفراغات والاختلالات المحلية لتعزيز موقعها التفاوضي. وفي المقابل، تجد الحكومة الانتقالية نفسها أمام ضرورة صياغة مقاربة أمنية-سياسية مزدوجة:

  • مقاربة تعمل داخليًا على احتواء الفاعلين المحليين ضمن إطار مؤسسي قابل للحياة.
  • مقاربة خارجية ترفض تحويل الجنوب إلى منطقة تجريب ترتيبات أمنية مفروضة لا تعبّر عن الإرادة الوطنية.

ومن دون معالجة هذا البعد الداخلي، سيبقى الجنوب ساحةً مفتوحةً لإعادة توزيع النفوذ، ما يجعل أي ترتيبات أمنية مستقبلية رهنًا بالتفاهمات الدولية أكثر مما هو نتاج عملية بناء دولة فاعلة ذات سيادة.

رابعًا: المسارات المتوقعة لتطور الوجود الدولي في الجنوب السوري

لا يسعى هذا القسم إلى تقديم تنبؤات حتمية، بقدر ما يهدف إلى استشراف المسارات الأرجح لتطور الوجود الدولي في الجنوب السوري، خلال الفترة القريبة المقبلة. ويستند هذا الاستشراف إلى توازن القوى الراهن، وإلى طبيعة التحركات الروسية والأميركية والتركية والإسرائيلية، إضافة إلى ديناميات المشهد الداخلي في محافظتَي السويداء والقنيطرة، وما يشهده من إعادة تشكّل مستمرة في بنية السلطة المحلية.

مسار الضبط الدولي المحدود تحت مظلة الدولة السورية

يقوم هذا المسار على افتراض نجاح مسار تفاوضي تدريجي، تقوده الحكومة الانتقالية مع كلٍّ من موسكو وواشنطن، مع مراعاة المطالب الإسرائيلية المتعلقة بالحدود والأمن، بما يفضي إلى ترتيبات أمنية مرحلية تضبط الحركة العسكرية في الجنوب، من دون مساس صريح بالشكل القانوني للسيادة السورية. في هذه الحالة، يجري تحديث إطار اتفاق فك الاشتباك الموقّع عام 1974 عبر إدخال آليات مراقبة تقنية وقانونية أكثر تقدّمًا، وربما يتم توسيع ولاية قوات المراقبة الدولية، من حيث الصلاحيات والمتابعة الميدانية، لا من حيث الانتشار الجغرافي. ويحافظ هذا المسار على حضور دولي واضح في الجنوب، لكنه يبقيه محصورًا في وظيفة الضمان الأمني، في حين تستمر دمشق في تولّي إدارة مدنية وأمنية في معظم مناطق الجنوب. وتزداد قابلية هذا المسار للتحقق، كلّما نجحت الحكومة الانتقالية في استثمار حاجة الأطراف الدولية إلى الاستقرار، وربط أي التزامات أمنية تجاه إسرائيل بحوافز ملموسة في ملفي العقوبات وإعادة الإعمار.

مسار استمرار تعدد مراكز النفوذ وترسيخ التوازن الهش

يفترض هذا المسار تعثر الوصول إلى اتفاق أوسع، واستمرار كل قوة رئيسية في تثبيت موطئ قدم خاص بها داخل المشهد الجنوبي. تحتفظ إسرائيل بانتشار عسكري معزَّز في الشريط الفاصل والمناطق التي تمددت إليها بعد سقوط النظام، وتواصل روسيا إدارة نقاط انتشارها في محيط القنيطرة، وتحافظ الولايات المتحدة على حضور أمني وسياسي غير مباشر، من خلال أدوات العقوبات والتنسيق الاستخباري والتسهيلات الاقتصادية المشروطة، وتستمر تركيا في توسيع نفوذها المجتمعي عبر الأذرع الإغاثية والمؤسسات المدنية. في ظل هذا التعدد، يتحول الجنوب إلى منطقة توازن هشّ، بين قوى خارجية متنافسة، مع هامش مناورة محدود للحكومة الانتقالية التي تجد نفسها مضطرة إلى إدارة شبكة معقدة من التفاهمات الثنائية المؤقتة. ويزيد هذا المسار من احتمالية الانزلاق إلى أزمات موضعية أو مواجهات محدودة كلّما اهتزّ هذا التوازن، أو تبدّلت أولويات أي من الفاعلين الإقليميين والدوليين.

