وافق مجلس الشعب السوري بالأكثرية على المادة /65/ من مشروع العمل الجديد في جلسة منتصف آذار 2010 ، التي تشرعن التسريح التعسفي للعمال من قبل رب العمل .
وقد وافق المجلس على المادة /65/ كما جاءت من الحكومة ، وسيتم قبل نهاية آذار عقد جلسة لوضع الصيغة النهائية لمشروع القانون ، علماً أن القانون عاد إلى المجلس من الحكومة كما في صيغته الأولى دون إدخال أي من التعديلات التي تمَّ تقديمها من اللجان في مجلس الشعب .
هناك حاجة لوضع قانون عمل جديد ، شرط أن يراعي مصالح العمال ورب العمل ، وينسجم مع حاجة سورية إلى التعددية الاقتصادية ، على أن لا يمسَّ المكتسبات العمالية التي حققتها النقابات خلال مسيرة نضالها الطويلة ، وأن يأخذ مصالح الفئات الدنيا من الشعب بعين الاعتبار .
عللت السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل إصرار الحكومة على المادة /65/ قائلةً :
" نحن في الحكومة لم نكن نتخيل أن قانون العمل بمفرده سيحفز على الاستثمار فقط ، وإنما هو إحدى الأدوات التي تستخدمها الحكومة السورية مع مجمل الأدوات الأخرى لجذب الاستثمار " .
إذن ضحَّت الحكومة بمصالح العمال التي ينصُّ عليها المرسوم /49/لعام / 1962/ في قانون العمل الحالي على مذبح الاستثمار ، علماً أن " المنجزات الاقتصادية " و" اقتصاد السوق الاجتماعي " تحققت في ظل سريان المرسوم /49/ وتعديلاته ، ولم يشكل عقبةً في طريق الاستثمارات ، بالرغم من تخفيض نسب ضرائب المستثمرين وزيادة أرباحهم ، ولم تحقق للمواطن مستوى دخل أفضل ، ولم تحدّْ من معدل مَنْ يعيشون تحت خط الفقر ، وتنامي البطالة ..
وأضافت السيدة الوزيرة : إن أكثر القوانين طلباً من قبل من يقدم الاستثمار هو قانون العمل ، كما جاء في مقال السيد نديم رشيدي في صحيفة شام برس 18/3 وكلنا شركاء في 17/3/2010 .
بعد هذا التقديم لابد من قراءة مقارنة بين المادة / 65/ من المشروع الجديد ومرسوم /49/ لعام 1962 :
– أقرت المادة 65 أن يأخذ العامل المسرح راتب شهرين عن كل سنة ، بينما أعطى المرسوم 49 لجان التسريح حق إعادة العامل ، فإن لم يمتثل رب العمل لذلك فهي تحكم أن يقدم رب العمل للعامل 80% من أجره طوال الحياة .
– القضاء هو الحكم من خلال وجود محكمة مؤلفة من قاض وممثل عن اتحاد العمال وممثل عن رب العمل ، لمن لم يقبل بالتسريح ، بينما نصَّ المرسوم 49 تشكيل لجان تسريح مقرها في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل .
– أقرت السيدة وزيرة الشؤون بأن التعويض الذي سيأخذه العامل حسب المادة 65 لن يكون كافياً له كل العمر ، بل هو تعويض يكفيه على مدار البحث عن العمل ، ينما المرسوم 49 يحكم له ب80% من أجره طوال الحياة ، أو إعادته إلى العمل .
– العودة للقضاء السوري الواردة في المشروع الجديد ليست مكسباً ، فلجان التسريح الواردة في المرسوم 49 أرحم وأسرع ، فأمامها خياران : عودة العامل المسرح أو منحه 80% مدى الحياة .
– تجاهلت المادة 65 طبيعة الحكومة السورية وتغول السلطة ، فهي ليست مستقلة وحيادية ، لذا
لا تضمن حق فئات مجتمع من عمال ومستثمرين ، ولا يمكن أن تكون حكماً عادلاً وخاصةً قبل إصلاح القضاء وفصل السلطات .
للتذكير أغلبية أعضاء مجلس الشعب أعضاء في حزب البعث العربي الاشتراكي وفي أحزاب الجبهة التقدمية ، ونصفهم من العمال والفلاحين ، وبالرغم من ذلك وافق المجلس بالأكثرية على المادة 65 ، بينما كان يقود البرلمان السوري 17 نائب بعثي في الخمسينيات من القرن العشرين ، في أكثر المحطات البرلمانية والوطنية بما فيها مواجهة التسريح التعسفي دفاعاً عن حقوق العمال والشعب والوطن ..
– فهل الموافقة بالأكثرية على المادة 65 من مشروع قانون العمل الجديد مؤشر على التغيرات التشريعية ، التي تعبر عن توجهات الاقتصاد السوري ؟.
– هل سيتبع هذا القانون قانون للتأمينات الاجتماعية جديد ، وتحرر المادة 277 حول علاقة العمل السابقة واللاحقة ؟. نسأل : كيف حصل هذا؟. ولمصلحة مَنْ ؟.
– حولت المادة 65 عقد العمل بين العامل وبين رب العمل إلى عقد إذعان ، بغض النظر عما يجري اليوم من إرغام العمال كتابة استقالات مسبقة وقبل التوقيع على عقد العمل ، وشعار عقد العمل شريعة المتعاقدين حق يراد به الباطل ، هو كذلك إذا كان المتعاقدين على نفس السوية من الخيار ، وكانت الحكومة مستقلة وعلى مسافة واحدة منهما ، وكلنا يعرف تشابك مصالح بعض رجال الدولة الاقتصادية مع المستثمرين وبعضهم هو رجل دولة ومستثمر .
– حولت البطالة العمال وحملة الشهادات في سورية إلى سلعة ، والحاجة إلى العيش ولقمة الخبز ، وتنامي الخط البياني لمن يعيش تحت خط الفقر شيَّأتهم حسب عبارة المفكر طيب تيزيني .
كان الحكم في سورية منذ صباح الثامن من آذار عام 1963 وعام 1970 يرفع لواء التطبيق الاشتراكي ، ودولة الرعاية من الرغيف إلى الجامعة ، ومتطلبات الدفاع والتصدي والمواجهة وتحرير الأراضي المحتلة …نزع فيها من الفئات المنتجة والعاملين في الدولة ومن النقابات المطلبية المستقلة حق الاعتصام والإضراب والتظاهر والحجز على أموال رب العمل بما فيه الدولة ..
– فما هو المبرر اليوم باستمرار هذا النهج في ظل اقتصاد السوق واللهث خلف المستثمرين ؟.
– وكيف يبنى نظام رأسمالي بأدوات الدولة الشمولية ؟.
– ولمَ لا يعود للعمال حقهم المغتصب في الدفاع عن مصالحهم بمواجهة رب العمل ؟.
فالقانون الفرنسي على سبيل المثال ينصُّ في أحد بنوده حق التسريح لكنه مقيد بحق الطبقة العاملة في الإضراب و المجتمع مسوَّر بتعابير المجتمع المدني لاسيما الأحزاب ..
كلمة أخيرة :
القضية ليست في مجلس الشعب ، ولا في الموافقة بالأكثرية على المادة 65 من مشروزع قانون العمل الجديد . القضية في الحاجة إلى التغيير الديمقراطي المحتجز .
حمص 23/3/2010
"النداء"



















