اعتبر آل المتني في السويداء، مقتل الشيخ رائد المتني تحت التعذيب خلال اعتقاله لدى الحرس الوطني، “جريمة مكتملة الأركان بحق إنسان أعزل، ووصمة عار على جبين كل من تورط فيها أمراً وتنفيذاً أو تستّراً”، وذلك في بيان رسمي وقّعه ستّة من وجهاء وأبناء العائلة.
وقالت العائلة إنها بذلت جهودها لحقن الدماء وتغليب لغة العقل، “غير أن من نفّذوا هذا الفعل الإجرامي لا يعيرون اعتباراً لأي قيمة إنسانية أو أخلاقية، وهم امتداد لنهج الفساد والقهر الذي عرفه مجتمعنا منذ سنوات، ولم ينقطع حتى اليوم”.
واتهم آل المتني “غرفة العمليات” بإصدار أوامر الاعتقال للحرس الوطني، حيث جرى احتجاز الشيخ رائد المتني لمدة ثلاثة أيام قبل إبلاغ عائلته بوفاته بذريعة تناول جرعة دواء زائدة من دواء الضغط، “علماً أنه لم يكن يعاني من أي مرض، ولم يكن يتناول أي دواء”، وفق بيان العائلة.
وتضم “غرفة العمليات” وفق مصادر “المدن”، قادة فصائل مقربين من الشيخ حكمت الهجري، من بينهم رامي اشتي، لؤي أبو فاعور، طارق المغوش، ونورس عزام. والأخير ظهر في صورة خلال اعتقال المتني فعلاً.
العائلة ترفض الدفن الفوري
الحرس الوطني حاول فرض دفن المتني فوراً ومنع الكشف على جثمانه، وهو ما رفضته العائلة التي صُدمت بآثار التعذيب القاسية على جسده، إذ نشرت صوراً ومشاهد فيديو للجثمان تنسف رواية قيادة الحرس الوطني، التي خرجت قبل يومين في بيان رسمي تلاه الناطق العسكري النقيب طلال عامر، قدم خلاله سردية عن إحباط “مؤامرة” خططت لها الحكومة السورية للسيطرة على السويداء، وافتعال تفجيرات واغتيالات عبر رائد المتني ورفاقه الذين تم اعتقالهم.
لكن آل المتني رفضوا هذه الاتهامات وقالوا إن ابنهم كان ضد حكومة دمشق. واعتبرت العائلة أن ابنها قُتل “خوفاً من أن يكشف ما يُرتكب من تجاوزات بحق أهلنا”. كما حمّلت كامل المسؤولية لكل من “أمر ونفّذ وتستّر”، مؤكدة تمسكها الكامل بحقها القانوني والإنساني في “ملاحقة الجناة حتى تتحقق العدالة”، حيث طالبت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف الحقائق كاملةً أمام الرأي العام، ومحاسبة جميع المتورطين دون استثناء.
شرخ اجتماعي
وتشير مصادر “المدن” إلى أن حادثة مقتل رائد المدني وصهره ماهر فلحوط تحت التعذيب، بدأت معها ملامح شرخ اجتماعي في الأوساط الدرزية بالسويداء، وارتفع معها الاستياء من السلطات التي شكلها الشيخ حكمت الهجري. فقد أبرز الحرس الوطني وثيقتان من الطبابة الشرعية تزعمان أن وفاة المتني وفلحوط كانت طبيعية. حاول الحرس إجبار العائلتين على دفنهما دون الكشف عن جثمانيهما ودون إقامة مراسم تشييع. لم تتجاوب العائلتان وأقامتا مراسم العزاء وسط غضب شديد من مشاهد التعذيب القاسية التي وصلت حد الإجهاز على أحدهما بواسطة “الخازوق”.
رد فعل العائلات
تتوزع عائلة المتني في عدة قرى وبلدات من ريف السويداء منها الكسيب وشقا وطربا. وتعدّ قرية الكسيب شرقي المحافظة مسقط رأس رائد المتني. بجوارها تقع قرية طربا، التي ينحدر منها العميد جهاد الغوطاني، قائد الحرس الوطني في السويداء. تقول مصادر المدن إن التوتر الاجتماعي بين عائلات القريتين يُنذر في أي وقت بحدوث أعمال انتقامية؛ فآل المتني يتوعدون بالثأر، وينتابهم غضب عارم مما حصل.
أما آل فلحوط، فقد أقاموا مراسم تشييع لابنهم في بلدة عتيل، تخللها إطلاق نار وصيحات تدعو للانتقام. وعتيل بلدة مجاورة لقنوات، معقل الهجري. وبالنسبة لآل أبو فخر، إحدى أبرز العائلات في محافظة السويداء، فقد عقدوا عدة اجتماعات وأرسلوا وساطات إلى الحرس الوطني يحذّرون فيها من أن يكون مصير ابنهم المحامي عاصم أبو فخر مشابهاً لمصير المتني وفلحوط، وطالبوا بتحويله إلى القضاء المدني أو الاحتكام إلى القضاء العشائري، وفق ما ذكرت مصادر من العائلة، لـ”المدن”.
وانتشر تسجيل صوتي للقاضي العسكري باسل أبو فخر، يقول فيه إنه تولّى التحقيق مع المعتقلين في اليوم الأول، لكن مكتب الأمن التابع للحرس الوطني منع الوصول لهم حتى وفاة رائد المتني “مسموماً” حسب قوله. التسجيل الذي أرسله القاضي إلى مجموعة واتساب لعائلته خلال تواجده في قيادة الحرس الوطني، دعا فيه أقاربه للقدوم معه في سبيل الضغط للإفراج عن عاصم. وتشير مصادر “المدن”، إلى أن تحرك آل أبو فخر أسهم في إنقاذ حياة ابنهم، حيث جرى تحويله من المكتب الأمني إلى قيادة شرطة السويداء.
الغضب والاستنكار من حادثة القتل تحت التعذيب لم يقتصرا على العائلات، ويمكن رصده على منصات التواصل الاجتماعي لدى تيارات المجتمع المدني. فقد أعادت الحادثة إلى الأذهان جرائم انتهجها نظام الأسد البائد، ونفذتها أجهزة يتصدرها قادة عسكريون سابقون في النظام وأعضاء ميليشيات كانت جزءاً من تلك المنظومة.
رداً على حالة الاستياء، دعا ناشطون محسوبون على الحرس الوطني إلى وقفة تضامنية في ساحة الكرامة أمس السبت. لكن لم يتجاوب إلا عشرات الأفراد مع الدعوة، في مشهد يعكس تراجعاً في الشعبية مع التطورات الأخيرة.
- المدن


























