أكدت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في أحدث تقرير لها؛ أن "السلطة في سورية التي تفرض حالة الطوارئ على البلاد منذ سبعة وأربعين عاماً بدون مبرر مقنع؛ لا تزال مستمرة في كبت الحريات وخنق حرية التعبير السلمي عن الرأي بكل صوره"، مشيرة إلى استمرار الاعتقالات العشوائية على خلفية الانتماء الديني أو السياسي أو التعبير عن الرأي. وبينما استمر استهداف الإسلاميين بشتى توجهاتهم فقد لوحظ هذا العام شن حملة على من تربطه علاقة بحزب العمل الشيوعي إضافة إلى نشطاء حقوق الإنسان.
ورصدت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي الذي الذي صدر هذا الأسبوع؛ ويغطي الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير وكانون الأول/ ديسمبر 2009، "بعض الجوانب الأساسية من حالة حقوق الإنسان في سورية، لا سيما حق الإنسان في أن يعيش سالماً من الاعتقال التعسفي ومن المعاملة الحاطة بالكرامة البشرية". ويقع التقرير في 42 صفحة من الحجم المتوسط.
محنة نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني
وقال التقرير إن السلطة السورية صعدت حملتها ضد نشطاء حقوق الإنسان، فاستهدفت أكثرهم نشاطاً وفاعلية، ولم تتوقف حملتها على الأشخاص بل تعدته إلى البنيان الحقوقي الذي لم تعترف به منذ بدايات نشأته.
ومن أبرز حالات هذا العام اعتقال رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية) المحامي مهند الحسني على خلفية حضوره جلسات محكمة أمن الدولة العليا وتدوين مجرياتها ونشرها، واعتقال الناشط الحقوقي المحامي هيثم المالح (79 عاماً) على خلفية تصريحات عن الفساد في السلطة.
واتسعت قوائم الممنوعين من السفر على خلفية نشاطهم الحقوقي، وأشار التقرير إلى أن جداول الممنوعين من السفر تصنَّف إلى فئات يبلغ كل منها آلاف الممنوعين من السفر على خلفية نشاطهم في الشأن العام أو تصنيفهم كمعارضين أو ممنوعين احترازياً من السفر، كما يشمل المنع من السفر المعتقلين السياسيين السابقين.
وبينما رفضت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل طلبات كل منظمات حقوق الإنسان للحصول على الترخيص، شرعت في هذا العام باستهدافها كياناً وأعضاءً وتجريمهم بتهم النيل من عزيمة الأمة وتوهين نفسيتها ونشر الأكاذيب. كما شملت المضايقات الجمعيات الخيرية، فتلجأ الوزارة لمنع ترخيص بعضها مخالفة بذلك قانون الجمعيات، وتارة أخرى تلجأ إلى إبعاد بعض أعضاء الإدارة والأعضاء المؤسسين واستبدالهم بآخرين ترضى عنهم السلطة. وأما انتخابات النقابات والاتحادات العمالية فالتجاوزات فيها على أوسع نطاق.
المهجرون القسريون وملف القانون 49/1980
وحسب التقرير، فقد استمرت السلطة السورية باستهداف المهجرين القسريين الذين مضى على محنتهم أكثر من ثلاثة عقود، فاعتقلت الكثير من العائدين وقدمتهم للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا في دمشق؛ بموجب القانون 49/1980 الذي يحكم بالإعدام ولو لمجرد صلة القربى بأحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. وبالرغم من جهود الجماعة لحل قضايا المهجرين والمفقودين والمعتقلين والقانون 49/1980، إلا أن السلطة أدارت ظهرها لإعلان الجماعة عن إيقاف أنشطتها المعارضة ولكل المبادرات والوساطات لإنهاء معاناة عشرات الآلاف من المهجرين.
وقالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها إنها جهدت في الحصول على معلومات عن 13 حالة اعتقال بين أبناء المهجرين العائدين إلى سورية في العام 2009 لكنها لم تتمكن من توثيق هذه الحالات لأن الخوف استبد بأسر المعتقلين على مصير أبنائهم مما جعلهم يحجمون عن تقديم المعلومات. وأما الحالات التي وصلت اللجنة عن محاكمات المهجرين بموجب القانون 49/1980 فمحدودة إذ أعاق نشرها العودة إلى ممارسة الحجب الجزئي لحضور جلسات محكمة أمن الدولة العليا، وخصوصاً بعد اعتقال المحامي الحسني الذي كان يوثق مثل هذه المحاكمات.