مسار الترسخ التدريجي لواقع الفصل الوظيفي

يمثل هذا المسار الاحتمال الأكثر خطورة على وحدة المجال السياسي السوري. وهو ينطلق من فرضية استمرار الهشاشة الداخلية وفشل مسارات التفاوض، بما يسمح بتراكم وقائع ميدانية تكرّس فصلًا وظيفيًا شبه كامل للجنوب عن الدولة المركزية من دون إعلان رسمي عن ذلك. في هذا السياق، يتحول الانتشار الإسرائيلي إلى وجود طويل الأمد داخل نطاقات محددة تمارس فيها تل أبيب سيطرة أمنية مباشرة أو غير مباشرة، وتحتفظ روسيا بحضور عسكري يوازي دور الوصيّ الأمني، وتبقى كل من تركيا والولايات المتحدة فاعلين غير مباشرين عبر بوابات الإغاثة والاقتصاد والأمن. ومع مرور الوقت تتحوّل الترتيبات المؤقتة إلى بنية شبه دائمة، وتُدار شؤون الجنوب وفق منطق تعدد السلطات، مع بقاء السيادة السورية في مستوى رمزي أو قانوني أكثر منها سيادة فعلية على الأرض. وعلى المدى البعيد، يهدد هذا المسار بإضعاف موقع الدولة في أي مفاوضات لاحقة حول الجولان والجنوب، ويفتح الباب أمام إعادة إنتاج نموذج الفصل الوظيفي في مناطق سورية أخرى.

خاتمة واستنتاجات

تكشف القراءة التحليلية لمشهد الجنوب السوري خلال مرحلة ما بعد سقوط النظام أن هذه الجغرافيا دخلت طورًا جديدًا من إعادة التشكل جذريًا، يتقاطع فيه الانكشاف الداخلي مع إعادة توزيع النفوذ الخارجي؛ حيث أظهرت التحركات الروسية والأميركية والتركية والإسرائيلية أنّ الجنوب لم يعد مجرد منطقة حدودية، بل أصبح مجالًا لإعادة هندسة توازنات الأمن الإقليمي، وفضاءً يتنافس فيه الفاعلون الدوليون والمحليون على إعادة تعريف السيادة السورية وإعادة صياغة دور الدولة الانتقالية في إدارة الحدود والمجال العام. وفي ظل هشاشة البنية المركزية وتقدّم الفواعل المحلية، يتعرّض الجنوب لخطر التحول إلى منطقة ذات وضع أمني وسياسي خاصّ، ما قد يؤسّس لسوابق قد تعاد تجربتها في مناطق سورية أخرى.

وتبيّن مجريات المرحلة أن الدولة السورية الناشئة تواجه تحدّيًا مزدوجًا، يقوم على استيعاب الفاعلين المحليين الذين راكموا حضورًا موازيًا للدولة خلال سنوات الصراع، والتعامل في الوقت نفسه مع القوى الخارجية الساعية إلى تثبيت نفوذ طويل الأمد داخل الجنوب. ويظلّ الخطر الأكبر ماثلًا في إمكانية تكريس ترتيبات أمنية تنتقص من منطق السيادة، وما قد ينجم عن ذلك من سوابق قابلة لإعادة الإنتاج بشكل يهدد وحدة البلاد ووظيفتها الإقليمية. ويدفع هذا الواقع إلى ضرورة بلورة مقاربة وطنية، تستند إلى استعادة المجال العام وإعادة تنظيم العلاقة مع المجتمعات المحلية، وفق منظور مؤسسي لا يسمح بقيام مراكز قوة موازية، سواء أكان ذلك في السويداء أم القنيطرة، مع الحفاظ على مساحات التواصل الأهلي والمدني التي تعزز الاستقرار ولا تُستثمر خارجيًا.

