في العام 2024، منحت منظمة «الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد»، الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، لقب «أكثر الأشخاص فسادا في العالم»، متفوقا في ذلك على زعماء مرشحين آخرين في كوريا الشمالية وكينيا وروسيا وفنزويلا.
أنهى انتصار الفصائل السورية المعارضة على هذا النظام، وفرار رئيسه إلى موسكو، في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، حكم الأسد الذي ورثه، بشكل متعجّل اقتضى تعديل دستور البلاد في جلسة برلمانية سريعة، إثر وفاة أبيه حافظ في العام 2000.
بعد وعود خلّبية قصيرة الأجل بإجراء إصلاحات، كشّر الأسد الابن عن أنيابه، متابعا الطريق الذي خطّه أبوه عبر الحكم المركزي التأليهي للحاكم، والسيطرة العنيفة على شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام وحتى الشؤون الشخصية للبشر، ومع تنامي المعارضة لحكمه، إثر اندلاع شرارة الربيع العربيّ عام 2011، أطلق الأسد خطابا مبكّرا شهيرا يعتبر المطالبات بالإصلاح «مؤامرة إرهابية خارجية»، آخذا البلاد نحو حرب هائلة، ومحوّلا إياها إلى آلة كبيرة للإرهاب، فخطفت أرواح مئات الآلاف، وارتكبت انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، شملت التعذيب والقتل واستخدام الأسلحة الكيميائية والاعتقالات الجماعية واستهداف المدنيين، ودفعت قرابة نصف الشعب السوري إلى النزوح واللجوء، فيما اعتبر أكبر هجرة سكانية في القرن الواحد والعشرين.
إضافة إلى هذا السجل الفظيع، اعتمد الأسد على تمويل من إنتاج الكبتاغون، وأشكال أخرى من الجريمة المنظمة، مثل تهريب البشر والسجائر، وسرقة الآثار، وتجارة الأسلحة، وقد أسهم حكمه في نشر العنف والمخدرات والفساد في جميع أنحاء المنطقة وصولا إلى أوروبا والعالم، وحسب تقارير، فإن الأسد فرّ ومعه ثروة تقدر بعشرات مليارات الدولارات المنهوبة، وهو ما لمّح إليه تصريح لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، مؤخرا، لقناة «روسيا اليوم» قال فيه إنه قال للأسد: «أنت الآن أفضل رجال الأعمال لدينا»، ناصحا إيّاه بعدم متابعة الأخبار في الفترة الحالية، في ظل الاحتفالات التي خرجت في مناطق عديدة من سوريا ابتهاجا بالذكرى الأولى لسقوطه.
وضع هذا الخراب المتراكم على مدى عقود من حكم آل الأسد السلطات الانتقالية الجديدة أمام تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، ويمكن اعتبار وقف التمدد الإسرائيلي والاعتداءات والتوغّلات اليومية لقوات الاحتلال، وكذلك توحيد الجغرافيا السورية تحت السيادة الوطنية للدولة، من أهم هذه التحديّات.
ظهرت هذه التحدّيات بقوة، مع إعلان الإدارة الكردية في سوريا، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق البلاد، منع الاحتفالات بذكرى سقوط الأسد، وهو ما طالب فيه غزال غزال، رجل الدين السوري العلوي البارز، أبناء طائفته رفضا لما اعتبره «ظلما جديدا» بحق الطائفة العلوية، وهو ما تزامن مع كشف وكالة الأنباء رويترز عن تمويل ابن خال الأسد، رامي مخلوف، ورئيس المخابرات العسكرية السابق، كمال حسن، لتشكيل ميليشيات علوية لإسقاط النظام الجديد.
تعرّض الحكم الجديد لما يشبه محاولة الانقلاب من قبل ميليشيات موالية للنظام السابق في آذار/ مارس السابق، أدت إلى مقتل المئات من قواته، وهو ما واجهه باستنفار شعبيّ وفصائليّ أدى إلى انتهاكات واسعة، ومجازر بحق العلويين، وأدت اشتباكات لاحقة في جرمانا وصحنايا والسويداء، وهي معاقل لطائفة الدروز، كذلك إلى تعرّض قواته لمذبحة في غارات إسرائيلية عليها، وتبعتها أيضا انتهاكات ومجازر ضد الدروز. إضافة إلى الإشكاليات الأمنية والسياسية التي خلقتها هذه الأحداث، فإن معالجة الحكم الجديد لقضايا الدستور والحوار الوطني والعدالة الانتقالية تعرّضت لانتقادات عديدة، وأثارت توتّرات إضافية للأوضاع في البلاد.
في المقابل، سجّل الحكم الجديد نجاحات كبيرة في الساحة الخارجية، حيث تم الترحيب به إقليميا وعربيا، وتم إلغاء أغلب العقوبات الاقتصادية على سوريا، وتوّج ذلك بلقائه الأخير بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي مثّل تغيّرا سياسيا كبيرا على صعد سياسية واقتصادية، وكذلك لقاؤه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعاد ترتيب العلاقات مع موسكو، وعلاقاته الدافئة مع تركيا ودول الخليج العربي، وبالخصوص السعودية وقطر، وكذلك علاقاته مع جيرانه في الأردن ولبنان.
تشير هذه الوقائع إلى إنجازات خارجية غير مسبوقة لسوريا الجديدة، كما تشير إلى أخطاء سياسية داخلية جسيمة، لكن المحصّلة العامة، كما تظهر الاحتفالات الشعبية في سوريا، هي ارتياح وأمل كبير بتقدّم البلاد وعودة وزنها العربي والإقليمي والعالمي، الذي هدرته عائلة الأسد خلال 54 عاما من الطغيان.
- القدس العربي


