من جهة أخرى، وثق التقرير قيام بعض السفارات السورية بمنع المهجرين من حقوقهم القانونية في الحصول على جوازات السفر في أماكن اقامتهم وخصوصاً في اليمن والسودان والأردن والعراق. وقال العديد من المواطنين إن موظفي السفارات قاموا بحجز جوازاتهم القديمة عند محاولتهم تجديدها دون منحهم جوازات جديدة. وكل من يبلغ عمره الرابعة عشرة من غير المسجلين في قيود الأحوال المدنية؛ يُرفض تسجيله لدى السفارات أو عبرها، ولا يمنح جواز سفر، ويطلب منه السفر إلى سورية لتصحيح وضعه، وعندما يسافر يتم اعتقاله، ويحاكم كثير من هؤلاء بموجب القانون 49/1980 رغم حداثة سنهم وعدم انتمائهم إلى أي جماعة، في محاولة للضغط على ذويهم.
كما أوضح التقرير أن السلطات ما زالت تفرض حظراً على الحديث في موضوع المفقودين في السجون السورية الذين يناهز عددهم 17 ألفاً. كما تواجه اللجنة صعوبات جمة في إقناع ذوي المفقودين أو معارفهم في إبراز هذه القضية. وترجح اللجنة أن السلطة قامت بتصفية هؤلاء المعتقلين المحسوبين على الإخوان المسلمين، إضافة إلى الذين قضوا تحت التعذيب أو نتيجة انتشار الأوبئة في مهاجعهم أو سوء التغذية والشيخوخة.
الأكـــراد
وأشار التقرير إلى أن السلطات السورية اعتقلت المئات من المواطنين الأكراد على خلفية انتماءاتهم لأحزاب كردية تطالب بالحقوق الكردية على تفاوت فيما بينها، ولم تتوان عن اعتقال ومحاكمة المحتفلين بعيد النوروز أو المهتمين باللغة والثقافة والفن الكردي. وحكمت محكمة أمن الدولة بقسوة بالغة على المعتقلين الأكراد واصمة إياهم بمحاولة سلخ أجزاء من الأراض السورية وضمها إلى دولة أجنبية وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية وتوهين الشعور القومي.
كما لفت التقرير إلى أن حوادث موت المجندين الكرد التي تكررت أثناء أداء الخدمة العسكرية الإلزامية. وتعتقد مصادر كردية أن تكرر حوادث الوفاة ليس أمراً عرضياً لا سيما أن بعضهم توفي نتيجة التعذيب والبعض الآخر أصيب إصابات مباشرة بالرصاص في أماكن قاتلة بينما مات آخرون في حوادث غامضة لم يفصح عنها. ويعتقد الناشطون الكرد أن قادة القطعات العسكرية أو القادة الميدانيين تسببوا بالموت على خلفية الانتماء الكردي للمجندين لا سيما أن هذا النوع من الوفاة ظهر لأول مرة بعد أحداث 13 آذار/ مارس 2004.
الاعتقال العشوائي والتعسفي
وشهد هذا العام الكثير من حوادث الاعتقال العشوائي والتعسفي، ولا يصل إلى المواطنين ومجموعات حقوق الإنسان عادة إلا القليل النادر من أخبارها التي تتم بتكتم شديد من قبل الأجهزة الأمنية، حتى أن أسرة المعتقل لا تعلم باعتقاله ولا بمكان احتجازه وتطول معاناتها. كما تطول معاناة المعتقل الذي يلقى المعاملة السيئة والمهينة والتعذيب، بل إن كثيراً من المعتقلين يجهلون سبب اعتقالهم الذي يكون غالباً بسبب تقرير كيدي من المخبرين الكثر المنتشرين في كل مكان.
وذكر تقرير اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن الإسلاميين ظلوا هدفاً أساسياً للاعتقال التعسفي، بالإضافة إلى نشطاء حقوق الإنسان والشأن العام. كما شهد العام المنصرم استهداف عناصر على علاقة بحزب العمل الشيوعي، في حين قد شملت الاعتقالات في الفترة ذاتها عدداً من النساء أو ممن يحملون جنسيات أوروبية.