وتبرز أهمية إعادة بناء القدرة الدفاعية للدولة بصورةٍ تتناسب مع خصوصية الجنوب، بما يمنع انزلاقه إلى معادلات أمنية مفروضة من الخارج، ويحول دون تحوّله إلى منطقة اختبار دائمة للضغوط الإسرائيلية أو لسباقات النفوذ الدولية. وبالتوازي، تكتسب الدبلوماسية العربية وزنًا تصاعديًا، في حماية وحدة الجنوب، ضمن إطار إقليمي رافض لظهور مناطق منزوعة السيادة أو محميات أمنية متعددة الولاءات. وتؤكد هذه المعطيات أن معالجة ملفّ الجنوب لا يمكن أن تنفصل عن عملية إعادة بناء الدولة السورية بصورة أشمل، تشمل إصلاح القطاع الأمني واستعادة الهيكل الإداري ووحدة القرار، بما يحدّ من التشظي الوظيفي، ويمنع بقاء الجنوب ساحة مفتوحة للتجريب أو لإعادة رسم الخرائط من خارج الإرادة الوطنية.


[1] وفد عسكري روسي يجري جولة استطلاعية في القنيطرة السورية، الشرق الأوسط، في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، شوهد في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، الرابط: https://shorturl.at/YlC6z

[2] Syrian Russian military delegation tours border area with Israel, Enab Baladi, Published on 18 November 2025, Seen on 21 November 2025, https://shorturl.at/Ou8VJ

[3] وفود روسية وتركية وأمريكية تصل إلى دمشق لبحث ملفات أمنية رفيعة المستوى، القاهرة 24، 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، شوهد في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، الرابط: https://shorturl.at/ZeKZp

[4] مضامين مقترح الاتفاق الأمني بين سورية وإسرائيل وتداعياته، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 21 أيلول/ سبتمبر 2025، الرابط: https://shorturl.at/HSh9C

[5] مقابلة أجراها الباحث مع مصدر خاص في الجنوب السوري، بتاريخ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025.

[6] “الإغاثة الإنسانية” التركية توزع مساعدات في القنيطرة السورية، وكالة الأناضول، 7 أيار/مايو 2025، الرابط: https://shorturl.at/kINeT

[7] بيان من هيئة الاغاثة الإنسانية İHH: تم افتتاح مكتب دمشق، هيئة الإغاثة الإنسانية، 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، شوهد في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، الرابط:  https://shorturl.at/vDms8

[8] نتنياهو أجرى زيارة للمنطقة العازلة في سوريا، برفقة وزير الأمن يسرائيل كاتس، ووزير الخارجية غدعون ساعر، رئيس الأركان ورئيس الشاباك، وقادة فرق عسكرية في الجيش، سجل، 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، شوهد في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، الرابط: https://x.com/sijilsy/status/1991160501225632122

[9] بيان صادر عن وزارة الخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية، في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، الرابط: https://x.com/syrianmofaex/status/1991172116167921978

[10] استمرار الاشتباكات في محافظة السويداء السورية، الشرق الأوسط، 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، شوهد في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، الرابط: https://shorturl.at/S1H9H

[11] مقابلة أجراها الباحث بتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، مع ناشط في الشأن والخدمات المدنية في القطاع الأوسط من القنيطرة.

  • المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة

شارك هذا الموضوع:

  • النقر للمشاركة على X (فتح في نافذة جديدة) X
  • انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة) فيس بوك
  • اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة) طباعة

معجب بهذه:

إعجاب تحميل...
ShareTweet
Previous Post

عملية بيت جن… هل التصعيد الإسرائيلي مرتبط برفض دمشق التنازل عن مناطق محتلة؟ تل أبيب عرضت في المفاوضات اتفاق تفاهمات أمنية مع بقاء احتلالها لـ10 مواقع… أو اتفاق سلام من دون الجولان

اترك ردإلغاء الرد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

https://youtu.be/twYsSx-g8Dw?si=vZJXai8QiH5Xx9Ug
نوفمبر 2025
س د ن ث أرب خ ج
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930  
« أكتوبر    
  • الأرشيف
  • الرئيسية
المقالات المنشورة ضمن موقع الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع الا تلك التي تصدرها هيئة التحرير

© 2003 - 2021 - موقع الرأي

Welcome Back!

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In

Add New Playlist

No Result
View All Result
  • الأرشيف
  • الرئيسية

© 2003 - 2021 - موقع الرأي

%d