الموت في السجون تحت التعذيب
وتوالت حوادث تسليم جثث مواطنين اعتقلوا ولقوا مصيرهم المحتوم تحت التعذيب الشديد والسريع الذي اشتهرت به السلطات الأمنية السورية وكسبت به صيتاً خارجياً استقطب الاستثمار الخارجي من جهة بينما قصد به إيقاع أقصى درجات الرعب والردع في قلوب المواطنين.
ووصف التقرير عقيدة السلطة الأمنية في سورية بأنها تعتمد على التعذيب السريع والعنيف للمعتقل لانتزاع أكبر قدر من المعلومات في أسرع وقت ممكن، وهذا ما أكسبها رواجاً وتعاوناً أمنياً مستمراً مع الأجهزة الاستخبارية الأمريكية التي رحلت إليها معارضين تعرضوا لأقسى صنوف التعذيب.
ومن بين حالات الوفاة تحت التعذيب التي وثقها التقرير: محمد أمين الشوا، ويوسف جبولي الذي سُلمت جثته بعد أسبوع من اعتقاله لأسرته، ولم يسمح لهم بفتح تابوته الخشبي أو دعوة الناس للصلاة عليه. كما أرسلت النيابة العسكرية شهادة وفاة لأسرة المعتقل خوشناف سليمان تفيد بوفاته في 31/3/2003، رغم أنه كان على قيد الحياة عام 2005، ما يوحي بأن الوفاة حديثة ونتيجة التعذيب أو القتل.
سجن صيدنايا العسكري
إثر الأحداث المؤلمة التي شهدها السجن والمجزرة المروعة التي بدأت بتاريخ 5/7/2008 وحصدت أرواح عشرات السجناء فيه، منعت السلطات كل أنواع الاتصال بالسجن وألغت زيارة الأهالي وفرضت حالة كاملة من التعتيم على السجن. وبعد عام من ذلك سمحت بالزيارة لبعض المعتقلين دون البعض الآخر. ووردت أخبار من داخل السجن تفيد بإحالة بعض المعتقلين إلى دمشق للمثول أمام محكمة أمن الدولة العليا أو المحاكم العسكرية بينما لا يزال بعضهم ينتظر مصيره الغامض منذ اعتقاله الذي مضى على بعضهم بضع سنين. ولا يزال مصير عدد من المعتقلين الذين انتهت مدة أحكامهم مجهولاً، ولم يفرج عنهم أو يعلم ذووهم عن أخبارهم وفي مقدمتهم الناشط الحقوقي نزار رستناوي الذي أنهى مدة محكوميته (أربع سنوات في صيدنايا) في نيسان/ إبريل 2009.
ويعتقد أن ما يناهز الألفي سجين يحتجزون في سجن صيدنايا غالبيتهم العظمى من الإسلاميين الذين اعتقلوا على خلفيتهم الدينية أو من الذين استغلت السلطات عواطفهم وأرسلتهم إلى العراق ولما عادوا اعتقلوا ومنهم من قدم للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة، حسب ما جاء في تقرير اللجنة السورية لحقوق الإنسان.
حرية الإعلام
وقال التقرير إن السلطات السورية لا تزال تسيطر سيطرة كاملة على وسائل الإعلام. ورغم سماحها لعدد محدود جداً من الفضائيات أو الصحف والمجلات المستقلة بالظهور، لكن نظرتها إلى الإعلام ظلت تتمثل في خدمة السلطة وشرح سياساتها وعدم المس بها وكل وسيلة إعلام تحيد عن هذه السياسة تتعرض للملاحقة ولأشد الإجراءات العقابية الرادعة. وتجري الانتهاكات لحرية الإعلام على مدار الساعة بواسطة أجهزة أمنية متشددة مخصصة لهذا الغرض، ومن قبل وزارة إعلام يرأسها وزير يمارس صلاحيات مطلقة في مجاله على نحو متعسف.
وقد صُنفت سورية عربياً بأنها الأكثر حجباُ للمواقع على شبكة الانترنت. فارتفع عدد المواقع الالكترونية المحجوبة خلال عام 2009 ليصل إلى 244 موقعاً تعنى غالبيتها بالشأن العام وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأحزاب السياسية السورية.